لا تزال تداعيات المواقف التي أطلقها الرئيس فؤاد السنيورة في خلوة ساحة النجمة، أول من أمس، ولا سيّما اعتراضه على تسوية أزمة التعيينات الأمنية بترفيع اللواء شامل روكز الى رتبة لواء، تلقي بظلالها على الاتصالات السياسية في البلاد.
وعلمت «الأخبار» أن بري، الذي استطاع أن يجمع النواب وليد جنبلاط ومحمد رعد وميشال عون والرئيس تمام سلام والسنيورة، بعد جلسة الحوار الثالثة التي وصفت بـ «المنتجة والهادئة»، فوجئ بمواقف السنيورة وسلوكه خلال الجلسة، باعتبار أن رئيس المجلس دعا إلى الخلوة بعد أن وصلت إليه أجواء إيجابية ومشجعة من جميع الفرقاء للوصول إلى التسوية، ومن بينها تيار المستقبل. ووصلت إلى الرئيس سعد الحريري إشارات واضحة عن استياء برّي من مواقف السنيورة وتساؤله عمن يمثل كتلة المستقبل فعلياً.
كذلك عكس موقف جنبلاط، الذي سُرّب جزء منه إلى الإعلام خلال الجلسة، والذي وصّف موقف السنيورة بـ «الحنظلية السياسية»، استياء رؤساء الكتل ومن بينهم برّي من وقوف السنيورة سدّاً أمام الحلحلة السياسية في البلاد، متذرعاً بالحفاظ على صلاحيات رئيس الحكومة، علماً بأن بري وجنبلاط تسلّما دفة الحوار بدل عون في الخلوة، وعبّرا للسنيورة مراراً بأن ما سيجري التوصل إليه هو تسوية سياسية مؤقتة، للخروج من النفق الذي وصلت إليه الأمور. وبدا موقف السنيورة في «الدفاع» عن صلاحيات رئاسة الحكومة وفي رفض أي آلية للعمل الحكومي مزايداً على موقفي الحريري والرئيس تمام سلام اللذين وافقا على مثل هذه الآلية.
كذلك علمت «الأخبار» ان الحريري عبّر عن انزعاجه من مواقف رئيس كتلته، وأن هذا الانزعاج تبلّغ به بري، وتبلّغ استمرار تمسك تيار المستقبل بالتفاهم الذي يتيح الخروج من المأزق السياسي والحكومي، وهو ما يفسّر إصدار السنيورة بياناً ليل أول من أمس لتوضيح موقفه بأنه لم يكن ضد ترقية العميد روكز وإتمام التسوية.
تيار المستقبل يستمهل
القوى السياسية لإصلاح ما أفسده السنيورة
أكثر من مصدر وزاري أكد أن بيان السنيورة جاء بعد زيادة التباين داخل تيار المستقبل، وأن تشدّد السنيورة مغايرٌ تماماً لموقف مستشار الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق خلال جلسة الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة الأسبوع الماضي، وخلافاً لما أبلغه المستقبل لبري عن تشجيعه الوصول إلى تسوية تعيد إلى الحكومة الحياة والفعالية. وبينما ترتفع أصوات داخل تيار المستقبل تتهم السنيورة بعرقلة الحلول ومحاولة السيطرة على القرار السياسي للتيار، يقول مقرّبون منه إنه لا يتصرف من تلقاء نفسه، بل يملك أجواءً إقليمية ودولية على خلفية التدخل الروسي الجديد في سوريا، «تحتّم على الطائفة السنية التشدّد للدفاع عن حقوقها في الإقليم ولبنان وتحديداً، ومسألة التمسكّ بالدستور وصلاحيات رئاسة الحكومة أمر مهم جداً».
وفيما تحلّ عطلة عيد الأضحى اليوم، استمر الأخذ والردّ بين القوى السياسية أمس، ولا سيّما الحركة التي يقوم بها الوزير وائل أبو فاعور موفداً من جنبلاط، بالاتصال مع الوزراء علي حسن خليل والياس بو صعب ونادر الحريري. وأشارت مصادر وزارية لـ«الأخبار» إلى أن العمل على التسوية لم يتوقّف، وأن حظوظها بحسب مصادر وزارية هي 50 ـــ 50. والتقى الحريري خليل أول من أمس بعد الخلوة، وكرّر أمام الأخير موقف الرئيس الحريري المشجّع للتسوية. كذلك زار أبو فاعور الوزير سامي الجميّل ووضعه في أجواء الاتصالات. وعلمت «الأخبار» أن المستقبل طلب منحه 24 ــ 48 ساعة لحلحلة الأمور، ومعالجة التباين في الآراء داخل التيار، للوصول إلى التسوية في التعيينات والاتفاق على آلية العمل الحكومي. وتشير مصادر وزارية إلى أن بري يطرح سلة متكاملة لمعالجة أزمة التعيينات ومجلس النواب والحكومة، بالعودة إلى آلية العمل الحكومي التي تسمح لرئيس الحكومة بتأجيل أو إلغاء أي بند يجري الاعتراض عليه من قبل مكوّنين في الحكومة، لكن من دون تعطيل مجلس الوزراء، وهي الصيغة التي يوافق عليها سلام والحريري، ويعتبرها السنيورة انتقاصاً من صلاحيات رئاسة الحكومة. علماً بأن وزراء أمل والاشتراكي سبق أن اعترضا على هذه الآلية قبل نحو عام على الرغم من موافقة سلام عليها. وقد بذل بري وجنبلاط جهداً في خلوة أول من أمس للتوضيح للسنيورة أن «هذا اتفاق سياسي، ولا بدّ أن نمنح الجنرال عون شيئاً».
الحريري عبّر عن انزعاجه
من مواقف رئيس كتلته وأكد التمسك بالتفاهم
من جهة أخرى، قالت مصادر في قوى 14 آذار لـ «الأخبار» إنه «لن يكون هناك بحث في قانون الانتخاب على طاولة الحوار، قبل الانتهاء من البحث في مسألة الانتخابات الرئاسية وإجرائها، وأن هذه المسألة هي البند الأول، ووفق الدستور عمل مجلس النواب ينحصر بانتخاب رئيس للجمهورية في حال الفراغ قبل أي شيء آخر». وقالت مصادر وزارية إن محاولة «فرملة طاولة الحوار عند مسألة رئاسة الجمهورية هو موقف السنيورة والمستقلين في 14 آذار، ويحاول جرّ الكتائب إلى هذا الموقف».
وعلمت «الأخبار» أن كلام عون حول موافقة القوى المسيحية على القانون النسبي وفق 15 دائرة انتخابية أثار امتعاضاً لدى قوى 14 آذار. وقال مصدر نيابي في هذه القوى إن «قانون الـ 15 دائرة مع النسبية كان واحداً من ثلاثة قوانين جرى بحثها في بكركي، ولم يتم الاتفاق عليه، وهذا القانون لا يؤمن تصحيح التمثيل المسيحي بالقدر نفسه الذي يؤمنه مشروع المستقبل والقوات والاشتراكي الأكثري والنسبي معاً»، علماً بأن جنبلاط صرّح قبل أيام بأنه لم يعد يوافق على هذا القانون. وعلمت «الأخبار» أيضاً أن «الدوائر القانونية في قوى 14 آذار» أعدت دراسة مفصلة عن «مساوئ هذا المشروع، وانعكاساته السلبية على الوضع المسيحي» كما تقول المصادر.
من جهته، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إن «الفساد في لبنان أصبح نموذجاً بحيث إن التباري بين عدد كبير من المسؤولين والقوى التي تعمل في الساحة هو بمقدار الفساد مع التغطية عليه»، وإن «الفساد يتطلب محاسبة، وفي هذا النظام الطائفي وفي هذه التركيبة الطائفية الموجودة لا تستطيع الآليات المعتمدة أن تحاسب أحداً». واكد قاسم أن «الجهة الوحيدة التي تستطيع المحاسبة هي الشعب، ولا يستطيع الشعب أن يحاسب إذا لم يكن هو قادراً على الانتخاب الحر، ولا انتخاب حراً في لبنان إلا مع قانون النسبية على قاعدة لبنان دائرة واحدة».