يدخل لبنان اعتباراً من اليوم في عطلة عيد الأضحى، ولكنّ إطلالة الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله مساء غدٍ ستخرق العطلة السياسية، نظراً لِما سيتخلّلها من مواقف تتّصل بملفات النزاع في المنطقة ولبنان، وما يمكن أن تثيره من ردود فعل، فيما علمَت «الجمهورية» أنّ نصرالله سيتطرّق إلى كلّ العناوين، القديم منها والجديد، من الدخول الروسي على الخط السوري إلى ما يحصل في لبنان من حراك في الشارع وحوار بين القوى السياسية. وفي موازاة ذلك يمكن التوقف أمام ثلاثة تطوّرات، الأوّل: بروز استياء لدى القوى السياسية التي استُثنِيت من الخلوة السداسية والتي فضّل أصحابها صراحةً أن يُطرح أيّ موضوع على طاولة الحوار بعيداً عن أيّ حوارات جانبية على رغم تقاطع الجميع عند النيّات الإيجابية لرئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي كان هدفه تحقيق تسوية سياسية في ملفّ محدّد. والتطوّر الثاني يتّصل بتشَدّد 8 من الوزراء المسيحيين في الحكومة رفضاً لأيّ تسوية تتّصل بالمؤسسة العسكرية، بمعزل عن رأيهم المحذّر من إدخال هذه المؤسسة في عملية مساومات وتسويات تضرب صدقيتَها وهيبتها ودورَها الجامع، خصوصاً أنّ تجاوزَهم يشكّل ضرباً لمبدأ الشراكة في الحكومة. والتطور الثالث يتمثل بإزالة معظم العوائق المتصلة بتنفيذ خطة النفايات التي نجحت الحكومة في إعادة توفير البيئة الحاضنة لها سياسيا وشعبيا وبيئيا. كلّ المؤشّرات تؤكّد أنّ أمام التسوية التي يُعمل عليها عراقيل جدّية من الصعب تجاوزها، خصوصاً أنّ الطرف الآخر يرفض إعطاء أيّ تعهّد بعدم الركون مجدّداً للابتزاز في عنوان آخر بعد أن يكون حقّق أغراضه في الملف المطروح. ورأت أوساط وزارية أنّ هذا الطرف يعمل على قاعدة خُذ وطالِب، وقالت أنْ لا ثقة بوعوده.

وإذا كان ما زال هناك متّسع من الوقت للمفاوضات، فإنّ السؤال عن ردّ فعل «التيار الوطني الحر» في حال لم يُبَتّ بطلبه؟. وردّاً على هذا التساؤل قالت أوساط وزارية لـ«الجمهورية»: «نحن غير معنيين بردّ فعل هذا الطرف أو ذاك، ولا نخضع لابتزاز هذا الفريق أو ذاك، ونتمسّك بالدستور وأصول العمل الحكومي».

خرق للدستور

وردّاً على التساؤل الذي كان طرحه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على طاولة الحوار لجهة أنّ الدستور لم ينصّ على أولوية الانتخابات الرئاسية على النيابية، أكدت أوساط دستورية لـ«الجمهورية» أنّ ما قاله عون غير صحيح على الإطلاق، بل يشكّل مخالفة واضحة للمواد 73 و74 و75 من الدستور، هذه المواد التي تؤكّد أنّ على مجلس النواب أن يلتئم «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية (...) لانتخاب الرئيس الجديد»، وأنّ «المجلس الملتئم لانتخاب رئيس يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أيّ عمل آخر».

وتمنّت الأوساط على العماد عون أن يطّلع على هذه المواد، وقالت إنّ تبدية الانتخابات النيابية على الرئاسية تشكّل مخالفة دستورية صريحة، وحذّرَت من مجرّد النقاش في هذا الموضوع، لأنّ التخلّي عن مبدأ أولوية الرئاسة يعني المساهمة في ضرب الدستور وموقع الرئاسة والانزلاق إلى تجاوزات أخرى تطيح بما تبَقّى من هيكل للجمهورية اللبنانية.

ودعت الأوساط إلى تطبيق المواد المذكورة أعلاه والذهاب إلى انتخابات رئاسية فورية والكفّ عن مقاطعة جلسات الانتخاب التي تشكّل بدورها مخالفة دستورية.

الاجتماع السداسي

وقد أثارَ الاجتماع السداسي الذي انعقد أمس الأوّل برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري استياءً لدى أطراف آخرين، ووصفته مصادر وزارية بأنّه كان «خطوة خاطئة، خِلافاً لما اشتهر فيه برّي بأنّ خطواته تكون مدروسة».

وقالت المصادر لـ«الجمهورية إنّ «إقصاء النائب سليمان فرنجية والكتائب وشخصيات أساسية أخرى وازنة عن هذا الاجتماع الذي كانت تُحضّر فيه طبخة تسوية للحكومة وللترقيات، أثار ردّات فعل عند الأطراف التي اعتبرت أنّها غير معنية بالاجتماع».

وإزاء ما جرى، حاولَ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط استدراكَ الموقف، فطلبَ من وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي يلعب دوراً بارزاً في إنضاج التسوية ان يعرض الأفكار المطروحة على المعنيين.

ولهذه الغاية زارَ ابو فاعور صباحاً قزّي في مكتبه، تحضيراً لزيارته بعد الظهر الجميّل في الصيفي. وفي المعلومات أنّ التسوية تدور حول الترقيات، علّها تكون مدخلاً لتفعيل العمل الحكومي، وبالتالي تحريك التشريع في المجلس النيابي.

ويبدو أنّ الاتصالات الجارية في هذا الشأن متقدّمة، إلّا أنّ أمام التسوية معارضين شرسين حتى الآن انطلاقاً من عدم اقتناعهم بأنّ هذه التسوية ستؤدّي الى حلّ.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الملامح النهائية لهذه التسوية لن تتوضّح قبل عودة رئيس الحكومة تمام سلام من نيويورك، وقبل إجراء اتصالات مع مختلف الاطراف التي تعارض التسوية أو تلك التي تتحفّظ عليها. وقد بات معلوماً أنّ مِن أبرز المتحفظين الرئيس السابق ميشال سليمان والكتائب وكتلة «المستقبل» وبعض الوزراء المستقلين، عِلماً أنّه إذا لم تعالَج هذه الاعتراضات لا يمكن أن تمرّ هذه التسوية في مجلس الوزراء.

قزّي

وقال قزي لـ«الجمهورية» إنّ موقفنا من الموضوع واضح، أولاً موقف الكتائب يتّخذه حزب الكتائب، والحزب ينسّق موقفه بهذا الموضوع مع مكوّنات «اللقاء التشاوري» وفي طليعتهم الرئيس ميشال سليمان.

ولأنّ الموضوع هو موضوع عسكري فرأيُ قيادة الجيش أساسي لبلوَرة الموقف، لأنّ حزب الكتائب تاريخياً حريص على مؤسسة الجيش، فكيف الحال اليوم والجيش هو المؤسسة الوحيدة الباقية والقادرة على ضبط الأوضاع في حال تطوّرها نحو الأسوأ؟».

وكشف قزي أنّ الجميّل على تواصُل مع مختلف الاطراف للبحث عن حلول سياسية لا تكون على حساب المؤسسة العسكرية.
وكان قزي قال صباحاً «إنّ المؤسسة العسكرية لها تقاليدها وهيكليتها وتراتبيتُها ونوعية عمل لا يجوز المسّ بها، ونحن كوزراء كتائب وكوزراء في «اللقاء التشاوري» نرفض المسّ بهذه التقاليد العسكرية الموجودة داخل المؤسسة، ولن يمرّ أيّ قرار إذا لم نوافق عليه».

حرب

وكان الوزير بطرس حرب أسفَ «للجوء البعض الى عَقد حوار جانبي على هامش جلسة الحوار الثالثة، لم نشارك به»، وأكّد أن «لا شيء يُلزمنا بما يتّفقون عليه، بل نلتزم بكلّ ما نتفق عليه مجتمعين، وليس ما يقرّره غيرنا عنّا، حتى ولو كان لنا حليف بينهم»، معتبراً أنّ «التمثيل في هذا الحوار الجانبي لم يكن جيّداً، وتغييبُنا عن هذا الحوار وعن الحلول، يعرقل الحلّ».

وقال إنّ طرح الموضوع بالشكل الذي يطرَح به، طرحٌ خاطئ، ويهدّد وجود ومستقبل الجيش والتراتبية والانضباط فيه، ما قد يؤدي الى خلق تخريب لعملية الجيش، الأمر الذي لا يمكن أن نوافق عليه إطلاقاً».

الجميّل

من جهته، اعتبر الجميّل أنّ أسلوب الغرَف السوداء الذي كان متّبَعاً قديماً لم يعُد سارياً، وأيّ قرار يجب ان يَحظى بموافقة مجلس الوزراء، ولن يكونوا قادرين على تمريره من دون موافقة ثمانية وزراء هم وزراء اللقاء التشاوري.

حوري

ونفى عضو كتلة المستقبل» النائب عمار حوري وجود أيّ خلاف بين الرئيس سعد الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في شأن الموقف من التسوية التي يعمل عليها، وقال لـ»الجمهورية»: «الحديث عن خلاف بموضوع الترقيات غير صحيح، وُجهات النظر متطابقة ولا احد منّا ضد الترقيات، ولكن في الوقت نفسه نريد في المقابل استعادة دستورية عمل مجلس الوزراء».

وهل يَعتبر ذلك مقايضة أم لحشر عون وعرقلة التسوية؟ أجاب حوري: «هذه ليست نقطة لنا بل لتفعيل العمل الحكومي واستعادة دستوريته، ولا نضع هذه مقابل تلك، فمطلبُنا هو الدستور واحترامه، وهذا مطلب وطني».

وهل إنّ التسوية ستنضج بعد العيد؟ أجاب حوري: «الموضوع ليس عندنا بل عند الفريق الآخر، فنحن نقول أنْ لا مانع لدينا من حصول الترقيات ولكن نريد دستورية عمل مجلس الوزراء، فإذا سار الفريق الآخر به نسير نحن».

وعمّا إذا كان الحوار سينتج حلّاً في جلساته المتتالية، أجاب حوري: «هناك بعض الإيجابيات، فمثلاً تمّ استبعاد قضية تعديل الدستور وبدأ الدخول في مواصفات رئيس الجمهورية، وهذا أمر إيجابي، إضافةً إلى انّ الامور ليست مقفلة. واضحٌ انّ الاكثرية الساحقة من المتحاورين حسمت أنّ رئيس الجمهورية لن يأتي لا من 14 ولا من 8 آذار، ويمكن أن يكون هذا الأمر نقطة تخدم الجلسات المقبلة، علّ وعسى تحدِث خرقاً».

سلام في نيويورك

ويغادر رئيس الحكومة تمام سلام الى نيويورك اليوم للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي الاجتماع الوزاري لمجموعة الدعم الدولي للبنان، وعشيّة سفره عرض سلام لزيارته مع السفير الاميركي دافيد هيل الذي زار امس السراي الحكومي وبنشعي وأعلن أنّ حكومة بلاده ستخصّص مبلغ 59 مليون دولار إضافي لمعدّات أمن الحدود للجيش اللبناني.

وكشف انّ بلاده استلمت هذا الأسبوع تحويلة حديثة أساسية من الأموال من السعودية لشراء معدّات أميركية إضافية لمساعدة الجيش. هذه الأموال إلى جانب التمويل الأميركي ستساعد الجيش على مواصلة تطوير قدرات سلاح الجوّ في الضربات الموجّهة.

وقال هيل: سواءٌ من خلال الدعم السياسي أو المساعدات العسكرية أو الإنسانية، أميركا ستقف إلى جانب لبنان. فأعمالنا فقط هي المعيار للحكم على التزام أميركا باستقرار لبنان. ولكن عندما يتعلق الأمر بالاستقرار، ليس هناك أيّ قَدر من المساعدات الخارجية أو النوايا الحسنة التي يمكن أن تكون بديلاً عن الاستقرار الذي يأتي من الحكم الرشيد.

فهذا الأمر يأتي فقط من الداخل. وأنا أعلم أنّ القادة في لبنان يعملون على إعادة تفعيل مجلس الوزراء وعلى استئناف الحوار حول القضايا الأكثر عمقاً. نحن نرحّب بأيّ جهد من هذا القبيل، وقد انضمّينا في وقت سابق من هذا الشهر إلى أعضاء آخرين في مجلس الأمن الدولي في التأكيد على أنّ الآن هو الوقت ليجتمع مجلس النواب وينتخب رئيساً في أقرب وقت ممكن، ولتحديد موعد انتخابات نيابية.

نصر الله

وسط هذا المشهد، تترقّب الأوساط السياسية المواقف التي سيعلنها الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله مساء غد. وعلمت «الجمهورية» أنّه سيُفرد حيّزاً واسعاً من مقابلته المتلفزة على «المنار» للحديث عن الوجود الروسي في سوريا وآثاره على الواقع الميداني والسياسي، وهل هذا سيؤدي الى تصعيد عسكري أم الى اقتراب الحل السياسي.

كذلك سيسلّط الأمين العام الضوء بالتفصيل على الوضع في الزبداني والمفاوضات الجارية حول كفريا والفوعة. أمّا في الشأن الداخلي فسيتناول ملف الشغور الرئاسي والعمل الحكومي والحوار الوطني، إضافةً الى خطة معالجة النفايات.

وكان نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق اعتبَر أنّ قوى 14 آذار «هي المتّهمة أوّلاً وأخيراً بإطالة أمد الشغور الرئاسي لأنّها المستفيدة من إطالة أمدِه كونها الفريق الممسِك بالقرار الحكومي»، وأضاف أنّ «هذا ما يفسّر العرقلة المستمرّة لانتخاب رئيس للجمهورية يمثل القوى الوطنية والمسيحية أكثر من غيره».

وإذ لفتَ إلى «المراهنة على تغيير الحزب لموقفه من ترشيح النائب ميشال عون من خلال الحوار أو عامل الوقت»، شدّدَ على أنّ «موقف الحزب النهائي في الملفّ الرئاسي قبل النووي وبعده، وقبل الحوار وبعده هو ترشيح الرئيس الأكثر تمثيلاً مسيحياً ووطنياً وهو المرشّح ميشال عون، وهو لا يبدّل تبديلا».