معطيان أساسيان ميّزا جلسة الحوار الثالثة أمس، الأول تمثّل في تقدّم بند الرئاسة باتجاه الاتفاق على ضرورة البحث في مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، والثاني تدوير راعي الحوار زوايا طرح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون القائل بتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية، وفق معادلة: إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية أولاً (كما يطالب عون) على أن تبقى الأولوية لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية (كما تطالب قوى 14 آذار). وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد دعا إلى استئناف الحوار على ثلاثة أيام متتالية بدءاً من 6 تشرين الأول المقبل، أوضحت مصادر المتحاورين لـ«المستقبل» أنّ «ثلاثية» تشرين، التي ستشهد كل منها جلستين صباحية ومسائية يومياً، سيطغى على مباحثاتها بشكل أساس مسألة «مواصفات» الرئيس المنشود وطنياً، ناقلةً عن بري أنه يريد تحويل هذه «الثلاثية» إلى ما يشبه «دوحة» لبنانية يُصار خلالها إلى محاولة بلورة سلة تفاهم وطني متعددة الأضلاع التوافقية بشكل يشمل الاتفاق على قانون انتخابات نيابية جديد ومرشح رئاسي توافقي تمهيداً لإجراء الاستحقاقين الرئاسي والنيابي. 

وكان بري قد جدد في مستهل الجلسة «أهمية استمرار الحوار في إطار السعي إلى ايجاد الحلول للبنود المطروحة على جدول الأعمال»، وفي ختامها صدر بيان رسمي عن المتحاورين أوضح أنّ «النقاش تركز على بلورة الأسس لإنجاز البند الأول (رئاسة الجمهورية)، واتُفق على أن تكون الجلسة المقبلة لثلاثة أيام متتابعة لاستكمال النقاش في ما طُرح من أفكار عملية وإيجابية حول البنود كافة».

خلوة «الترقيات»

وفي سياق مؤكد لما كانت قد كشفته «المستقبل» في عددها أمس، عقدت إثر انتهاء جلسة الحوار خلوة سياسية ضمّت إلى الرئيسين بري وسلام، عون ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، بحيث خصصت الخلوة للتداول في ملف الترقيات العسكرية. وأكدت مصادر المجتمعين لـ»المستقبل» أنّه جرى خلالها تسجيل توافق على إنجاز هذا الملف بما يشمل ترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء في مقابل تحرير آلية العمل الحكومي، موضحةً أنّ السنيورة طالب في هذا الإطار بتحكيم الدستور في الآلية المتبعة في مجلس الوزراء لناحية كيفية اتخاذ القرارات وإقرار وتوقيع المراسيم، الأمر الذي أدى إلى تعليق إبرام الاتفاق على الترقيات بانتظار اتضاح صورة الآلية الحكومية المنوي إقرارها. 

غير أنّ المصادر لفتت الانتباه إلى أنّ تعليق التوافق لا يعني وصول الأمور إلى طريق مسدود، مشيرةً إلى إمكانية عقد اجتماع آخر وحصول اتفاق «بين يوم وآخر» لإقرار سلة تفاهم تشمل إقرار الترقيات والعمل الحكومي قبل موعد إحالة روكز على التقاعد في 11 تشرين المقبل.

ولاحقاً، أوضح المكتب الإعلامي للسنيورة، تعقيباً على ما تردد إعلامياً عن رفضه تسوية الترقيات العسكرية خلال الخلوة، أنه «لم يرفض ترقية العميد روكز، إنما اقترح التأكيد على التمسك بشكل واضح بتطبيق الدستور في عمل الحكومة، حرصاً على فعالية عملها في خدمة المواطنين ومصالحهم، وهو ما استدعى التريث من قبل الفريق الآخر في التوصل الى هذه التسوية».

الحوار

أما في مجريات جلسة طاولة الحوار الثالثة، وفق ما نقلتها مصادر المتحاورين لـ»المستقبل»، فقد أثار خلالها عون، الذي عاد مجدداً إلى الطاولة، موضوع قانون الانتخابات النيابية باعتباره أولوية تتقدم على أولوية الانتخابات الرئاسية مطالباً في هذا السياق بإقرار قانون انتخابي جديد على أساس النسبية، وقال: عندما اجتمعت القيادات المسيحية في بكركي اتفقت على اعتماد لبنان 15 دائرة انتخابية على أساس نسبي. عندها تدخل نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري مصوّباً بالقول: أنا مسيحي ولم أحضر اجتماعات بكركي. فاستدرك عون قائلاً: عنيت القيادات المارونية. 

كذلك علّق رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل على طرح عون متسائلاً: «قانون الانتخاب الذي تتحدث عن الاتفاق عليه يأتي قبل الرئاسة أو بعدها»؟، وأردف: «هذه مضيعة للوقت، إما ننزل إلى المجلس النيابي وننتخب رئيساً للجمهورية أو فلنتفق على رئيس».

وعندما أعرب بري عن كونه يلاحظ في طرح عون «إيجابية» معينة، اعترض الجميل وقال: «أتينا إلى هنا لنتحدث في مسألة رئاسة الجمهورية» ثم سأل عن أسباب تعطيل الحكومة وتأخير انعقادها، فردّ بري مذكّراً بسفر الرئيس سلام إلى الأمم المتحدة وتوجّه إلى الجميل قائلاً: «أطمئنك جازماً إلى أنه يتم العمل حالياً على إعداد آلية كاملة لعمل مجلس الوزراء ونتوقع حدوث مستجدات بهذا الخصوص في اليومين المقبلين».

وفي معرض إشادته بإيجابية الطرح العوني، أضاف بري: «فلنقم بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس الجمهورية على نسق ما حصل في اتفاق «الدوحة» حيث كنا قد اتفقنا على سلة واحدة شملت بدايةً التوافق على قانون انتخابي جديد أدى بدوره إلى انتخاب رئيس جديد».

من ناحيته، أبدى جنبلاط قناعته بعدم القدرة حالياً على انتخاب رئيس للجمهورية، وكرّر على طريقته التنبيه إلى أنّ تعثر لبننة الحلول سيدفع «أحدهم إلى أن يأتي ويأخذنا إلى الخليج الفارسي أو سوتشي الروسية أو جزر المحيط الهندي لجعلنا نتفق على رئيس».

وبينما عبّر كل من السنيورة والوزير بطرس حرب والجميل عن موقف 14 آذار الموحّد الذي يؤكد أولوية بند الانتخابات الرئاسية قبل أي موضوع آخر، أدلى السنيورة بمداخلة تفند الأولوية الرئاسية باعتبار أنّ الممر الإلزامي لحل كل مشاكل البلد السياسية والاقتصادية يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية، مقترحاً الانطلاق من الاتفاق على مواصفات الرئيس قبل الخوض في الأسماء لإحراز تقدم على طريق الوصول إلى رئيس توافقي.

كذلك دعا رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية المتحاورين إلى الاتفاق على «معايير التوافق على الرئيس العتيد سواءً إذا كان مرشحاً من قوى 14 آذار وتوافق عليه قوى 8 آذار أو العكس». في حين شدد رعد على كون الاتفاق على رئيس للجمهورية «ممكن الآن وممكن بعد 1000 سنة بحسب مواقف الأطراف». كما طالب رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» النائب أسعد حردان بضرورة وصول «رئيس وطني جامع يستوعب تحديات المرحلة الراهنة وقادر على التواصل مع الدول».

وفي ختام الجلسة اقترح بري على المتحاورين عقد جلسات متتالية في مطلع تشرين الأول، فتم تحديد موعد انعقادها بدءاً من السادس منه على «أن يكون الموضوع الأساس فيها مواصفات الرئيس العتيد».