إنتقال الوضع في لبنان من الجمود السياسي إلى الحيوية السياسية في الشارع والحوار لم يُترجَم بعد بأيّ خرق رئاسي وحكومي ونيابي، ولكن لا بد من أن تُحدِث هذه الحيوية، وفق قطب سياسي بارز في 14 آذار، خرقاً في المشهد الوطني. فهو قال لـ»الجمهورية»: ما يحصل في لبنان، كما الدخول الروسي إلى سوريا، ودخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ، والقلق الأوروبي الكبير ربطاً بأزمة النازحين... كلّ هذا يشكّل مؤشرات إلى تحريك قريب للوضع باتجاه الحلحلة السياسية، والتي سيكون لبنان أوّل المستفيدين منها. وفي هذا الوقت تواصِل هيئة الحوار في جلستها الثالثة البحث عن المساحة المشتركة التي تُفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلّا أنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الذي لم يعرف بعد ما إذا كان سيتغيّب مجدداً، استبقَ الجلسة بموقفين: سياسي أكد فيه تمسّكه بترشيحه، وميداني دعا فيه إلى تظاهرة حاشدة أمام القصر الجمهوري في 11 تشرين الأول، وذلك عشيّة ذكرى 13 تشرين 1990 ودخول الجيش السوري إلى قصر بعبدا. ولكن لا يبدو أنّ الحوار سيخطف المشهدية السياسية، إذ انه من المتوقع أن تتمّ مواكبته على غرار الجلسات السابقة بتظاهرات في الشارع على رغم أنّ المنظمين لم يوجّهوا أيّ دعوة في هذا السياق. في غياب أيّ خرق سياسي يُذكر في الملف الرئاسي أو العمل الحكومي والتشريعي، أو في قضية الترقيات العسكرية أو في ملف النفايات على رغم إنذارات أمطار أيلول، تتجه الانظار ابتداء من اليوم الى محطات عدة، أوّلها جلسة الحوار الوطني الثالثة في مجلس النواب والتي يغيب عنها الرئيس نجيب ميقاتي لوجوده في باريس ويمثّله على طاولة الحوار النائب أحمد كرامي، علماً بأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري تقدّم أمس بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضد المتظاهر صلاح مهدي نور الدين، بتهمة قدح وذمّ ونشر معلومات مغلوطة ومضلّلة، وذلك بعدما رفع نور الدين لافتة خلال التظاهرة اتّهم فيها برّي بالفساد. امّا وزير الداخلية نهاد المشنوق فطمأنَ الى «انّ بيروت ليست يتيمة، وسنمنع بحزم بواسطة قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني والامن العام أيّ تعرّض لأيّ ملك خاص أو عام في قلب بيروت الذي هو قلب كل لبنان».

وتتمثّل المحطة الثانية بالمواقف المرتقبة اليوم لكلّ من تكتل «التغيير والاصلاح»، وبيان كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها الاسبوعي الذي يأتي غداة المواقف التي أعلنها رئيس «التكتل» النائب ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل في مهرجان «البلاتيا» والدعوة الى التظاهر نحو قصر بعبدا في تشرين، كما يأتي عقب بيان «كتلة الوفاء للمقاومة» الاخير الذي اتهم «المستقبل» بالفساد.

امّا المحطة الثالثة فتتمثّل بترقّب المواقف التي سيعلنها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في مقابلته المتلفزة مساء الجمعة المقبل على شاشة قناة «المنار». وتلي هذه المحطات محطة مفصلية في نيويورك واجتماعات الجمعية العامة...

عون لم يعتذر

وقالت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يتبلّغ أيّ قرار لجهة تغيّب عون عن الحوار او عدمه. ولفتت الى انّ بري ينتظر مزيداً من أوراق العمل في جلسة اليوم لمقاربة الملفات وفق اولويات جدول الأعمال، ولا سيما كيفية مقاربة انتخاب الرئيس. وبالتالي، تفعيل عمل الحكومة ومجلس النواب للخروج من المأزق من زاويةٍ ما لِفَك أسر الجمود في لبنان.

لقاء قوى «14 آذار»

وليل الأحد - الإثنين التقى ممثلو قوى 14 آذار في اجتماع موسّع على مستوى الصف الأول في بيت الوسط، بحضور ممثلي جميع الفرقاء. وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» انّ اللقاء خُصّص للبحث في الأجواء التي خَلص اليها اللقاء الثاني لهيئة الحوار والتحضيرات للقاء الثالث المقرّر ظهر اليوم في ساحة النجمة، وسط اعتقاد شامل بأنّ لقاء اليوم سيكون عاصفاً إذا ما ترجم البعض مضمون خطاباته النارية في نهاية الأسبوع، والتي «أنبأتنا بانتصار محور المقاومة وايران في المواجهة الإقليمية الجارية على الساحة السورية».

ولفتت المصادر لتقول: هل من الضروري ان نؤكد في كل مرة انّ المجلس النيابي، وعلى رغم التشكيك في شرعيته ودستوريته، ما زال الهيئة التي تشكّل مصدراً لانبثاق السلطة في لبنان والتي لن تستقيم قبل ملء الشغور في قصر بعبدا لتنتفي المشاكل العديدة التي نواجهها؟

فانتخاب الرئيس هو الطريق الأقصر للخروج من المأزق القائم، وانّ مشاركة النواب في جلسات الانتخاب لاكتمال النصاب واجب وطني إلزامي، ومن بعد ذلك تشكّل حكومة جديدة ويَنكَبّ المجلس النيابي على وضع قانون انتخابي جديد لينتظم العمل عبر المؤسسات.

تدابير إستثنائية

وعشيّة جلسة الحوار، كشف مرجع أمني لـ«الجمهورية» انّ القوى الأمنية اتخذت سلسلة من التدابير الأمنية الإستثنائية في محيط ساحة النجمة والطرق والشوارع المؤدية اليها، لضمان وصول الوفود في أفضل الظروف.

وقال: «سنكون أكثر تشدداً هذه المرة إذا واجهَت القوى الأمنية ايّ عوائق تحول دون استِتباب الوضع الأمني، وايّ محاولات لخَرق الخطوط الأمنية المتخذة ستواجَه بما يتناسَب وحَجمها». ونصحَ المعنيين بالحراك بعدم تكرار ممارسات الأربعاء الماضي، لأنها تؤجّج الأجواء الأمنية ولا تفيد في شيء، خصوصاً إذا صَدقت مطالب الحراك المدني التي لا تلحَظ الوصول الى مرحلة من الفوضى الأمنية التي تَرتدّ على الجميع.

وتحدث المرجع عن تدابير أمنية أخرى إضافية ستتخذ ظهر اليوم في محيط قصر العدل، بعدما تبلّغت القوى الامنية بأنّ مجموعات تنتمي الى تنظيم جديد تجهله تحت إسم «صرخة وطن» ستتحرّك باتجاه قصر العدل للاعتصام في مواكبة الحراك المدني تحت عنوان «إبعاد القضاء عن الفساد والسماح له بفتح ملفاته ومنع المسؤولين من التأثير في أعماله».

وتمنّى المرجع ان «يكون التجمّع امام قصر العدل سلمياً وهادئاً لئلّا تضطرّ القوى الأمنية الى التعاطي معه بالطريقة التي تتناسَب مع أيّ خرق للقوانين المرعيّة الإجراء وتلك التي تحمي حرية التعبير وسلامة المؤسسات العامة والخاصة».

الترقيات

وفي إطار التسوية التي يجري البحث حولها مع عون بشأن ترقية الضبّاط، أكدت مصادر مواكبة للإتصالات انّ التسوية لم تنضج بعد لكنها تتقدّم. علماً بأنّ ما يجري الحديث عنه هو ترقية 5 عمداء الى رتبة لواء، من بينهم العميد شامل روكز، يصبحون أعضاء في المجلس العسكري بحسب قانون الدفاع للعام 79. ورأت المصادر انّ مشاركة عون في الحوار اليوم تترجم إفساحاً في المجال، من جهته، لإنضاج هذه التسوية.

قزي

وعشيّة جلسة الحوار التي ستواصِل البحث في بند الاستحقاق الرئاسي، قال وزير العمل سجعان قزي لـ»الجمهورية»: «إنّ نجاح الحوار هو رهن بقاء البحث عن الحلول في إطار الدستور، وليس خارجه.

وبالتالي، إنّ الذين لبّوا دعوة الرئيس بري إنما لبّوها للذهاب الى الحوار وليس الى مؤتمر تأسيسي يُغيّر النظام ويقلب الأولويات، وينقل البلاد من انتخابات رئاسية الى انتخابات نيابية. وبالتالي، بقدر ما تسيطر الحكمة على بعض المشاركين بقدر ما ينجح الحوار. امّا إذا كان هناك من يريد ان يحوّر الحوار الى مشروع انقلابي، فمن الطبيعي ان لا يؤدي الحوار الى أيّ نتيجة».

درباس

من جهته، لم يُبد الوزير رشيد درباس تفاؤلاً، وقال لـ»الجمهورية»: «بعد الخطابات التي سمعناها بالأمس لا أعتقد انّ جلسة الحوار ستؤتي ثماراً سريعاً، فخطاب العماد عون كان واضحاً: تمسّك بالمواقف السابقة. ولستُ أدري متى سنخرج من الدائرة المفرغة، خصوصاً عندما قال: الفوضى بدلاً من الرئيس الدمية».

ونظرَ درباس الى دعوة الوزير جبران باسيل للذهاب الى بعبدا في 11 تشرين من منظارَين: الاولى رمزية هذا التاريخ عندما أدّى قصف القوات السورية قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990 الى خروج الجنرال عون ورحيله ونَفيه، وبالتالي ربما هي استعادة لهذه الذكرى للقول انّ ما حدث لم يُؤتِ ثماره والجنرال عون عاد أقوى ممّا كان. والثانية ربما كانت هذه الدعوة إشارة الى انّ قصر بعبدا لن يدخل اليه سوى الجنرال عون».

وأشار درباس، من جهة ثانية، الى انّ الرئيس سلام «سيذهب الى نيويورك للعام الثاني بدلاً من ذهاب رئيس الجمهورية، وسيؤكد انّ الشغور الرئاسي بدأ يعطي نتائج سلبية متفاقمة، وسيحضّ المجتمع الدولي على محاولة وقف الحرب في سوريا لأنّ وَقفها سيؤدي الى حلحلة الوضع في لبنان وعودة اللاجئين الى بلادهم».

حوري

ولم يَر عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري انّ عون قدّمَ ايّ جديد، وقال لـ»الجمهورية» لقد «جَدّد خياراته: أنا او لا أحد. ولا مانع عنده من الذهاب نحو الفوضى، المعادلة منذ زمن كانت: «الضاهر أو الفوضى»، واليوم «عون أو الفوضى»، فالمبدأ نفسه».

ورأى حوري «انّ قصر بعبدا لا يزال حلماً يراود عون ويستحيل تحقيقه، فرئيس الجمهورية اليوم سيكون حُكماً رئيساً توافقياً، والعماد عون يمثّل طرفاً، والوزير باسيل اكّد في كلمته تحالفه مع «حزب الله» وخصومته مع كثير من اللبنانيين، مع أنّ جزءاً منهم هم حلفاؤه».

ولدى سؤاله: هل انّ المسافة بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» صارت بعيدة الى هذا الحد؟ أجاب حوري: «نحن لم نكن يوماً في قطيعة مع احد، امّا اذا كنّا نتحدث كمرشّح رئاسة الجمهورية، نعم لا فُرَص للعماد عون عندنا». وقال حوري: «المنطق يقول ان نَصِل في جلسة الحوار الى انتخاب الرئيس اذا اقتنع «حزب الله» بلَبننة هذا الاستحقاق، امّا اذا لم يقتنع فمعنى ذلك انّ الورقة الإيرانية هي التي ما زالت تَتحكّم».

شهيّب

وفي ملف النفايات، قال وزير الزراعة اكرم شهيّب لـ«الجمهورية» انّ «التحضيرات لتنفيذ الخطة مستمرة والعمل جدي، وأصبح أقرَب الى واقع التنفيذ منه على الورق. والاتصالات لا تزال جارية مع الجميع للوصول الى حلّ مع الاهالي والبلديات وأجهزة الدولة.

ويبقى الدور الاساسي للناشطين البيئيين الذين يقومون بمساعدتنا». وكشفَ شهيّب انّ «مطمر السلسلة الشرقية وجدناه، ونعمل عليه بالتنسيق مع الجيش والقوى الفاعلة في المنطقة. امّا في عكار فقد بدأ التحضير للمطمر في سرار، وهو ما نحن ملتزمون به حتى ولَو لم تنفّذ الخطة».

«الكتائب»

ولم يأمل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل «خيراً بالحوار الوطني، خصوصاً بعد الخطابات التي سمعتها منذ يومين او ثلاثة، والتي تدلّ الى انّ الجميع مُصرّ على مواقفه». وأسِف لأنّ «كل فريق بقيَ على مواقفه على حساب لبنان واللبنانيين»، وقال: «أقدّر ان تكون جلسة الغد (اليوم) حاسمة، وستتوضّح المواقف وسنكتشف اذا كان هناك نيّة في أن نتقدّم أو مطلوب منّا أن نبقى في أماكننا».