أن يضمَّ سجن مؤلف من 5 غرف نحو 85 سجينة أمر غير عادل وغير إنساني، خصوصاً عندما تدرك أنَّ الغرفة تسعُ لثماني سجينات إلا أن فيها 18، ما يعني أنَّ بعضهنَّ ينام على فِرش لا على أسرَّة. قد يبحث الناس عن حجج مثل "لكل جريمة عقاب"، إلاَّ أنَّه لا يمكن لوم المسجون الذي غالباً ما يكون ضحية المجتمع، والجهل والفقر والعوز والتفكك الأسري . الظروف تكون أقوى أحياناً من "المجرم"، تضطره إلى سلوك طريق غير قانوني. فابنة الـ 24 عاماً اليتيمة أحبَّت شاباً سُجن بتهمة تجارة المخدرات ، فكانت تزوره في السجن كل فترة، إلى أن طَلبَ منها إكمال عمله لتتمكن من مساعدته للخروج من السجن، فأُلقي القبض عليها بالتهمة نفسها وسُجنت.
هل نغفر لها ذنبها
ولكن ماذا عن الموقوفات لسنين في انتظار حكم القضاء قد نفاجأ يوم معرفتنا بأنَّ هناك من يقبعنَ في السجن لثلاث سنوات أو أكثر كموقوفات بلا حكم، فيما ترقد أخرى في السجن منذ 6 سنين بتهمة التستر على جرم في انتظار الحكم. ماذا لو صدر الحكم بعدد سنوات أقل من تلك التي أمضينها داخل أسوار السجن؟ من يعيد لهنَّ السنوات المهدورة من حياتهنَّ؟ من يعيد ترميم صورتهنَّ أمام المجتمع؟ خصوصاً أنَّ بعضهنَّ يفضلنَ السفر إلى خارج البلاد والبدء بحياة جديدة حيث لا يعرفهنَّ أحد! أو أن ترتكب فتاة جريمة قتل وأن تحكم جرّاءها بالمؤبد فهذا حُكم قد يجده البعض عادلاً، فهي مجرمة، لكن ما لا يعيه المجتمع أنَّ هذه الفتاة التي لجأت إلى القتل وصارت جلاداً، كانت ضحية مجرم اغتصبها في صغرها، وعادت لتأخذ حقها بيدها، حينها هل نغفر لها ذنبها؟ إلى ذلك، لا تضمُّ السجون اللبنانيين فقط، للأجانب حصَّة كذلك، فيتواجدن معاً في سجن واحد، حيث لا تعرف الأجنبية لغة المواطنة والعكس، ما يجعل التواصل بينهما شبه مستحيل، ويدفع بعضهنَّ إلى العزلة والانزواء، أو اختيار الورقة والقلم صديقين للتعبير عن ألم نفسي وذنب يعشنه مع كل إشراقة شمس. ماذا عن مدمنات المخدرات؟ مكانهنَّ ليس في السجن بل في مراكز الإدمان، لا يدرك البعض ذلك! إذ إنه في السجن ما من طرق للتخلص من السموم التي انتشرت في الأجساد على الرغم من محاولات الجمعيات التي تعنى بهذه المسألة مساعدة بعض المدمنات، إلا أن دورها يبقى محدوداً. وها هي قصة سجينة تم توقيفها بتهمة تعاطي المخدرات، مكثت في السجن 5 سنوات، ويوم الإفراج عنها اشترت المخدرات وتعاطت جرعة كبيرة من المواد المخدرة وتوفيت في اليوم نفسه. لو وجدت هذه الفتاة علاجاً صحياً أو نفسياً داخل جدران السجن لما احتاجت العودة مجدداً إلى الإدمان وإنهاء حياتها يوم خروجها إلى الحرية.
غياب استراتيجيات لإدارة السجون
تشهد السجون اللبنانية تشدداً في الإجراءات الأمنية غير المبررة خصوصاً في رومية، بحسب ما يشير إليه المحامي في جمعية "عدل ورحمة" زياد عاشور لـ"النهار"، "وتغيب استراتيجية واضحة لإدارة السجون، إذ إنَّ هناك تخبطاً في القرارات التي تُتخذ. وكأنَّ هناك إمعاناً في جعل سجن رومية قلعة أمنية، ما يتعارض مع القوانين العصرية لإدارة السجون التي يجب أن تُحكم بإدارة مدنية وبفتح أبواب السجون، لا اللجوء لمزيد من العوائق والسواتر والأمن. هذه المسألة باتت خلفنا في الدول المتحضرة. في داخل السجون هناك اكتظاظ ينسحب على نظارات قصور وزارة العدل والمخافر، حيث الوضع مزرٍ أكثر إذ ليست هذه الأماكن مهيأة لاستقبال أشخاص لفترات تفوق الـ 24 والـ 48 ساعة. كما أنَّ هناك استسهالاً في التوقيف، من دون التحقق من الوقائع، كثرٌ موقوفون في السجون بلا أحكام، ومن غير المبرر التوقيف بهذه السهولة والتعدي على أبسط حقوق الإنسان بحجة نقص عدد القضاة والأماكن المؤهلة فيصبح الإنسان رقماً".
هل من حلول؟ يجيب عاشور أنَّ "المسألة بحاجة إلى نظرة إنسانية لا أمنية أو قضائية فقط في التعاطي مع هذا الملف، الحل في بناء سجون جديدة للحد من الاكتظاظ غير كافٍ، إذ إنَّ هذه السجون إنْ بُنيت في ظل الواقع الحالي وغياب التأهيل والرؤية الواضحة ستمتلئ بظرف أسابيع. الهدف ليس بزيادة السجون أو أعداد المساجين، بل بالتأهيل وإيجاد إدارة مدنية متخصصة. من يخرج من السجن يعود ليرتكب الأخطاء نفسها جراء غياب التأهيل، ما يتناقض مع الهدف من السجن غير المرتبط بالعقاب فقط، بل بتأهيل المُذنب ليصبح إنساناً أفضل ولئلا يكرر أخطاءه. كذلك، من الضروري البحث في تعديل العقوبات عبر اللجوء إلى عقوبات بديلة، ولكنَّ المسألة بحاجة إلى آليات تتبعها الدول المتقدمة ما يخفف من الاكتظاظ في السجون".
كيفية توزيع السجناء على السجون
يبلغ عدد السجون والنظارات في لبنان 32 سجناً ونظارة، بحسب الشركة "الدولية للمعلومات"، إضافةً إلى السجون العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني وسجن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. ما من أرقام جديدة سوى تلك الصادرة في عام 2011، تشير إلى توزَّع السجناء في السجون على الشكل التالي:
اسم السجن |
موقوف |
محكوم |
المحكومون بالإعدام |
المحكومون بالمؤبد |
حد أدنى لاستيعاب السجن |
حد أقصى لاستيعاب السجن |
عدد السجناء الموجودين عام 2011 |
رومية |
2645 |
892 |
34 |
65 |
2500 |
3000 |
3527 |
نساء بعبدا |
58 |
12 |
2 |
- |
45 |
50 |
70 |
الأحداث رومية |
115 |
13 |
- |
- |
250 |
270 |
128 |
معهد الفنار |
27 |
4 |
- |
- |
- |
- |
31 |
سجن القاصرات |
6 |
- |
- |
- |
- |
- |
6 |
جبيل |
- |
14 |
- |
- |
22 |
24 |
14 |
عاليه |
3 |
12 |
- |
- |
56 |
62 |
15 |
العقاب في لبنان أصبح قصاصاً أبشع من الجريمة بحد ذاتها، عبر نسيان الناس في السجون لسنين، وعلى الرغم من أنَّ الاقتصاص ضروري، إلاَّ أنَّ حبس الحرية يعتبر كافياً، ولا يجوز أن يتبعه حرمان من التأهيل النفسي والعلمي والجسدي، ما يمثِّل فهماً مغلوطاً للهدف من الاعتقال، إذ إنَّ الحجز الاحتياطي يعتبر تدبيراً استثنائياً، إلا أنَّ معدلات المعتقلين تتخطى معدلات الذين صدرت بحقهم عقوبة ما يثير الشكوك حول مسألة احترام الحق في قرينة البراءة حتى تثبت الإدانة.