لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والثمانين بعد الاربعمئة على التوالي.
نجح الحراك الشعبي حتى الآن في مواصلة الاحتفاظ بالمبادرة، على الرغم من كل الضغوط التي يتعرض لها، إما لإحراجه فإخراجه من الشارع، وإما لحرفه عن مساره الأصلي وإغراقه في الزواريب.
أمس، خيّب الحراك آمال المراهنين على تعبه، وعاد الى الساحة بزخم وحيوية، مقدماً صورة حضارية عنه، ومتجاوزاً محاولات التشويش عليه.
لم يعد المحك بالنسبة الى المتحمسين للحراك يتمثل في عدد المشاركين الذي قد يزيد تارة أو ينقص اخرى، تبعاً للظروف. المهم هو الاستمرار في الضغط والمواجهة الديموقراطية، من خلال تكتيكات مختلفة، تتراوح بين ما هو مباغت وما هو معلن.
وبرغم حساسية الهدف أو العنوان الذي قصدته التظاهرة، (مقر مجلس النواب) إلا أن الحراك أثبت أنه قادر على تقديم نماذج راقية وسلمية من التحركات الاحتجاجية في الشارع، إذا امتنعت القوى الأمنية عن استعمال العنف وتعاطت معه برحابة صدر.
ولولا الاعتداء الذي تعرض له عدد من المتظاهرين أمام مبنى «النهار» من قبل شبان قدموا أنفسهم على أساس أنهم مناصرون للرئيس نبيه بري، بعد رفع لافتة تتهمه بالفساد، لكانت تظاهرة أمس قد مرّت بسلام وهدوء.
ويمكن القول إن القوى الامنية نجحت في امتحان أمس حيث تصرفت بـ«ذكاء» أكبر قياساً على ما سلف من محطات، وكأنها تعلمت أخيراً من دروس التجارب السابقة، فأظهرت قدراً عالياً من الحكمة والمرونة في التعامل مع المتظاهرين، وتجنبت استعمال وسائل القوة والبطش ضدهم، بل واكبتهم بسلاسة على طول الطريق الممتدة من برج حمود الى محاذاة ساحة النجمة، باستثناء بعض التدافع والاحتكاك.
وكان لافتاً للانتباه أن العناصر الأمنية لم تستشرس في التمسك بـ«خط الدفاع» الأول الذي أقامته أمام مبنى «النهار»، كما فعلت في المرة الماضية، إذ فتحت ممراً للمتظاهرين سمح لهم بالوصول الى نقطة قريبة نسبياً من ساحة النجمة، وتحديداً الى شارع بلدية بيروت، بعدما أبدوا إصراراً كبيراً على مواصلة زحفهم، ليسقط بذلك أحد الخطوط الحمر التي كانت مرسومة في وجه الحراك.
جنبلاط: لماذا حصر الفساد بنا؟
وتعليقاً على إدراج اسمه ضمن الفاسدين خلال تظاهرة البارحة، قال النائب وليد جنبلاط لـ«السفير»: أستغرب أن يرفع بعض المتظاهرين لافتة تختصر صور الفاسدين بي وبالرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري. مضيفاً: من حقي الديموقراطي أن أطرح علامات استفهام حول سبب اختصار الفساد بهذه الأسماء، في حين أن اللائحة تطول جدا، وقد لا تتسع لها أي لافتة.
ولكن جنبلاط استدرك بالقول: نعم.. أنا جزء من هذه الطبقة السياسية المدانة من قبل الحراك الشعبي، وبالتالي أنا متهم حتى تثبت براءتي، إنما يحق لي في الوقت ذاته أن أستغرب حصر الاتهام بالأشخاص الذين رُفعت صورهم خلال التظاهرة.
ولاحظ جنبلاط أن المتظاهرين كانوا سلميين أمس والقوى الأمنية تصرفت ايضا تصرفاً جيداً، منوهاً بالدور الذي أداه وزير الداخلية نهاد المشنوق في ضبط الأمور.
أما الوزير السابق شربل نحاس، فأكد لـ «السفير» أن تظاهرة البارحة كانت ناجحة، خصوصاً لجهة التشديد على أن عصب الاعتراض لا يزال نابضاً، وأن بريق الأمل لا يزال ساطعاً.
ولفت الانتباه الى أن الاعتداءات التي مارسها بعض الزعران بحق المتظاهرين تندرج في إطار «عُدّة السلطة» لإجهاض الحراك، لكنها لن تحقق غرضها، منبّهاً الى خطورة أن تستمر السلطة في تجاهل الدلالات التي ينطوي عليها الحراك الشعبي، ومن أهمها أن العقد الذي كان يربط بين الناس ودولتهم الحالية قد سقط، وبالتالي فإن هذه الطبقة الحاكمة باتت تفتقر الى الشرعية وأصبح مطلوباً بإلحاح إعادة بناء دولة شرعية، تستند الى مصلحة مشتركة تجمع بين أطراف العقد الاجتماعي.
«الحراك.. البرتقالي»
في هذا الوقت، استلم أمس رسمياً الوزير جبران باسيل رئاسة «التيار الوطني الحر»، في احتفال حاشد نظمه التيار، بحضور العماد ميشال عون الذي وعد أنصاره بأن يكون لهم «رئيساً من نبض أحلامكم وآمالكم، ومن رحم معاناتكم»، فيما استهل باسيل عهده بتوجيه رسائل سياسية الى كل الأطراف، مؤكداً عدم التزحزح عن حق المناصفة، ومعلناً عن تحديد يوم 11 تشرين الأول المقبل موعداً لزحف أنصار «التيار الوطني الحر» الى قصر بعبدا.
على خط آخر، تواصلت المساعي التي يقوم بها أكثر من وسيط و «فاعل خير» لإنضاج التسوية الثلاثية الأبعاد التي تشمل إقرار الترقيات العسكرية، وتفعيل عمل الحكومة وإعادة فتح أبواب مجلس النواب.
وقالت أوساط سياسية واسعة الاطلاع لـ «السفير» إن إعلان باسيل عن موعد التظاهرة نحو قصر بعبدا قد يدفع نحو التعجيل في حسم تسوية الترقيات، أولا لاحتواء تحرك 11 تشرين الأول وتنفيس زخمه، وثانياً لاستباق موعد إحالة العميد شامل روكز الى التقاعد في منتصف الشهر المقبل.
وأكد مصدر وزاري لـ «السفير» أن مفتاح سلة الحل يكمن في تعيين الأعضاء الخمسة في المجلس العسكري، ثم ترفيع ثلاثة عمداء الى رتبة لواء، على أن يكون من بينهم روكز، ليصبح عدد الضباط برتبة لواء ثمانية (مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين)، وذلك تنفيذاً لقانون الدفاع وتعديلاته في العام 1979.
وأبلغ الوزير الياس بو صعب «السفير» أنّ «الشغور في المواقع الأمنية والعسكرية لا يجوز أن يستمر ولا يمكن أن نقبل به»، موضحا أنّ «البحث مستمر حول بعض التفاصيل المتعلقة بالأسماء والمعايير، أما بالنسبة الى المسائل الأخرى فإنّها ستسير تلقائياً بعد إنهاء مسألة التعيينات».
وكان الرئيس تمام سلام قد أكّد بعد لقائه الرئيس نبيه بري أنّ «جلسة لمجلس الوزراء ستعقد بعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نهاية الشهر الحالي».