لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني والثمانين بعد الأربعمئة على التوالي.
الحراك الشعبي مقيم في الشارع والحكومة في إجازة مفتوحة، كما المجلس العاطل من العمل قبل الولاية الممددة أو بعدها، والحوار في مجلس النواب مهدد بانفراط عقده إذا قرر العماد ميشال عون الانسحاب منه نهائيا، وهو خيار ستتبدى معالمه في خطاب «بلاتيا» في جونيه الأحد المقبل، مقروناً بالدعوة «الى مقاومة مدنية سلمية واسعة للفساد والتهميش والإقصاء والحصار» على حد تعبير أحد المقربين من «الجنرال».
وبرغم حالة «التعطيل الوطني» وتحذير رئيس الحكومة تمام سلام عبر «الواشنطن بوست» من أننا نتجه نحو الانهيار، «لا خوف على معادلة الاستقرار، على الرغم من وجود تهديدات ومخاوف يومية مصدرها الأساس مثلث يمتد من بعض مناطق الشمال الجردية الى عين الحلوة مروراً ببلدة عرسال وجرودها» يقول مرجع أمني واسع الاطلاع.
لا يختلف قطبا المعادلة الداخلية، وهما «حزب الله» و«تيار المستقبل» أن زمن التسوية اللبنانية لم يحن أوانه بعد، برغم المناخات الإيجابية التي تعمم من هنا وهناك. لكل منهما حيثياته المحلية الإقليمية والدولية، لكن القاسم المشترك أن لبنان ليس أولوية ايرانية أو سعودية، بل ثمة أولويات إقليمية تجعل من المفيد للاثنين استمرار «الستاتيكو» الحالي، ومن ضمنه استمرار الحكومة «شرط عدم كسر العماد عون»، من وجهة نظر «حزب الله».
هي لعبة الأواني المستطرقة مجددا. كل ملفات المنطقة مترابطة. المعطى الجديد، من وجهة نظر متابع عربي مقيم في السعودية، أن أي بحث بالملف اللبناني «ليس واردا قبل انتهاء حرب اليمن، وما زاد من تشدد السعوديين والخليجيين هو اكتشاف خلية الكويت مؤخرا»!
حسم السعوديون أمرهم: «لا جلوس الى الطاولة مع الايرانيين، حتى لو وضع التفاهم النووي موضع التنفيذ، إلا بعد تحقيق انتصار عسكري في اليمن» على حد تعبير المتابع نفسه. ويتردد في هذا السياق أن أمير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح اتصل بملك السعودية وعرض عليه القيام بوساطة مع القيادة الايرانية وعرض ملفات العلاقات الايرانية ـ الخليجية، فكان جواب الثاني التريّث وإهمال الموضوع حالياً.
لماذا الإصرار على خيار الحرب في اليمن؟
اولا، اليمن هو جزء لا يتجزأ من الامن القومي السعودي والخليجي «وبالتالي يصبح أي تهاون هناك، مدخلا للعبث بأمن البيت الخليجي كله».
ثانيا، هذه مناسبة لإعادة لمّ شمل دول مجلس التعاون الخليجي التي فتحت على حسابها نتيجة شعورها بضعف القيادة السعودية وترهّلها (في زمن الملك الراحل عبدالله).
ثالثا، حرب اليمن وفرت مد جسر للتعاون مع مصر وخصوصا من خلال مشروع القوة العربية المشتركة، برغم الاختلاف في النظرة الى النظام السوري.
رابعا، حرب اليمن هي «حرب المحمدين» (بن نايف وبن سلمان) و«الانتصار فيها انتصار لكل واحد منهما، بينما يجري تحميل الإدارة السعودية مسؤولية الإخفاقات في كل من العراق وسوريا ولبنان».
حصار سعد الحريري
وعلى عكس الانطباع الايراني بأن دول الخليج، وخصوصا السعودية، انزلقت الى «حرب فيتنام» جديدة، وأنها ستستنزف أكثر فأكثر في اليمن و«أن غدا لناظره قريب»، لا يتردد السعوديون في الربط بين قرارهم بالانسحاب من مفاوضات مسقط وثقتهم العالية بكسب الحرب. يقول المتابع المقيم في السعودية: «ما من تورط عسكري بري، بل عمليات عسكرية خليجية خاطفة تقوم بها قوات خاصة، ولا اقتحام لصنعاء بل ثمة رهان على اصطياد عبد الملك الحوثي أو علي عبدالله صالح، اذا حصل ذلك، فإنه سيكون كفيلاً بإنهاء الحرب».
وماذا اذا فشلت حرب السعودية في اليمن؟
يعتقد السعوديون أن الفشل سيؤدي الى هيمنة ايران على المنطقة كلها، «واذا لم ننجح في تعديل موازين القوى مع ايران، فستكون النتائج وخيمة خليجياً وإقليمياً، واذا حصل التوازن، وهذه هي وظيفة الحرب في اليمن، فسينعكس ذلك على لبنان وسوريا تبعاً لردة فعل الإيرانيين وحلفائهم وخصوصا حزب الله».
كيف يمكن تفسير هذه الاندفاعة السعودية في اليمن بينما يتعرض «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري لحصار مالي وسياسي في المملكة؟
يتردد أن الحريري لم يلتق حتى الآن الملك سلمان بن عبد العزيز سوى مرة واحدة، أما بقية اللقاءات بينهما، فكانت عابرة وفي سياق استقبالات مفتوحة. يراهن الحريري على وجود فرصة للقاء الملك في الأسبوع المقبل لمناسبة عيد الأضحى، «لكن اللقاء غير مضمون (ثنائياً) ولا النتائج مضمونة»، يقول المتابع المقيم في المملكة.
الخطر على «سعودي أوجيه»
«لا أولوية تتقدم سعودياً في السياسة والأمن والعسكر والمال على أولوية حرب اليمن». يسري ذلك بطبيعة الحال على لبنان. شركة «بن لادن» تلقت ضربة كبيرة في ضوء حادثة الرافعة في مكة ولن يكون سهلاً أن تخرج منها سالمة. في المقابل، تتوسع أعمال شركة «نسما» التي يملكها ولي العهد الثاني محمد بن سلمان. هل سيكون ذلك على حساب شركات أخرى بينها «سعودي أوجيه» التي تعاني من مشكلة سيولة؟
يجيب المتابع «لم يصل السعوديون الى حد التخلي عن سعد الحريري. لا هو ولا «سعودي أوجيه» في أحسن أحوالهما. هم يريدون منه إعادة لمّ شمل السنّة في لبنان، لكنه على عكس والده، يصر على تكريس منطق الخصومة. فماذا يضير لو أنه مد يده الى نجيب ميقاتي وأن تكون علاقته جيدة مع كل البيوتات السياسية السنية؟ ثم من يستفيد من هذا التشظي سوى المجموعات الأصولية المتطرفة على حساب قوى الاعتدال؟».
في غضون ذلك، تزداد أوضاع «سعودي أوجيه» تردياً. لا رواتب منذ أكثر من ثلاثة أشهر. أدى ذلك الى صدور قرار من وزارة العمل بوقف كل التأشيرات وعدم تجديد الإقامات. كان التفسير هو الآتي: هناك نظام إداري متكامل. نظام الرواتب والأجور مرتبط ميكانيكياً بوزارة العمل (التأشيرات والإقامات الخ) وأيضا بتوطين الرواتب في البنوك السعودية. خلال شهرين، اذا لم تحوّل أية مؤسسة رواتب موظفيها، تتوقف تلقائياً آلية خدمات وزارة العمل كلها. أحدث الأمر ضجة وبلبلة وإضرابات في «سعودي أوجيه». استدعى الأمر من الحريري لقاء محمد بن سلمان في باريس قبل نحو شهرين، فكان أن فكّت وزارة العمل الحظر لكن المفاجئ أنه تجدد، فكان أن طلب الديوان الملكي من وزارة العمل وقف العمل بهذه الآلية لتفادي المراجعات الحريرية. انتهت مشكلة «سعودي أوجيه» مع وزارة العمل مؤقتاً، لكن مشكلة المال معلقة في ظل القرار السعودي بأولوية الصرف و «الاستثمار» في «حرب اليمن»!
مباركة سعودية للحضور الروسي في سوريا
واللافت للانتباه من وجهة نظر المتابع المقيم في السعودية، ما سمعه من معطيات من سفراء دول كبرى في الرياض بأن ما يشهده الشمال السوري من تعزيز للحضور العسكري الروسي، «انما يتم بموافقة السعوديين والأميركيين».
لقد جاءت الخطوة الروسية بعد زيارة محمد بن سلمان الى موسكو ولقائه الرئيس الروسي.
النقطة الثانية المثيرة للاهتمام أنه لم تصدر أية انتقادات رسمية سعودية أو خليجية للتعزيزات الروسية.
هنا، يعتقد السعوديون أن تعزيز النفوذ الروسي في سوريا سيضع سوريا والمنطقة على سكة الحرب على الإرهاب وفق الرؤية الروسية التي تم التعبير عنها في المشروع المقدم الى مجلس الأمن الدولي، «وهذا سيؤدي الى تقليص النفوذ الايراني في سوريا، وفي المقابل، سيحصل السعوديون على التزامات روسية واضحة تتضمن الآتي: تشكيل حكومة ائتلافية تؤمن أوسع قاعدة للمشاركة في إدارة السلطة، تشارك فيها مكوّنات المعارضة، على أن يتم تحديد موعد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة (موعدها الدستوري في الربيع المقبل) بإشراف دولي، على أن يأخذ البرلمان الجديد على عاتقه مهمة تعديل الدستور».
ماذا عن مصير الرئيس السوري؟
وفق القناعة الروسية، وهي واضحة في الخلاصات التي وضعتها اللجنة الأمنية الروسية التي أعادت تقييم الوضع في سوريا، «لا يمكن الفصل بين رأس النظام والمؤسسات العسكرية والأمنية»، وطالما يتفق السعوديون والروس والأميركيون على أهمية بقاء هذه المؤسسات وعدم تكرار تجربة العراق، فإن أولوية الانخراط في الحرب ضد الإرهاب، «ستشكل المعيار الناظم للمرحلة الانتقالية والنهائية، وهي نقطة ستكون مثار بحث في اللقاء الذي سيعقد نهاية هذا الشهر في نيويورك بين الرئيسين الأميركي والروسي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة» كما يقول المتابع نفسه.