"لم يرد الانتحار فقط، بل تفجير المنزل بأكمله، فأطلق رصاصة على عبوة الغاز والبطارية، وعندما لم ينجح بإنهاء حياته أطلق رصاصة على بطنه، لكن الموت بقيَ بعيداً عنه، فأطلق طلقة أخرى على وجهه مزقته أشلاءً، ومع ذلك مشى مترين من دون وجه حتى ارتمى على السرير ينازع قبل ان تغادر الروح جسده"، بهذه الكلمات وصف رئيس بلدية البحيري قضاء زغرتا عادل الدغيم المشهد الاخير من رحلة مارون غبش على الارض.
ظروف صعبة
مارون الذي أصابه اليأس قبل نحو عام ونصف بعد خضوعه لعملية وضع ثلاثة "راسورات" في القلب مرّ بظروف صعبة منذ صغره، فقد رأى والده يموت أمامه خلال ثمانينات القرن الماضي لتلحق به والدته بعد سنوات قليلة، ومن ثم شقيقته وشقيقه، وكما يقول الدغيم "قبل اربعين يوما من اقدامه على الانتحار بدأ #اليأس يتغلل فيه، فلم يعد يخرج من المنزل الذي يسكنه وحده في البلدة الا قليلا، لتتأزم حاله قبل اسبوع اذ لم يعد يخرج بتاتا، ولا يفتح الباب لاحد الا في مرات قليلة، إذ تحكّم به شكّ ان احد الاشخاص بلّغ عنه القوى الامنية التي تريد اعتقاله، ورغم محاولة اصدقائه التأكيد ان سجله نظيف لدى الأمن الا انه لم يصدق أحداً".
" في ايامه الاخيرة كان مارون الاربعيني يرفض ان يأكل من احد"، حتى علبة السجائر ان كانت مفتوحة لا يقبلها، كان يشكّ في الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه، احرق اصبعين بالماء امام عينيّ، واعتقدَ ان هناك من يضع له سمًّا فيها لانه يريد ان يؤذيه"، بحسب احد اقاربه الذي رفض ذكر اسمه.
تفاصيل اللحظات الاخيرة
نهار الثلاثاء الماضي كان يوماً مشؤوماً لعائلته واصدقائه، يشرح قريبه "شربت القهوة واياه صباحاً، جلسنا معًا ثلاث ساعات، تناولنا الفطور، كان هادئا على عكس يوم الاثنين حيث رفض فتح الباب لأحد، لكنه لم يكن يجيب على أي سؤال، إلا بعد أن أكرره ما لا يقل عن ثلاث مرات، تركته لأعود عند الساعة الثالثة بعد الظهر جالبا له بعض الاغراض، طرقت الباب ولم يفتح بسهولة، عندما دخلت رأيت ماء على الارض يتسرب من انبوب المغسلة سألته: لما كسرته، كما سألته إن كان لديه لاصق، لم يجب بسهولة، اخبرته اني ذاهب لشراء لاصق وأعود، وطلبت منه ان يعد القهوة، قصدت ربع ساعة منزل احد اقاربي، وعدت لأجده قد اغلق الباب والنوافذ جميعها، علمت انه منفعل وعصبي اذ لا يغلق جميع النوافذ الا عندما يكون في عالم آخر من التفكير".
وأضاف: "ندهته من النافذة، لم يجب وكان يشرب القهوة، طلبتُ منه أن يفتح لأشاركه بشرب فنجان، فتح النافذة وأعطاني واحدًا، شرب منه قائلاً كي لا تخشى انه مُسمّم، وقف في زاوية المنزل ورسم اشارة الصليب عدة مرات، قلت له هل تعتقد انني شيطان، كان يحمل عصا خشبية رفيعة يضرب بها الارض، قطّع مسبحتي عاج، فخفت في تلك اللحظة خاصة انه فتح عينيه بطريقة مريبة، وكأنه ليس هو الذي يتكلّم ليطلب مني بعدها العودة الى المنزل، قائلا انه سيهاتفني بعد قليل، لكن بعد نصف ساعة اطلق النار على نفسه".
الموت أسرع
سارع قريبه الى المنزل ونظر من النافذة "كان لا يزال حيا يضرب بيده على السرير ويهز رجليه، صرخت: "مارون"، ركض الجميع وحاولنا خلع الباب، حطمنا زجاج النافذة، لكن روحه فارقت جسده، عندها انتظرنا قدوم الصليب الاحمر والدفاع المدني فخلعنا الباب ودخلنا". الدغيم كان ينوي عرض مارون الذي يعمل مزارعًا على طبيب نفسي، من خلال اقناعه بالذهاب معه الى أحد المستشفيات "دون علمه ان طبيباً نفسياً سيكشف عليه، لكن لم يمنحني الوقت الكافي، وانا الذي كنت اخطط للقيام بهذه الخطوة سريعا فكان موته اسرع".
كان يحب الوحدة ولم يكن يتكلم مع شقيقه وشقيقته اللذين يسكنان في المبنى نفسه، اما شقيقته في استراليا فكانت تساعده مادياً، "كان يهوى الصعود الى الجرد، عزيز النفس الى درجة كبيرة، لا يتكلم مع احد ان لم يبارد الآخر بالحديث معه، لا يحب المزح كما كان خلوقا الى درجة كبيرة"، قال الدغيم.
في الأمس ووري مارون في الثرى بعد تأكيدات الدغيم والخوري للمدعي العام انه انتحر ولم يقتل "رغم تعجب المدعي العام من الطريقة التي فارق فيها الحياة"، ومع ذلك يؤكد قريبه "لم يكن واعيًا عندما انهى حياته اريد من الجميع ان يعلم ذلك".