لا تزال المفاوضات التي أطلقها النائب وليد جنبلاط لحلّ أزمة التعيينات الأمنية تراوح مكانها، على رغم الحاجة الضرورية إلى تفاهم بين الكتل السياسية يضفي شرعية على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ويسهّل العمل الحكومي، ويحجز للعميد شامل روكز مكاناً في نادي المرشحين لقيادة الجيش. وفي حين يقترب موعد تسريح روكز من المؤسسة العسكرية يوماً بعد يوم، فإن الأزمة تستمر بانعكاسها على العمل الحكومي ومشاركة التيار الوطني الحر وحزب الله فيها، في ظلّ اعتراض النائب ميشال عون على ما يعتبره إقصاءً لروكز و«سلباً لحقوق المسيحيين»، و«استمراراً لقرار كسر الجنرال».

وبعيداً عن الرئيس السابق ميشال سليمان، والوزراء المحسوبين عليه، وضمنهم وزير الدفاع سمير مقبل، فإن أيّاً من الفرقاء السياسيين لم يبدِ علانية اعتراضاً على حلّ الأزمة، مع إشارة الجميع إلى ضرورة إيجاد المخرج «اللائق»، الذي وجد له الرئيس نبيه برّي توصيفاً: «قانوني، لا يحدث مشكلة في الجيش، ويوافق عليه الجميع».
حتى إن عون نفسه لم يعط أي موافقة على صيغ الحلول التي طرحت في الآونة الأخيرة، على قاعدة أنه لم يسمع جواباً واضحاً من الجميع، مع أن التسوية التي طرحها جنبلاط عبر الوزير وائل أبو فاعور أخيراً، وبمساعدة من السفير الأميركي ديفيد هيل، تبدو الأقرب إلى التنفيذ بسبب استنادها إلى قانون الدفاع. ويقضي الاقتراح الأخير لجنبلاط بتطبيق قانون الدفاع الذي يحدّد ملاك الجيش من الضباط برتبة لواء بثمانية، وهم الآن خمسة أعضاء في المجلس العسكري، ما يعني إمكانية ترفيع ثلاثة عمداء إلى رتبة لواء، ومن بينهم روكز.


اقتراح بإنشاء
«وحدات نخبة» يقودها روكز قوبل باعتراض من قهوجي

 


أمّا على طاولة الحوار التي جمعت ممثلي حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، ليل أول من أمس، فإن مصادر المجتمعين أكّدت لـ«الأخبار» أن «ممثلي التيار أبدوا انفتاحاً على ضرورة حلّ الأزمة وفق الصيغة الأخيرة، لأنها قانونية». وقالت المصادر إن «مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري عبّر عن إيجابية في التعاطي مع المسألة، لكّنه لم يقدّم جواباً حاسماً، وإن البحث تمّ تحت عنوان تشجيع عون على الانخراط بفعالية في العمل الحكومي».
من جهته، يشدّد جنبلاط على ضرورة عدم إقصاء روكز من نادي المرشحين لقيادة الجيش، على قاعدة أنه لا يجوز أن «يحرق المستقبل كلّ الأوراق»، ويشير بذلك إلى أنه «في حال تم تسريح روكز ولم يتمكن المستقبل من دعم وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، يكون بذلك قد تمّ حرمان عون من قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية». لذلك، ينصح جنبلاط بترقية روكز لإبقاء ورقته جاهزة في حال تمّت تسوية رئاسة الجمهورية على حسابه، فيتمّ إرضاؤه بتعيين صهره قائداً للجيش. وفيما يحيّد برّي نفسه عن الدخول في التفاوض ويكرّر أنه لا يعارض أي تسوية، خصوصاً أن «الحلّ الأخير قانوني»، يقف حزب الله خلف خيارات عون، من دون أن يلعب دوراً أكبر في المفاوضات.
إلّا أن سليمان أكّد ويؤكّد معارضته التسوية. وعبّر مقبل أمس عن موقف سليمان ومن معه بشكل واضح، بأنه «غير موافق على الطريقة المعتمدة في ملف الترقيات العسكرية، والتسويات السياسية المستغلة لهذا الموضوع»، مشيراً إلى أنها «تخلق بلبلة بين الضباط». وقال: «إذا وافق جميع القوى السياسية على هذه التسوية، يمكن طرح العملية على مجلس الوزراء كي يتخذ القرار المناسب، ولكن أؤكد أننا في كتلة الرئيس ميشال سليمان ضد هذه العملية».
وفي المعلومات أن سليمان ومقبل يشيعان أن الأزمة هي في اختيار العمداء الذين سيجري ترفيعهم، ويتذرعان بأن هناك عدداً كبيراً من العمداء الذين يطالبون بترقيتهم، وأن روكز ترتيبه بين العمداء من الذين يحقّ لهم الترقية هو 13. إلّا أن مصادر معنية أكّدت لـ«الأخبار» أن سليمان يحاول تسويق العميد وديع الغفري المحسوب عليه، وكذلك العميد مارون حتي للحصول على الترقية، ورميهما في وجه ترقية روكز.
إلّا أن اعتراضات سليمان ومقبل تُكَمّلها الحملة التي بدأها قهوجي قبل أيام. ففي الوقت الذي يحتاج فيه قهوجي إلى تسوية تضفي شرعية على التمديد غير القانوني له ومصلحته أن يُحصّل موافقة جميع القوى السياسية، وتحلّ مشكلة المجلس العسكري الحالية وتنتج مجلساً عسكرياً أصيلاً، أجرى قهوجي سلسلة اتصالات في الأيام الماضية مبلغاً عدداً من السياسيين والسفير الأميركي أن «تسوية الترقيات تُخرب الجيش». وتقول المصادر إن قهوجي أبلغ جنبلاط قبل أيام موافقته على التسوية، ثمّ عاد أول من أمس وغيّر رأيه، علماً بأنه سيقوم غداً بسابقة استدعاء ضابط من الاحتياط، هو مدير المخابرات إدمون فاضل.
وبحسب أكثر من مصدر، فإن روكز لم يقدّم موافقته على أيّ من الاقتراحات السابقة والحالية، لكنّه أكد أنه لا يقبل أن يبقى في الجيش من دون عمل. وتم التوصّل إلى اقتراح قبل أيام بالتعاون مع هيل، يقضي بإنشاء «وحدات نخبة» في الجيش يقودها روكز، وقوبلت باعتراض من قهوجي، لأنه «يؤسّس لجيش ثان». مصادر وزارية في قوى 8 آذار تستغرب عدم الوصول إلى التسوية المطلوبة، التي تؤمّن تسهيل عمل الحكومة، في ظلّ موافقة غالبية الأطراف، خصوصاً أن «قهوجي يقول إنه لا يمانع إذا كان هناك غطاء سياسي»، فيما تقول مصادر أخرى إن «تيار المستقبل يقول إنه لا مشكلة لديه، بينما يتلطّى خلف موقف قهوجي وسليمان».
ويبعث التباين في المواقف الذي ظهر بين موقفي النائبين سمير الجسر وأحمد فتفت على الشكّ في موقف المستقبل الحقيقي، إذ أكّد الجسر أن القوى السياسية لا تمانع، متحدّثاً بإيجابية عن التسوية، فيما حسم فتفت رفض التيار وقوى 14 لمفاوضات جنبلاط.