حذّرَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس من المطالبات بإلغاء النظام، وقال: «هذا أمرٌ لا يمكننا قبوله، وهو كلام خطير جداً وهدّام»، وكان سبقَ هذا الموقف التحذيرُ الذي أطلقته القمّة الروحية المسيحية من خطورة استخدام الشارع في هذه المرحلة الحساسة، على رغم تأييدها للمطالب المحِقّة. ولم يأتِ كلام بكركي من فراغ، بل جاء بالتأكيد نتيجة التطوّرات الأخيرة في الشارع والمنحى الذي تأخذه في ظلّ المواجهات مع القوى الأمنية والدعوات إلى الإطاحة بجمهورية الطائف. وهذا الموقف جاء ليؤكد مجدداً على دور بكركي التاريخي في كلّ المفاصل والاستحقاقات الوطنية، وذلك تمسُّكاً بلبنان الرسالة الذي كان لها المساهمة الأكبر في إنجازه منذ إعلان «لبنان الكبير» مروراً بميثاق العام 1943 إلى اتفاق الطائف ووصولاً إلى انتفاضة الاستقلال. ولا شكّ في أن هذا الموقف سيكون له الوقع الكبير على المشهد السياسي. وفي موازاة كلّ ذلك ما زالت الاهتمامات السياسية تتمحور حول ثلاث قضايا أساسية: إنجاح الحوار من بابه الرئاسي، تطبيق الحكومة لخطة شهيّب كون الوضع الصحي-البيئي لم يعُد يحتمل، هذه الخطة التي حظيَت بغطاء المتحاورين في ظلّ جهوزية أمنية لمواكبة تنفيذها، والقضية الثالثة الحفاظ على الاستقرار. أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «إنّنا متضامنون مع المتظاهرين ونبارك كلّ انتفاضة في هذا المجتمع، ولكنّنا نريد أن يتمّ التوجّه الى باب أساسي هو انتخاب رئيس للجمهورية.

أمّا أن تطالب التظاهرات بإلغاء النظام فهذا أمر لا يمكننا قبوله، وهو كلام خطير جداً وهدّام دون أن يدركوا ذلك، وأنا هنا لا أتَّهم المتظاهرين، إنّنا نعَبّر عن حبّنا لهم، ونقدّر خاصة الشباب الذين مرَّ عشرة أيام على إضرابهم عن الطعام، الله يبارك بهم، ونقول لهم: أنتم أبطال، وإنّ الكبار والشباب المتظاهرين ليلاً نهاراً في بيروت ليسوا أمراً عابراً وكيفما اتّفق، وأقول لهم: نحن معكم متضامنون ومقدّرون لكم، ولكن علينا أن نصوّب باتجاه الهدف الأساسي والباب الاساسي، ألا وهو انتخاب رئيس للجمهورية وبأسرع وقت».

زوّار السراي

ومع استمرار تعليق جلسات مجلس الوزراء، لمسَ زوّار السراي الحكومي أنّ رئيس الحكومة تمام سلام يفضّل التريّث على القيام بأيّ خطوة ناقصة بالنسبة لدعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد لأنه يؤمن بأنّ المجلس إذا اجتمع يجب ان يصدر عنه موقف أو قرار، والظرف الحالي غير مؤاتٍ لمِثل هذه النتيجة.

وقال هؤلاء الزوّار لـ«الجمهورية»: «إنّ الرئيس سلام يفضّل أن يحضّر سفرةً ناجحة الى نيويورك، علّ بعد عودته تتوضّح معطيات عدة فيقرّر في ضوئها نوعية التحرّك وعمل مجلس الوزراء، خصوصاً وأنه تمكّنَ في جلسة الحوار الثانية في ساحة النجمة من الحصول على دعم شامل من الحاضرين للحكومة واستمراريتها، والتزامٍ باستمرار المشاركة فيها، ومن شأن هذا الموقف أن يعزّز موقعَه كرئيس حكومة في نيويورك.
وكان سلام التقى أمس كلّاً من وزير العمل سجعان قزي ووزير الزراعة أكرم شهيّب.

جهوزية أمنية

أمنياً، تكثّفت اللقاءات الأمنية امس على أكثر من مستوى، وخُصّصت للبحث في التقارير التي جُمعت من مساحات التوتر المتنقلة في مختلف المناطق اللبنانية، من وسط بيروت الى البقاع والشمال والجنوب وطرابلس والتحضير للمرحلة المقبلة.

وحضَرت الأوضاع الأمنية والتطورات على الساحة الداخلية في لقاء عُقد أمس في السراي بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.

مرجع أمني

في هذا الوقت، دعا مرجع أمني الى ضرورة تفهّم سلسلة التدابير المتشدّدة التي بوشِر باتخاذها منذ امس الاوّل الأربعاء، لافتاً الى انّ «هناك ظروفاً ومعلومات استدعَت هذا التشدّد ولا يمكن التهاون بها أو تجاوزها لئلّا نصل الى مرحلة أو نقطة لا ينفع فيها الندم، خصوصاً أنّ البلد وأمن مؤسساته ومواطنيه مستهدف في آن معاً».

وقال المرجع لـ«الجمهورية»: «إنّ التقارير أكدت انّ القوى الأمنية قامت بمهامّ فوق العادة ونجَحت في وضع حدّ لمحاولات استدراجها إلى ما هو أخطر ممّا حصل أمس الاوّل، وأكدت انّ التعليمات أعطِيت بممارسة أقصى درجات الحذر وضبط النفس ورباطة الجأش، ولكن الى حين خروج المتظاهرين أو المعتصمين مثيري الشغَب عن المألوف من التصرفات فلا بد عندها من مواجهة الوضع بما يلزم من إجراءات.

وكشفَت مصادر أمنية مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ الأجهزة الأمنية أنجزت الترتيبات الضرورية بعدما طلِب اليها الجهوزية التامة لتوفير الأمن اللازم لتنفيذ الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء بشأن النفايات في الساعة الصفر بدءاً من اليوم وإلى حين تحديدها لتكون جاهزة للتنفيذ.

وكانت سلسلة الاجتماعات المخصّصة لهذه الغاية قد استمرّت الى ساعة متأخّرة من ليل امس دون الإشارة الى ايّ ترتيبات محددة، ولا الى ساعة الصفر عندما يتمّ تحديدها.

مسيرة الأحد

وفي الحراك المطلبي، دعت لجنة متابعة الحراك الشعبي الى مسيرة حاشدة بعد غد الاحد الساعة الخامسة مساءً، تنطلق من جسر نهر بيروت وتنتهي في ساحة النجمة»، وأكدت «استمرار الحراك الشعبي في مواجهة السلطة الفاسدة».

ودعَت في في بيان الى «الإفراج عن كافة المعتقلين على خلفية تظاهرات 22 و23 و29 آب ووقفِ ملاحقتهم، ووقفِ الاعتقالات التعسّفية، ومحاسبة وزير الداخلية وإقالته، وفتح تحقيق مستقلّ وشفّاف لمحاسبة كلّ مَن أعطى الأوامر وغطّى الانتهاكات بحقّ المتظاهرين والمتظاهرات».

كذلك طالبَت بإقالة وزير البيئة محمد المشنوق ومحاسبتِه على كارثة النفايات وإهماله في تحمّل مسؤولياته، فضلاً عن تغطيته لفسادٍ استمرّ 20 سنة»، مؤكّدةً ضرورة «إعلان خطة طوارئ فورية بيئية للتعامل مع الكارثة البيئية تتضمّن إعلان حالة التأهب وفق قانون الدفاع المدني».

الوفاء للمقاومة

وفي سياق آخر، ردّت كتلة «الوفاء للمقاومة» على بيان تكتل «المستقبل» الأسبوع الماضي، ما يعكس استمرار السجال بين الطرفين على رغم الحوار بينهما الثنائي والعام، فقالت الكتلة إنّ «الناتج الطبيعي للتردّي الذي أصابَ بنية الدولة اللبنانية ومؤسساتها هو بسبب سياسات حزب المستقبل وإدارته للسلطة، وهو هذا الفساد الفضائحي الذي لطالما اعترضنا عليه وحذّرنا مراراً وتكراراً من التمادي فيه ومن مخاطره وأعبائه وتداعياته على البلاد والعباد، ولن ينفعَ حزبَ المستقبل رميُ فساده على الآخرين في حجب الحقائق عن مسؤولياته المباشرة عن هذا التردّي وعن المديونية المالية التي أفقرَت اللبنانيين وأرهقت الدولة، وعن هدر المال العام وتعميم ثقافة الفساد والإفساد».

عسيري

وفي مجال آخر، لفتَ السفير السعودي علي عواض عسيري، في كلمة ألقاها خلال حفل استقبال لمناسبة العيد الوطني لبلاده، إلى أنّ «أشدّ ما يؤثّر على لبنان هو أحداث سوريا، بفِعل التداخلات الجيوسياسية من جهة وبفعل رغبات لا تنسجم مع دور لبنان وتدفعه الى وضع لا يلائم مصلحته الوطنية العليا من جهة ثانية.

لذا فإنّ الخروج من الوضع الراهن بات ضرورة ملِحّة تبدأ بالتزام كلّ القوى السياسية تحييدَ لبنان عن النار المستعرة في الجوار، وتحقيق خطوة أساسية تشَكّل مدخلاً الى كلّ الحلول تَحرص المملكة عليها وتأمل إنجازَها، ألَا وهي انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة لتستقيمَ هيكلية الدولة وتسير عجَلتها وفق المسار الطبيعي للأمور، لأنّ الفراغ في سدّة الرئاسة يُضعف الدولة ومؤسساتها في وقت هي أكثر ما تحتاج إلى الدعم والمؤازرة، وإلى تعزيز ثقة المواطن بها وليس العكس».

ملفّ الكهرباء

وتصَدّر ملف الكهرباء الواجهة أمس، من خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عَقده وزير الطاقة ارتور نظريان ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، ومن خلال ردّات الفعل التي صدرت عن سياسيين نفوا ما أشيع عن أنّهم ضمن لائحة الممتنعين عن تسديد فواتير الكهرباء.

وقال حايك في موضوع اللوائح التي نشِرت، «إنّ كلّ ما نشِر يبقى على مسؤولية ناشريه»، مشيراً إلى أنّ «قسماً كبيراً من هذه الأسماء دفعَ ما يتوجّب عليه، وهناك قسمٌ آخر موجود ضمن اللائحة التي تمّ تسليمها بكلّ سرّية إلى المدّعي العام المالي علي ابراهيم ولم تسلّم لأحد سواه».

الترقيات

وفي وقتٍ تَردّد أنّ تفاهماً بدأ يرتسم في الأفق حول تسوية لترقيات العمداء في الجيش إلى رتبة لواء، قالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» «إنّ أيّ تفاهمات جانبية لا تلزم إلّا أصحابها وإنّ أيّ خيار من هذا النوع لا بد أن يخضع الى ميزان الشفافية وتكافؤ الفرَص بين جميع الضبّاط واستبعاد اعتباره قراراً أو مرسوماً لمصالح فردية وبهدف معلن يمسّ تركيبة المؤسسة العسكرية وهيكليتها».

مقبل

وكان وزير الدفاع سمير مقبل أعلنَ أنه «غير موافق على الطريقة المعتمدة في ملف الترقيات العسكرية والتسويات السياسية المستغلّة لهذا الموضوع»، موضحاً أنّها «تَخلق بَلبلة بين الضباط».

وقال: «إذا وافقت جميع القوى السياسية على هذه التسوية يمكن طرح العملية على مجلس الوزراء كي يتّخذ القرار المناسب، ولكن أؤكد أننا في كتلة الرئيس ميشال سليمان ضدّ هذه العملية».

عون

وكان رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قال إنّ العميد شامل روكز «بشهادة القاصي والداني أيقونة الجيش اللبناني»، لافتاً إلى أنّ هذا غير مرتبط بكونه صهرَه، فهو كذلك قبل أن يقاربه، وأضاف: «إسألوا كلّ الناس وكلّ العسكر فيأتيكم الجواب».

وتساءل عون: «هل على أصهاري ألّا يكونوا أصحاب قدرة وكفاءة حتى يرتاح مَن يعيب عليهم الكفاءة»؟ وقال إنّ «التمديد لقائد الجيش إذا لم يقترن بموافقة مجلس الوزراء يكون غيرَ شرعي، وإنّ التمديد لضبّاط يحتاج إلى اقتراح من قائد الجيش وقبول مِن وزير الدفاع، مشيراً إلى أنّ الوقت لا يزال متاحاً لتشريع ترفيع الضبّاط ورفع سنّ التقاعد في المؤسسات العسكرية شرط صفاء النيّات».

حمادة

في غضون ذلك، أكد النائب مروان حمادة أنّ قيادة الجيش لا تحتاج في هذا الجو المتوتر جداً إقليميا إلى أيّ هزّة».
وفي ما يتعلق بموضوع الترقيات الأمنية وكلام «حزب الله» بإيجاد حل لها كي تعاود الحكومة جلساتها، وبالإشارة إلى كلام النائب احمد فتفت أنّ قوى 14 غير موافقة على ترقية العميد روكز وكلام النائب سمير الجسر في ضوء الحوار مع الحزب أنّ ترقية روكز قد تكون مدخلاً إلى الحل، رأى حمادة وجود مدرستين: الأولى «سَكّتوا العماد عون وروّقوه ولتتمّ ترقية روكز كي نشتري وقتاً وأعمالاً لمجلس الوزراء»، لكن المشكلة تكمن في كم مِن الوقت سنشتري وكم من مجال سيعطى لمجلس الوزراء وما الذي يمنع من وضع شرط آخر بعد تلبية الشرط الحالي، واصفاً هذه النظرية بأنّها ساقطة».

وأضاف: «مع كلّ احترامي وتقديري لشخص العميد روكز لكنّه يمثل اليوم تياراً معيّناً، وأنا لا يمكن أن أسلّم الجيش الشرعي إلى حليف «حزب الله»، في الوقت الذي عندي جيش غير شرعي هو مليشيا «حزب الله»، وبذلك أكون قد سلّمت الجيش والمقاومة لفريق واحد ووضعتُ الشعب تحت سلطتِهم، ولكلّ فريق مقاربة مختلفة عن ذلك»، لافتاً «إلى نصائح من سفراء بعض الدول الكبرى تقول أعطوا ميشال عون شيئاً كي نشتري فترة استقرار، هذه الفترة نشتريها ولا استقرار ولا خدمات حياتية، والسؤال هل سنبقى نلبّي رغبات ميشال عون وأصهرته أسبوعاً بعد أسبوع»؟

الدعم الروسي بدأ يظهر على الأرض

في سياق الأحداث السورية، بدأت ثمار الدعم العسكري الروسي للنظام السوري تظهر بوضوح بعدما كشفت مصادر عدة استخدام جيش «النظام» أسلحة روسية جديدة في القتال ضدّ الفصائل المعارضة.