طوت أزمة النفايات أمس شهرها الثاني وسط تصاعد التداعيات الشديدة السلبية التي فجرتها، والتي كان انطلاق التحرك الاحتجاجي المدني أبرز نتائجها. وإذ برزت في الايام الاخيرة ملامح محاولات متقدمة للشروع في تنفيذ خطة وزير الزراعة أكرم شهيب بعد تعديلات طرأت عليها بدا التحرك الاحتجاجي ماضيا في تصعيد محطاته، وسيكون الاحد المقبل موعدا جديدا مع مسيرة دعت اليها "لجنة متابعة الحراك الشعبي" في الخامسة عصرا من جسر نهر بيروت في برج حمود وصولا الى ساحة النجمة.
وعلمت "النهار" من مصادر مواكبة لتنفيذ خطة النفايات التي أقرها مجلس الوزراء الاربعاء الماضي أن الاتصالات التي يجريها المسؤولون ستتوسع لتشمل كل الاطراف ولاسيما منهم أولئك الذين تحركوا ولا يزالون ضد الخطة كي ينجز تفاهم شامل يتيح الشروع في التنفيذ والذي من المرجح أن يبدأ فعلا مطلع الاسبوع المقبل. ولفتت المصادر الى ان الحكومة آثرت عدم استخدام القوة في تنفيذ الخطة واختارت الحوار الذي سيتسع نطاقه في الايام المقبلة.
وفي المقابل، حملت "لجنة متابعة الحراك الشعبي" بشدة على السلطة غداة الصدام الذي حصل بين قوى الامن الداخلي والمتظاهرين الاربعاء الماضي، معتبرة ان "العنف كان غير مسبوق، مما يشير الى تفاقم أزمة النظام من تنامي الحراك واختراق القاعدة الشعبية لأحزاب السلطة" وطالبت "بمحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق واقالته وفتح تحقيق شفاف حول من أعطى الاوامر لتنفيذ الانتهاكات في حق المتظاهرين من ضباط وعناصر أمنية وميليشيوية". وتزامن ذلك مع اعلان الناشطين المضربين عن الطعام فك اضرابهم قبالة وزارة البيئة وانضمامهم الى التحرك الشعبي.

مجلس الوزراء
وفي غضون ذلك، علمت "النهار" أن رئيس الوزراء تمام سلام يتريث في الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء لئلا تأتي الخطوة ناقصة في ظل استمرار التباين حيال اقتراح التعيينات العسكرية. وبات من المرجح عدم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء قبل سفر الرئيس سلام الى نيويورك الخميس المقبل. ولاحظت مصادر وزارية أن الرئيس سلام، قبل سفره الى الامم المتحدة، تمكن من الحصول على ثقة نيابية متجددة من خلال كل الكتل النيابية المشاركة في طاولة الحوار، والتي صدر عنها بعد اجتماعها اول من امس موقف داعم للحكومة، بما يمثل تغطية لرئيس الوزراء خلال تمثيله لبنان في نيويورك.
وعلى صعيد متصل، سيركز الرئيس سلام الذي يقتصر الوفد الوزاري المرافق له الى الامم المتحدة على وزير الخارجية جبران باسيل في كلمته امام الجمعية العمومية للامم المتحدة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومساعدة لبنان على تحمّل أعباء اللاجئين السوريين، لافتا المجتمع الدولي الى أن ملف اللاجئين تفاقم حتى وصل الى اوروبا، ومن الضروري مدّ يد العون الى الدول المضيفة لهم في المنطقة وفي مقدمها لبنان من أجل السيطرة على هذا الملف.

 

بري والحوار
الى ذلك، علمت "النهار" أن الحوار النيابي بعد جلسته الثانية ترسخت مسيرته ويعود ذلك وفق مصادر عدد من المتحاورين الى ان القدرة على وقفه غير متوافرة بفضل الدعم العربي والدولي له. ورأت هذه المصادر ان كل المواقف السلبية والتهديد بالانسحاب هي للتهويل وتحسين الموقع التفاوضي.
وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره امس ان جلسة الحوار الثانية كانت أفضل من الاولى وطلبت من المتحاورين تقديم "اقتراحات محددة ولم اكشف عنها. ويبقى الهدف التوصل الى حل شامل يبدأ برئاسة الجمهورية أولاً ولتشمل البنود الاخرى. وطلبت منهم ان يأتوني بأجوبة رداً على الاقتراحات في الجلسة المقبلة، وليس مطلوباً ان تبقى الجلسات مفتوحة للمحاضرات والمطولات".
وسئل عن عدم مشاركة العماد ميشال عون في الجلسة الاخيرة، فأجاب: "اتصل بي عون وابلغني انه لن يحضر وان الوزير جبران باسيل سيمثله، ويفترض ان يشارك في الجلسة المقبلة، لأن استمرار غيابه قد يفتح الباب أمام احتمال سلوك الآخرين هذا المنحى، عندها لا يعود مبرر للحوار وسأتخذ عندها قرار مواصلة الحوار أم لا. وأكرر ان الحوار ليس من أجل بيت ابي، بل هو لمصلحة جميع الافرقاء، وقلت في الجلسة الاخيرة لا أحد يهددني". وأضاف: "انا لا اضع مسدساً في رأس احد لأجبره على الحضور".
ثم قال: "أما بالنسبة الى الحراك في الشارع، فقد كررت ان مطالب الحراك محقة ويجب ان يلبي الحوار هذه المطالب وينجح المتحاورون في هذا الامر، الا ان ثمة جهات في هذا الحراك لا تريد للحوار ان يثمر وتنفذ بنود المواضيع التي وضعها. وثمة من يعتقد ان الحوار يستهدفه ولذلك يتم العمل على استهدافه، لانه يعتقد انه يلغي دوره".
وكشف بري انه لم يكن على علم بكل ما كان يدور خارج الجلسة وفي محيط المجلس من مواجهات بين المتظاهرين والقوى الامنية "الى ان وصلت الى عين التينة وعلمت بما حصل في خيم المعتصمين. وطلبت بعدها من كوادر في حركة أمل التدخل من أجل التهدئة ومنع تفاقم الامور". وقال ان "الكلام الذي قيل في حقي والامام موسى الصدر معيب وغير اخلاقي وأنا لست ضد النقد السياسي. من حق المتظاهرين توجيه انتقادات الى السياسيين والمسؤولين، ولكن ما هي الفائدة من التجريح الشخصي المرفوض".
وتساءل: "ما دخل الامام في الشأن السياسي الداخلي. واذا كانت عند هؤلاء ملاحظات على الطبقة السياسية، فلماذا يعبرون بهذه الطريقة". وردا على سؤال، قال: "انا جزء من هذه الطبقة ولم أغط الاخطاء التي ارتكبت. استفاد كثيرون من مواقعهم في السلطة، وقت خضت معارك سياسية في الكثير من المحطات". ولم يخف بري ملاحظاته على طريقة تعامل عدد من محطات التلفزيون مع احداث الحراك "وفي النهاية أبقى مع حرية الاعلام والصحافة سواء أكانت ظالمة ام مظلومة".

الهيئات ووسط بيروت
الى ذلك، تفاعلت قضية اقفال وسط بيروت بقوة أمس من خلال اللقاء الاقتصادي الذي عقد في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان تحت عنوان "من أجل انقاذ قلب بيروت" في حضور عدد من نواب العاصمة. ودق اللقاء ناقوس الخطر على وسط بيروت انطلاقاً من اقفال مئات المؤسسات التجارية ومصارعة مئات أخرى البقاء وتسريح الاف الموظفين من اعمالهم جراء التدابير الامنية المشددة وقطع الطرق المتكرر والتحركات الشعبية المتعددة الوجه . واذ أعلن رئيس اتحاد الغرف محمد شقير "الرفض المطلق لاستباحة وسط بيروت وتخريبه"، شدد رئيس مجلس ادارة "سوليدير" ناصر الشماع على ان وسط بيروت "كان وسيبقى فضاء عاما مفتوحاً للجميع وهو ليس كما يحاول البعض ان يصوره نخبوياً أو مقتصراً على فئات معينة بل مساحة مشتركة لكل أهل هذه المدينة ولبنان". أما رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس فهاجم بعنف من وصفهم "ببقايا الشيوعيين الذين ارادوا تحويل الحراك حرباً طبقية ولن ينجحوا في ذلك".