لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والثمانين بعد الأربعمئة على التوالي.
في الفترة الفاصلة عن جلسة الحوار المقررة الثلاثاء المقبل، تحاول أطراف السلطة والشارع ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها:
حملات الحراك الشعبي تلتقط أنفاسها بعد عاصفة القمع الأمني التي هبت على المعتصمين في ساحة الشهداء، أمس الأول، وتسعى إلى تقييم «الرسالة»، تحضيرا لجولة مقبلة، حُدد موعدُها بعد غد الأحد.
أهل طاولة الحوار يستعدون لبدء طرح أفكار عملية في الجلسة المقبلة حول كيفية معالجة أزمة الحكم، في «رياضة ذهنية»، تهدف إلى اكتساب حد أدنى من الجهوزية، لتلقف أي تسوية إقليمية محتملة واستخراج رئيس للجمهورية من بين ثناياها، في ظل مؤشرات متزايدة إلى أن العماد ميشال عون يتجه نحو مقاطعة دائمة للحوار، بدءا من الجولة المقبلة!
وزير الزراعة أكرم شهيب يسعى إلى استكمال عملية التسويق لخطة النفايات، ولعل الاختبار الأصعب سيواجهه اليوم عندما يلتقي في «البيال»، بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق، عددا من رؤساء بلديات وفعاليات عكار في مسعى لإقناعها بالموافقة على الخطة بما فيها مكب سرار، في ظل توجه للمقاطعة من جانب بعض المدعوين.
وبعد قرار شهيب بصرف النظر عن استحداث مطمر في النقطة التي كانت مقررة عند المصنع، على الحدود اللبنانية ـ السورية، بسبب وجودها على مقربة من مصادر المياه الجوفية، عُلم أن لجنة الخبراء المعاونة لوزير الزراعة سمّت موقعا آخر يبعد كيلومترات عدة عن المكان السابق، ويقع ضمن منطقة قريبة جدا من الحدود مع سوريا.
وفي المعلومات، أن اتصالات «وقائية» تتم مع الجانب السوري للحؤول دون اعتراضه على تحويل هذا الموقع إلى مطمر.
ويفترض أصحاب هذا الخيار أن اعتماده لن يلقى معارضة من أهالي بلدة مجدل عنجر أو غيرها، لأنه يقع في منطقة «ميتة جغرافيًّا»، على حد تعبير أحد الفنيين، وبالتالي ليس من شأنه أن يترك أي تداعيات بيئية على الجوار.
الحراك يتجدد
وفيما أنهى المضربون عن الطعام أمام وزارة البيئة إضرابهم ونزعوا خيمهم، طالبت لجنة متابعة الحراك الشعبي في بيان بـ«محاسبة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وإقالته، وبـ «إقالة وزير البيئة محمد المشنوق ومحاسبته على كارثة النفايات». كما طالبت بالإفراج عن المعتقلين كافة على خلفية تظاهرات 22 و23 و29 آب، ووقف الاعتقالات التعسفية.
ودعت اللجنة إلى «مسيرة حاشدة تنطلق عند الخامسة مساء الأحد المقبل من جسر نهر بيروت وتنتهي في ساحة النجمة»، مؤكدة «استمرار الحراك الشعبي في مواجهة السلطة الفاسدة».
وسيكون تحرك الأحد حقل اختبار لأكثر من جهة، إذ إن الحراك الذي اختار يوم عطلة لتنظيم تظاهرته الجديدة سيكون أمام تحدي استقطاب كثافة شعبية إليه، خصوصا بعد الاعتداءات التي تعرض لها أنصار الحراك في وسط بيروت أمس الأول، وما يُفترض أن تولده من تعاطف معهم.
وإذا كانت العاصفة الرملية قد شكلت أحد الأسباب الأساسية لتراجع عدد المشاركين في تظاهرة 9 أيلول، فإن الطقس هذه المرة هو حليف المتظاهرين، وبالتالي فإن حجم الاستجابة لتحرك الأحد سيحدد المدى الذي بلغه الحراك في كسب ثقة الناس، بعد سلسلة محطات عَبَرَها منذ انطلاقته حتى الآن.
أما الجهة الأخرى التي ستخضع للامتحان، فهي القوى الأمنية التي ستكون أمام فرصة لإعادة ترميم صورتها وتصويب سلوكها بعد إفراطها في استخدام العنف ضد المتظاهرين، أمس الأول، وإلّا فإن مضيها في سياسة القمع سيكون مؤشرا إلى أن هناك قرارا على أعلى المستويات بخوض معركة كسر عظم ضد الحراك.
وما يسترعي الانتباه في تظاهرة الأحد هو أنها ستنطلق من جسر نهر بيروت وتصب في ساحة النجمة حيث مقر مجلس النواب، الأمر الذي يوحي بأن القيمين على الحراك يسعون إلى تأكيد توازن استراتيجيتهم الهجومية، من خلال توزيع الجهد بين ساحة رياض الصلح المطلة على السرايا الحكومية، وساحة النجمة الملاصقة للبرلمان، والوزارات المحسوبة على أكثر من طرف سياسي، علما أن الإجراءات الحديدية المتخذة في محيط المجلس لن تسمح للمتظاهرين بالاقتراب منه، وهنا ستكون طريقة تصرف القوى الأمنية المولجة بحماية المجلس تحت المجهر.

المشنوق: حصلت أخطاء محدودة

وعشية تظاهرة الأحد، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ «السفير» إن «مسؤولية القوى الأمنية أن تحمي حق المتظاهرين في التعبير السلمي الديموقراطي، واذا أبلغونا مسبقا، نحن مستعدون لتأمين الحماية من أماكن التجمع إلى مكان التظاهر، وهذه ليست مِنَّةً بل واجب قانوني علينا، لكن إذا تم التعرض للممتلكات العامة أو الخاصة، فإن هذا الأمر ممنوع بالقانون أيضا».
وأضاف المشنوق: لا يمكن أن تطلب من قوى الأمن حماية حقك بالتظاهر والتعبير السلمي، وفي الوقت ذاته، تبادر إلى شتمها وإهانتها وصولا إلى محاولة التعرض للضباط والعسكريين، وهم بمعظمهم ينتمون إلى البيئات ذاتها التي يأتي منها المتظاهرون، وبالتالي ليس مسموحا أن نحمي حق البعض بالتعرض لقوى الأمن، خصوصا أن بعض ما يقال مخجلٌ ومخزٍ لكل اللبنانيين.
وفي ما خص مطالبة «الحراك» باستقالته، قال المشنوق: نعم حصلت أخطاء محدودة جدا، أمس الأول، وقد طلبت من المدير العام لقوى الأمن الداخلي إجراء تحقيق، وبناء عليه ستتخذ التدابير المناسبة، لكن ليس صحيحا أن هناك عقلا أمنيا أدار بصورة مسبقة ومخططة ما جرى، فهل كان مثلا المطلوب من خلال عملية اقتياد بعض المتظاهرين إلى المخافر محاولة تغيير آرائهم أو إقناعهم بأن يلتزموا بيوتهم؟
وتابع المشنوق: بكل الأحوال، أريد أن أعرف من يطالب باستقالتي، هل هي مجموعة «طلعت ريحتكم» أم مجموعة «بدنا نحاسب» أم أية جهة ثالثة أو رابعة أم المتظاهرين، وفي ضوء ذلك، أجيب على مطلبهم.
وأشار ردا على سؤال إلى أنه مستعد للاستقالة «دفاعا عن حق التعبير والتظاهر السلمي، أو إذا كان ذلك كفيلا بحل مشكلة البلد، لكنني لا أرى أن هناك ما يستدعي ذلك».

بري: لا أحد يهددني

وغداة جلسة الحوار الثانية، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس إنها كانت أفضل من الأولى، موضحا أنه قدم خلالها اقتراحات محددة لحل، يبدأ من رئاسة الجمهورية أولا، ويشمل البنود الأخرى، رافضا الكشف عن مضمونها، ومشيرا إلى أنه طلب من المتحاورين أن يأتوه في الجلسة المقبلة بردود عليها أو أن يقدموا اقتراحات بديلة، لأنه ليس مقبولا أن تبقى جلسات الحوار منبرا للمحاضرات والخطابات.
ولفت الانتباه إلى أن العماد ميشال عون اتصل به، وأبلغه أنه لن يحضر الجلسة، «ولكن من المفترض أن يشارك في الجلسة المقبلة، وإلا فإن استمرار غيابه قد يفتح الباب أمام سلوك الآخرين المنحى ذاته، وعندها لا يعود هناك مبرر للحوار، ولا أخفي أنني سأقدّر عندها ما إذا كانت توجد جدوى لاستمراره أم لا».
وأشار إلى أن بعض المشاركين في طاولة الحوار لَمَّحَ خلال الجلسة السابقة إلى أنه قد يعيد النظر في مشاركته فيها، وكان جوابي: لا أحد يهددني، فهذا حوار فيه مصلحة للجميع، وأنا لم أضع مسدسا في رأس أحد لأجبره على الحضور.
وتعليقا على تظاهرات الحراك المدني، لفت بري الانتباه إلى أنه كرر في جلسة الحوار الثانية ضرورة أن نحقق نتائج تلبي تطلعات الناس، لا سيما أن الحراك على حق. وأضاف: لكن وللأسف، بعض مَن في الحراك يتصرف على أساس أن الحوار موجه ضده معتقدا أنه سيلغي دوره.
وأكد بري أنه لم يكن على علم بالمواجهات التي جرت في ساحة الشهداء «إلى أن عدت إلى عين التينة حيث تبلغت بالتفاصيل، فطلبت فورا من أحمد بعلبكي وقيادات أخرى في حركة أمل التدخل والضغط للتهدئة ومنع انفلات الأمور، علما أن الإساءات التي طالتني وطالت الإمام موسى الصدر من قبل بعض الذين ظهروا على الشاشات هي معيبة ومشينة»، متسائلا: إذا كانت لديهم مشكلة معي، فما دخل الإمام الصدر حتى يتم تناوله بهذا الشكل؟
وتابع: «من حق المتظاهرين توجيه الانتقادات السياسية إلى المسؤولين، إلا أن التجريح الشخصي مرفوض».
وأبلغت مصادر مطلعة على مناخات الحوار «السفير» أن بري يسعى على الأرجح إلى تسوية تربط بين رئاسة الجمهورية والنظام الانتخابي، مستوحاة من تجربة مفاوضات الدوحة التي كادت تفشل لو لم يوافق «التيار الوطني الحر» في اللحظة الأخيرة على القانون الانتخابي في إطار معادلة تجمع بين هذا القانون والرئاسة.