لعلّه تقصيرٌ منّا، وهو كذلك، أنّنا لم نتابع "خوابي الكلام" عبر تلفزيون لبنان في عرضه الأول. في الإعادة إفادة، فالحلقات التي قدّمتها عبير شرارة قيّمة قيمة فكر الضيف وإرثه. البرنامج الثقافي مُرحَّبٌ به (حتى مُعاداً) في زمن الخواء الرهيب.
وزن البرنامج ضيوفه الشعراء وأهل الفنّ الراقي، يوجزون روعة أن يكون المرء ذا رؤية وعقل. شرارة في الغالب قليلة اللمسات على الحلقات، قدّمتها على نَسَق واحد مع فارق يكاد لا يُلمَح. الضيف سيّد الحلقة، وشرارة تطرح السؤال وتبتسم. أسئلتها مألوفة: "هل تشعر بالاختلاف لأنّك شاعر؟"، ونماذج أحاسيس أخرى. لا تشي بأنّ ثمة خلف السؤال قلماً يُبدع ما لا تُبدعه أقلامٌ عدّة. لسنا نبخس أهمية برنامج يخاطب المُشاهد من خلال وعيه. ندرك أنّ العين بصيرة واليد قصيرة، والإمكانات بالكاد تُساعد. ونقدّر الجَدّ لو بُني على قشّة. ولو ارتفع صوت المذيعة فجأة من دون أن ترفعه أنتَ، ثم انخفض (فجأة أيضاً) صوت الضيف، فيما أنتَ تبحث عن الريموت كونترول عساه يعود إليك قرار الرفع أو الخفض أو إبقاء الوضع على حاله!
الحلقة من منزل الضيف، وغالباً من الصالون أو المكتبة الزاخرة بالمجلّدات. فات الأوان، فالحلقات عُرِضت، وإنما كان يُنتَظر طَرْح أزمة الثقافة أثناء تناول سِيَر المفكّرين، لكنّ أسئلة شرارة لم تخرج عن الإطار العادي. تُطرَب الأذن لسماع قصيدة من شعراء لا يكتبون الرخاوة ويسمّون المكتوب شعراً. فَضْل البرنامج أنّه يقدّر مَن أفنى العُمر في الكتابة أو التأليف أو العطاء. جميلٌ لو نتابع موسماً آخر من "الخوابي"، فإنّ الذوق في حاجة. فسحةٌ شبابية لكتّابٍ هم أهل موهبة، لا بدّ من أنها ستشكّل إضافة. البرنامج من القلّة التي تُثري الشاشة، ولا نشاء أن يغلب السلبي روح الإيجابيات. سنظلّ ننتظر موسماً لا يتيح الإحساس بالملل. والأهم: لا ينمّط الثقافة ويجعلها ذريعة للخلود إلى النوم.