ثقافة القمع الميليشياوية أوقعت الرئيس بري في الفخ و وطاولة الحوار تراوح مكانها , الشارع يقاوم الفساد
السفير :
في الجلسة الثانية لطاولة الحوار، دخل النقاش في بعض التفاصيل المتعلقة بمواصفات رئيس الجمهورية، وبالنظرة الى دستور «الطائف،» حيث قدم كل طرف مقاربته، ليتبين في نهاية الجلسة ان كلا من المتحاورين له «رئيسه» ولبنانه..
والأرجح، أن جلسة الحوار التي التأمت أمس كانت منفصلة عن الواقع، وكأنها عُقدت في كوكب آخر، بعدما عُلم ان أصداء العنف المفرط الذي مارسته القوى الامنية بحق المعتصمين في ساحة الشهداء، لم تصل الى قاعة الاجتماع كما أكد عدد من المشاركين بعد خروجهم!
وما جرى البارحة في الشوارع المحيطة بساحة النجمة من اعتداءات واسعة وموصوفة طالت المنخرطين في الحراك المدني، هو سلوك لا يمتّ بصلة الى منطق الدولة والقانون، بل يستعيد تقاليد الأنظمة البوليسية التي كان يُفترض أن صفحتها قد طويت.
وإذا كانت القوى الامنية قد قصدت من رفع منسوب القمع احتواء الشارع وضبطه على توقيت ساعة السلطة، إلا ان النتيجة أتت عكسية على الارض، إذ ان جرعات العنف الزائد أعادت شد عصب الحراك وتوحيد صفوفه بعد التباينات التي سادت مؤخرا بين الحملات المكوّنة له.
لم تترك العناصر الامنية وسيلة من وسائل القمع، إلا وطبقتها بـ «أمانة»، من دون تمييز بين الشبان والشابات العُزّل سوى من الصوت الهادر، ومن دون أن ينفع وجود العنصر النسائي ضمن الوحدات الامنية في تخفيف حدة الاعتداءات، بل العكس هو الصحيح.
ضرب مبرح، مطاردة في كل الاتجاهات، سحل عشوائي، اعتقال تعسفي، وغيرها من فنون العنف.. استُخدمت على فترات متقطعة طيلة نهار أمس، في مواجهة مجموعات الحراك، ما أدى الى سقوط عدد من الجرحى واعتقال العشرات من بينهم ست فتيات، في مشهد ينطوي على انتهاك لأبسط حقوق الانسان.
وبدا واضحا ان ما حصل لم يكن مجرد رد فعل من قوى الامن على استفزاز من هنا أو هناك، بل هو أقرب الى سيناريو معد سلفا ومخطط له عن سابق تصور وتصميم.
كل شيء كان يدل على «نية مبيتة» لدى أجهزة السلطة، من الإفراط في استعمال العنف الذي لا يسوّغه أي مبرر مقنع، الى التصويب على «أهداف منتقاة» عبر توقيف بعض النشطاء ـ المفاتيح.
إنه «كمين» 16 أيلول الذي كان يرمي الى «إجهاض» الحراك في وضح النهار.
ولعله يمكن لهذا الحراك أن يضيف الى إنجازاته السابقة، واحدا إضافيا، وهو انه نجا من الكمين المحكم، وأكثر من ذلك، استطاع أن يفرض إطلاق سراح جميع الموقوفين، مع حلول المساء، ليربح جولة جديدة في معركة طويلة.
وأفادت بعض المعلومات انه، خلافاً للتعليمات التي واكبت الحراك المدني منذ انطلاقته في الشارع، صدرت أمس أوامر واضحة الى القطعات المعنية في الأمن الداخلي بتوقيف من تصنفهم القيادة بـ «مثيري الشغب والفوضى والمعتدين على القوى الامنية»، واستعمال الحزم في ضبط الشارع ومنع إقفال الطرق ومعترضي المواكب، ولو بالقوة.
ووفق المعلومات، سبق أن جرى رصد بعض الوجوه التي صُنّفت في خانة «الوجوه المحرّضة على الشغب» حتى أصبح لدى الاجهزة الامنية «داتا» في هذا الشأن، وهذا ما يفسّر أن التوقيفات طالت متظاهرين محدّدين.
ولئن كان المحتجون في الشارع قد اكتسبوا شيئا من المناعة في مواجهة القمع الرسمي، إلا ان الاختبار الاصعب، ربما، الذي تعرضوا له أمس، تمثل في محاولة استدراجهم الى مواجهة جانبية مع مجموعات هاجمت مكان الاعتصام والتظاهر في ساحة الشهداء ردا على تعرض أحدهم للرئيس نبيه بري، الأمر الذي كاد يقود الى المحظور، لولا تمكن الطرفين من احتواء «الاشتباك».
وليلا، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح لتلفزيون «المستقبل» ان هناك مبالغات في الكلام حول استخدام مفرط للقوة ضد المتظاهرين، مشيرا الى ان الامر لا يتعدى حدود أخطاء بسيطة قد تكون وقعت، وموضحا ان إصابات سقطت في صفوف العناصر الامنية. وأضاف ان بعض المتظاهرين يبحثون عن أحد لكي يضربهم وانهم يريدون دماً في الشارع.
ولفت الانتباه الى ان الأمنيين تعرضوا لشتائم شخصية غير مقبولة من بعض المتظاهرين، معتبرا ان حجم الحراك بات محدودا جدا وبعض المنخرطين فيه يريد أن يظهر بصورة المعتدى عليه، ومؤكدا أن حق التظاهر والتعبير السلمي مصان، بحماية القوى الأمنية، ولكن لا يجوز استخدام هذا الحق للإساءة الى هذه القوى وشتمها.
النهار :
قد يكون الأسوأ من الشكوك التي تستبق جولات الحوار في مجلس النواب ثم تعقبها ان المحطات الحوارية هذه صارت مقترنة "الزاماً" بمشاهد "قتالية" وصدامية كالتي حصلت أمس في محيط مبنى "النهار". ويمكن القول بلا مواربة ان المواجهة الحادة التي جرت فصولها تدرجاً وتصاعدياً لتتسع لاحقاً الى دخول عامل "حزبي" ولو من دون قرار مسبق على خط الصدام شكلت المواجهة الأشد عنفاً وحدة بعد المحطة الصدامية الاولى بين القوى الامنية والتحرك الاحتجاجي في بداياته. محطة 16 أيلول تفوقت على سابقتها في 22 آب بتصاعد المواجهة وارتفاع عدد الموقوفين الى حدود 40 موقوفاً من المتظاهرين اطلقوا جميهم مساء من دون امكان ضمان عدم تجدد المواجهات ما دامت مواجهة البارحة عكست أمرين متلازمين: الأول تصاعد التوتر والاحتقان الى ذروة غير مسبوقة لدى فريقي المواجهة بعد مرور اكثر من 25 يوماً باتت معها قوى الامن الداخلي والتحرك الاحتجاجي وجهاً لوجه في يوميات الزوغان في عقم المعالجات الرسمية والسياسية للقضايا الاساسية التي كانت في اساس اشعال التحرك الاحتجاجي وفي مقدمها ازمة النفايات. واذا كانت قوى الأمن لجأت أمس الى تشديد القبضة وجنحت الى الخشونة والافراط في العنف في مطاردات المتظاهرين، فإن ذلك لم يحجب اتباع شرائح عدة من المتظاهرين اساليب مثيرة للاستفزازت لاستدراج القوى الامنية الى الخشونة وتوظيف ذلك في اذكاء التحرك.
أما الأمر الآخر فيتمثل في تصاعد المخاوف من ان تتخذ هذه الدوامة طابعاً مستداماً وسط كر وفر لا نهاية وشيكة له مما يزيد الاخطار على انفتاح البلاد على مرحلة اهتزازات أمنية متواصلة مع ما يعنيه ذلك من زيادة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً ان فريقي المواجهة، أي السلطة السياسية والتحرك الاحتجاجي، يكادان يتقاسمان دوامة العجز بعد اختبار لي الاذرع طوال الاسابيع الاخيرة من دون اي نتائج حاسمة او مقاربات مشتركة للمعالجات.
في أي حال، كادت المواجهة التي حصلت أمس تحجب الانظار والاهتمام تماماً عن مجريات الجولة الثانية من الحوار نظراً الى انفراط التماسك والهدوء اللذين طبعاً بدايات الاعتصام قرب مبنى "النهار" على نحو مفاجئ اشتعلت معه المواجهة بعنف عقب مناوشات بين المتظاهرين وقوى الامن اندفعت على اثرها هذه القوى في صدام واسع مع المتظاهرين واستعملت الهراوات واصيب عدد كبير في صفوف الفريقين فيما جردت القوى الامنية حملة توقيفات واسعة في صفوف المتظاهرين. وبرزت المفاجأة الأخرى في صدام حصل قبالة مبنى اللعازرية، حيث أقدمت مجموعة من الشبان على الاعتداء على خيم المضربين عن الطعام من التحرك المدني اثر توجيه متظاهرين شتائم وعبارات نابية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر محطات تلفزيونية. وتسبب الاعتداء بعراك وهرج ومرج بين المهاجمين الذين تبين أنهم من انصار حركة "أمل" والمعتصمين الى ان تمكنت قوى الامن من الفصل بينهم. ونفت حركة "امل" علاقتها بما جرى لكنها احتفظت بحقها في اللجوء الى القضاء لملاحقة من وجّه كلاماً نابياً الى الرئيس بري. ونفذ منظمو التحرك المدني اعتصاماً مساء في ساحة رياض الصلح استمر الى حين اطلاق جميع الموقوفين.
المشنوق
وصرح وزير الداخلية نهاد المشنوق بأن "مهمة قوى الامن الداخلي حماية حق المتظاهرين بالتعبير السلمي وبالتظاهر، وليست مهمتهم حماية حق المتظاهرين بشتم قوى الامن الداخلي بالاسم وبألفاظ نابية ، وبالتالي هذا الامر استوجب ان ينفذ القانون بتوقيفهم ومن ثم أمر القضاء بالافراج عنهم".
وقال لـقناة "المستقبل": "حتى أن نساء قوى الأمن تعرضن للكثير من الشتائم، سمعه الجميع على الهواء، فاذا أراد المتظاهرون ان يحفظوا حقهم بالتعبير والحماية وحقهم بالتظاهر عليهم ان يفترضوا ان الذين في وجههم بشر لديهم احاسيس وكرامة ومسؤولية ولا يستطيعون الاستخفاف بكل هذه الأمور، ولا ان يكون منتظراً منهم ان يتفرجوا عليهم باعتبار ان حق المتظاهر يعطي المتظاهرين الحق بشتم أب وأم وأخت العسكري وفي المقابل على العسكري الا يتقدم خطوة الى الامام لأن هذا الامر حق للمتظاهر فقط".
الحوار
في غضون ذلك، خاض المتحاورون في الطبقة الثالثة من مجلس النواب جلسة "عصف فكري" ثانية في معضلة الفراغ الرئاسي من دون طائل. وإذ تميزت الجلسة بغياب رئيس "تكتل التغيير والاصلاح " العماد ميشال عون عنها وتمثله بالوزير جبران باسيل، أبلغت مصادر شاركت في الجلسة "النهار" أن جو الحوار كان "هادئاً وجديّاً" وأوضحت أنه عندما جرى التطرّق الى موضوع انتخاب رئيس للجمهورية كانت الفرصة متاحة للقول إنه لا مجال لتعديل الدستور في رد غير مباشر على العماد عون الذي دعا الى انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب وكرر اثارة الطرح الوزير باسيل. وأضافت أن زعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيه جدّد أمس سؤاله للقيادات الاسلامية في الجلسة الأولى: "هل ترضون أن يؤتى بموظف رئيساً للوزراء؟"، في إشارة الى رفض الموارنة الإتيان بموظف رئيساً للجمهورية. وفي المقابل، كان تأكيد من الرئيس فؤاد السنيورة للنائب فرنجيه لعدم الموافقة على تعديل الدستور بما يتيح انتخاب موظف، فرحب فرنجيه بهذا التأكيد.
وذكّر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بأن الرئيس سليمان فرنجيه لم يكن قبل انتخابه أقوى المرشحين بل أن الأقوياء في ذلك الوقت كانوا الرئيس كميل شمعون والعميد ريمون إده والشيخ بيار الجميل الذين اتفقوا على انتخاب فرنجيه، فرد النائب فرنجيه موافقاً. وعندما دعا الوزير باسيل الى الإحتكام الى الشعب، رد الرئيس بري بلباقة بأن مجلس النواب الحالي هو شرعي ويمكنه انتخاب رئيس للجمهورية. وقد رفض معظم المشاركين في الحوار مبدأ انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب وخاطب السنيورة باسيل قائلاً: "لا يمكن ان نتفق معك على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية". وتقرّر عقد الجلسة الثالثة الثلثاء المقبل قبيل عيد الأضحى، وتوجه الرئيس تمام سلام الى نيويورك الخميس المقبل.
وتردّد أن غياب العماد عون عن جلسة الحوار أمس هو لمرة واحدة وسيعاود مشاركته الاسبوع المقبل. وعندما سأل أحد المشاركين في الجلسة الرئيس سلام عما إذا كان مجلس الوزراء سينعقد، أجاب: "إن شاء الله"، مما أوحى بأن انعقاد مجلس الوزراء في المدى المنظور ليس مواتياً".
المستقبل :
في الميدان، وبشكل مؤسف خارج عن قاموس التعبير السلمي عن الرأي، انزلقت التحركات الاحتجاجية أمس نحو منزلقات صدامية تهدد بتضييع بوصلة المطالب الحياتية المعيشية المحقة وحرفها عن الغاية الإصلاحية المنشودة منها باتجاه مسالك فوضوية عبثية حوّلت الحراك المدني خلال الساعات الأخيرة إلى عراك أمني في الشارع أسفر عن سقوط عدد من الجرحى في صفوف المتظاهرين والقوى الأمنية. أما على الساحة السياسية، فسجلت بورصة المؤشرات أمس ارتفاع أسهم التقارب والتواصل الإيجابي بين الأفرقاء المتحاورين تحت قبة البرلمان، حيث طغى الارتياح على أجواء طاولة الحوار الوطني في جلستها الثانية التي غاب عنها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وحضرت «ملائكته» كما علّق نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري رداً على أسئلة الصحافيين حول مسألة انتداب عون الوزير جبران باسيل لتمثيله على طاولة رؤساء الكتل. وفي أبرز خلاصات ونتائج الجلسة الحوارية أمس أنها خرجت بشبه إجماع واضح على رفض تعديل الدستور، مسقطة بذلك الطرح العوني المطالب بتغيير الآليات الدستورية المعمول بها حالياً في عملية انتخاب رئيس الجمهورية.
وأوضح البيان الرسمي الصادر عن المتحاورين أنّهم تابعوا «مناقشة جدول الأعمال انطلاقاً مما طُرح في الجلسة الماضية، وحصلت مقاربات سياسية ودستورية لكيفية حصول اختراق في بند انتخاب رئيس للجمهورية وغيره من المواضيع، ومحاولة البناء على القواسم المشتركة في المداخلات لتوسيعها في الجلسات المقبلة»، في حين «أكد المجتمعون دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة لمعالجة الملفات الحياتية الأساسية»، وتقرر عقد الجلسة الثالثة للحوار ظهر الثلاثاء المقبل في 22 الجاري.
وإذ تقاطعت تصريحات معظم أطراف الحوار لدى خروجهم من الجلسة عند تأكيد إيجابية الأجواء التي أحاطت بالنقاش الذي استكمل البحث في بند رئاسة الجمهورية، أوضحت مصادر المتحاورين لـ«المستقبل» أنّ «الجلسة الحوارية الثانية كانت أفضل من الأولى»، مشيرةً إلى أنها «شهدت بصيص تقارب بين الأفرقاء لولا أنّ الموفد العوني سارع إلى قطع الطرق أمام فرص تعزيز هذا التقارب من خلال إثارته لازمة المطالبة بما أسماه الشراكة الحقيقية».
المتحاورون.. وباسيل
وفي تفاصيل مجريات الجلسة، أنه حين توجه باسيل إلى المتحاورين بالقول: «نحن نريد حقنا ونطالب بالديموقراطية الشعبية فأعيدوا الشرعية إلى الشعب ليختار هو رئيس الجمهورية»، توالى المجتمعون على الرد فأجابه بدايةً مكاري قائلاً: «تتحدث عن الديموقراطية وأنت نفسك لم تمارسها في تيارك السياسي»، عندها توتّر باسيل وأجابه: «ما بخصّك»، فرد مكاري: «بصراحة قاعدي على قلبي وبدي قولها».. باسيل: «عاملتك ضيق نَفَس».. مكاري: «ما تخاف عامل قلب مفتوح».
ثم تولى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحديث فتوجه إلى باسيل قائلاً: «قبل أن تتحدث عن إجراء استفتاء شعبي وتطالب بتعديل الدستور إذهب أولاً إلى مجلس النواب»، وسأل: «أما إذا كنت تعتبر المجلس غير شرعي فكيف ستقوم بذلك؟».
وحين رأى باسيل، متوجهاً إلى الأفرقاء المتحاورين، أنهم يقبلون على الدوام برئيس حكومة قوي بينما يرفضون أن يكون رئيس الجمهورية قوياً، صوّب له رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة مسار الأمور على صعيد الرئاسات الثلاث فقال: «إذا كنت تتحدث عن التمثيل القوي فاسمح لي أن ألفت انتباهك إلى أنه بحسب كلامك هذا كان من المفترض أن يكون النائب محمد رعد رئيساً لمجلس النواب والرئيس سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء لكنّ هذا الأمر لم يحصل، علماً أنكم أنتم من كان قد بادر إلى إسقاط حكومة الرئيس الحريري وفقاً للعبة السياسية، بينما رئيس الجمهورية يبقى 6 سنوات في موقعه من دون أن يستطيع أحد التعرض لولايته»، مشدداً في الوقت عينه على أنّ «رئيس الحكومة من المُفترض أن يمثل فريقاً سياسياً أما رئيس الجمهورية فيجب أن يكون فوق كل الأفرقاء».
بدوره، رد مكاري على باسيل فذكّره بأنّ «التيار الوطني الحر» يمثل لدى المسيحيين كما يمثل الفريق المسيحي في 14 آذار، فضلاً عن كون نتائج انتخابات العام 2005 أصبحت من الماضي ولم تعد هي نفسها لا في انتخابات 2009 ولا في إحصاءات 2015.
الديار :
قدمت السلطة السياسية نفسها امس، باسوأ صورة، وظهرت للرأي العام العربي والدولي بانها دولة بوليسية، تقمع شبابها وشاباتها ولا تحاور شعبها ولم تستفد من التجارب العربية في الساحات العربية.
الدولة ظهرت امس بانها دولة عاجزة، وتعاني مشكلة حقيقية، ومأزقا لا تعرف الخروج منه، ولا تملك اي اجندة للتعامل مع الظروف الطارئة، ولم تدرك ان لبنان قبل 22 آب ليس كما بعده.
الدولة بدت امس انها تتعاطى بغباء مع تحركات الشباب، والسؤال الاساسي: من يقف وراء الاصرار على استخدام القوة بدلاً من اللجوء الى الحوار. وقد ظهرت الصورة امس، وكأن المتظاهرين احرار واركان طاولة الحوار محاصرون ومحكومون بنقاشات تكرر نفسها منذ الفراغ الرئاسي، ولا تقدم للمواطن اي شيء، حتى ان اقطاب طاولة الحوار يؤكدون ان «الجلسات للصورة» لان قرار الحل والربط الرئاسي خارج البلاد، وليسوا الا «صدى» للخارج وسيوافقون على ما يقرره هذا الخارج.
ورغم هذه الصورة للمسؤولين، فانهم ما زالوا يكابرون ولم يتعظوا من تجارب الساحات العربية، ولم يدركوا ان القمع لا يحل المشاكل، وان جيوشاً تملك امكانات عجزت عن حماية نظام حائر، بغض النظر عن نتائج ما سمي بالربيع العربي.
التحركات الشبابية بدأت عبر مجموعات صغيرة، في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وهؤلاء الشباب لا يملكون الامكانات لقلب طاولة الحوار وتعطيلها، وكل ما فعلوه انهم حاولوا «رمي البيض» على «المواكب»، واطلقوا العنان لحناجرهم ضد فساد الطبقة السياسية. وبالتالي لا مبرر لاستخدام العنف المفرط ضد الشباب والصبايا، مما ادى جراء «النقل التلفزيوني» المباشر من محطات لبنانية وعربية وعالمية الى ازدياد التعاطف مع هؤلاء الشبان، ودفع العديد من الناس الى النزول الى ساحتي رياض الصلح والشهداء لمؤازرتهم ورفض قمع السلطة، فكبر «الحراك» مساءً بعد ان كان محدوداً صباحاً، واستفاد قادة الحراك من القمع ضدهم، فرفعوا سقف مطالبهم الى الاعتصام المفتوح حتى اطلاق المعتقلين الـ 40 من الشباب والصبايا، الذين افرج عنهم.
اخطاء السلطة بالتعاطي مع المتظاهرين لا تبرر ايضاً اخطاء بعض قادة الحراك عبر اطلاق الكلمات غير اللائقة ضد مرجعية سياسية بحجم الرئيس نبيه بري. وهذا ما ادى الى استفزاز جمهور حركة «امل» وعموم الجمهور اللبناني، مما دفع ببعض الشباب التابعين لحركة «امل» الى النزول الى باحة وزارة البيئة والاشتباك مع المتظاهرين، وكادت تحصل فتنة كبيرة في البلد، لكن الرئيس نبيه بري تدخل فوراً واعطى تعليمات صارمة بمنع اي اشكال. ونفت امل ان يكون لها اي علاقة لها بالموضوع، لكنها انتقدت التطاول على مرجعيات سياسية، وفي وقت لاحق، تمت تسوية الاشكال وجرت مصالحة.
وفيما كان المتظاهرون يعبئون الساحات ويخطفون الاضواء والكاميرات، كانت طاولة الحوار تعقد على بعد مئات الامتار برئاسة الرئيس نبيه بري وبغياب العماد ميشال عون ومغادرة النائب وليد جنبلاط الجلسة مبكراً لسبب شخصي كما قال. لكن جنبلاط كان قد غرد على «تويتر» محذراً من عمل امني كبير واستغلال البعض للظروف، سائلاً بعض الاعلام عن سبب التحريض، والى اين يريدون الوصول.
وحسب مصادر تابعت جلسة الحوار، فانه لم يحدث اي خرق وبقيت المواقف على حالها. ورغم الدعوة الى جلسة جديدة في 22 ايلول، استبعدت المصادر ان يتغيب عدد من الاقطاب عن الجلسة المقبلة وأن يقتصر الغياب على العماد ميشال عون. وقد شهدت الجلسة تباينات واضحة في المواقف بين الرئيس السنيورة من جهة، والوزير جبران باسيل والنائبين سليمان فرنجيه ومحمد رعد من جهة اخرى.
وبالعودة الى الحراك المدني، يبقى السؤال: لماذا تجاهل «الحراك»، ولماذا لم يبادر المسؤولون حتى الآن الى العمل على فتح ابواب الحوار مع قادة الحراك المدني، والسؤال عن مطالبهم؟ ولماذا تصوير هؤلاء الشباب بانهم مجموعات تعمل باوامر خارجية؟
ماذا قدمت السلطة السياسية لتنفيس الاحتقان من الشارع؟ فازمة النفايات تتفاعل، والحل لن يتم قبل تنظيم سرقة هذا «القطاع» وارباحه التي تفوق مليارات الدولارات؟ هل لجأت السلطة الى الدعوة لفتح نقاش حقيقي حول ازمة الكهرباء، خصوصاً ان ساعات التقنين ارتفعت؟ هل لجأت الحكومة الى فتح نقاش حول عمل الوزارات وروائح الفساد والسمسرات من «الميكانيك» والدوائر العقارية وغيرها؟ هل فتحت السلطة باب النقاش في عمليات الهدر في المشاريع والتلزيمات بالتراضي؟ لم يحصل شيء من ذلك، بل ان اركان السلطة زادوا من فسادهم وجشعهم، وردوا على صرخات الناس على طريقة «عنزة ولو طارت». لا بل انهم فتحوا نقاشاً في موضوع الرئاسة، لا يملكون الحل والربط فيه حسب اعترافهم.
الناس لن يخرجوا من الشارع قبل تحقيق المطالب، والجرح بدأ يكبر ويتوسع ويتعمق، وطالماًَ الطبقة السياسية «تسد اذانها» فانها تزيد من مأزقها الذي هو مأزق حقيقي تعيشه هذه الطبقة السياسية للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف.
الناس لن يخرجوا من الشوارع بعد ان فقدت الدولة هيبتها كلياً، والثقة اساساً مفقودة بين السلطة وشعبها، وترسخ فقدانها حالياً. وبالتالي لا احد يعرف كيف سيكون مسار الامور خلال الايام المقبلة، لكن التجارب التاريخية اكدت ان الشعب هو المنتصر في النهاية، ومن ينحاز الى الشعب سينجح ويحقق ما يريد، ولننتظر ما ستحمله الايام المقبلة.
وفي الخلاصة، الدولة في مأزق وكذلك الحراك ايضاً الذي لم يقدم «برنامجه» بعد، ولم يحدد مطالبه، ولم يقل ماذا يريد، وما هي حدود اهداف مطالبه؟
وما هو الآني وما هو الاستراتيجي؟ خصوصاً ان على قادة الحراك المدني ان يدركوا انهم يواجهون قوة منظمة لا تتخلى عن امتيازاتها بسهولة. وبالتالي عليهم قياس خطواتهم قبل ان تضيّع سدى اتعاب الناس باحباط جديد؟
والخوف ان تذهب الامور الى «فوضى منظمة» او فوضى بناءة ستؤدي الى خراب على الجميع، في ظل تعدد اللاعبين في الداخل، والخطر الارهابي واوضاع المنطقة.
الجمهورية :
نجحت الجولة الثانية من الحوار في تظهير توافق لم يكن متوقعاً لجهة الاتفاق على رفض المس بالدستور، ما يعني سقوط الترتيب الذي كان يسوّق له رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بإعطاء الأولوية لانتخاب رئيس من الشعب، الأمر الذي قد يفسّر سبب غيابه عن الجلسة، فيما المفاجأة لم تأتِ من مكوّنات قوى 14 آذار كونها أعلنَت مراراً تمسّكها بأولوية انتخاب الرئيس من مجلس النواب الحالي، بل جاءت عن طريق النائب سليمان فرنجية الذي ربط التعديل بالتوافق، مؤكداً أنّ غياب هذا التوافق يحول دون التعديل، ومشدداً على أنّه ليس أوان المسّ باتفاق الطائف. فرفضُ تعديل الدستور يتصل حصراً بموضوع الساعة وهو انتخاب رئيس من الشعب، ما يعني أنّ الشخص الوحيد المعني بهذا الأمر اليوم هو العماد عون. وإذا كان عون يرى أنّ فرصة وصوله إلى الرئاسة مستحيلة عن طريق المجلس الحالي، وممكنة عن طريق الانتخاب من الشعب، فإنّ موقف فرنجية أقفلَ الطريق على الخيار الثاني مبقياً السباق من ضمن الخيار الأوّل الذي يبقيه ضمن السباق الرئاسي، سيّما أنّ موقفه من الطائف يلقى تقديراً من 14 آذار، إلّا أنّ رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة كان واضحاً بإعلانه عدم إمكانية انتخاب رئيس من 8 أو 14 آذار، لأنّ ذلك سيؤدي عملياً إلى تغليب فئة على أخرى. ولكنّ السؤال اليوم يبقى عن ردّ فعل العماد عون بعد قطع الطريق على اقتراحه الرئاسي من 8 و14 آذار؟ ولم تقتصر نتائج الجلسة على الاتفاق على أولوية انتخاب الرئيس من المجلس الحالي، بل أمّنَت الغطاء السياسي للحكومة من أجل أن تباشر بتنفيذ خطة الوزير أكرم شهيّب للنفايات، ولو استدعى الأمر تنفيذَها بمواكبة أمنية، وبالتالي إذا كان إعلان ولادة الخطة حصل على أثر الجلسة الأولى، فإنّ تنفيذ هذه الخطة سيبدأ بعد الجلسة الثانية. وفي سياق المناخات الإيجابية التي تحرص القوى السياسية على تعميمها تمّ التوقيع على حوالى عشرة مراسيم من ضمنها صرفُ رواتب الموظفين قبل عيد الأضحى المبارك. في ظلّ أجواء من القلق والترقّب لِما ستؤول إليه الأمور في الايام المقبلة بعدما اتّخذ الحراك في الشارع أمس منحى تصعيدياً، لم ينجح المتحاورون في الجلسة الحوارية الثانية في الاتفاق على بند انتخاب رئيس الجمهورية بل طرحوا مقارباتهم الدستورية والسياسية لكيفية حصول اختراق في هذا البند وغيره من المواضيع، ومحاولة البناء على القواسم المشتركة في المداخلات لتوسيعها في الجلسة المقبلة. وأكدوا على دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتّخذة لمعالجة الملفات الحياتية الأساسية.
وكانت الجلسة الحوارية الثانية انعقدت امس في ساحة النجمة برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري وبغياب رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي فوّض وزير الخارجية جبران باسيل بالحضور نيابة عنه.
وأكد بري في مستهل الجلسة على اهمية الحوار في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، مشدداً على أن لا سبيل للخلاص إلا بالحوار.
وقالت مصادر اطّلعت على وقائع الجلسة الثانية للحوار لـ»الجمهورية» إنّ المتحاورين تعمّقوا أكثر من الجلسة الأولى في البحث في شكل ومضمون البند الأول من جدول الأعمال وهو الذي يتصل بانتخاب الرئيس العتيد.
مصادر المتحاورين
وقالت مصادر المتحاورين لـ«الجمهورية» إنّ جلسة اليوم فتحت آفاقاً لنقاط المشتركة يمكن البناء عليها مستقبلاً بانتظار ان تتبلوَر الامور في الجلسة المقبلة. وأشارت الى انّ غياب العماد عون عن الجلسة لم يغيّر لا بالشكل ولا بالمضمون، خصوصاً أنّه اتّصل معتذراً عن عدم حضور هذه الجلسة.
وعلمت «الجمهورية» انّ خطة وزير الزراعة اكرم شهيّب لمعالجة النفايات التي نالت تحفيزاً كبيراً لها من داخل الحوار تنتظر ساعة الصفر لبدء تنفيذها، والمرشّحة خلال ساعات.
وأكدت مصادر مواكبة انّه على هامش الجلسة جرى التأكيد على بدء تنفيذ الخطة بمواكبة من الاجهزة الامنية لضمان سيرها. وأشارت المصادر الى انّ شهيب كان أعطِي الضوء الاخضر مطلعَ الاسبوع لبدء تطبيق الخطة لكنّه استمهل بعض الوقت لإجراء اتصالات مع الجمعيات المدنية والبيئية للتخفيف من جدار الرفض لها.
الاخبار :
القمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية أمس بحق المتظاهرين في ساحة الشهداء، لم يكن وليد لحظته، بل هو نتيجة قرار سياسي ــ أمني، جرى التمهيد له خلال الأيام الماضية. النائب وليد جنبلاط، على عادته، كان أكثر أهل النظام صراحة. على طريقته، حذّر من تحوّل الحراك إلى مشكلة أمنية في البلاد. أما تيار المستقبل، فتولى عبر قوى الأمن الداخلي، تنفيذ القمع، وتغطيته من خلال وزير الداخلية نهاد المشنوق مدعوماً من تياره السياسي.
أما المشاركون في طاولة الحوار، فصمتوا عمّا جرى على بعد أمتار منهم. بعض أنصار راعي الحوار، الرئيس نبيه بري، «كسروا هذا الصمت»، ولاقوا القوى الأمنية، وشاركوا في الاعتداء على المتظاهرين، لرسم خط أحمر تحت عنوان: «يُمنع التعرض للرئيس (بري)».
بشائر القرار السياسي ــ الأمني بدأت بالظهور يوم الأحد الماضي، حين أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هذا القرار، من خلال القول: سنحمي التظاهرات، ولكن... وبعد الـ»ولكن» تكمن الرسالة التي لم يلتفت إليها أحد، لأن الجمهور اعتاد إهمال بيانات الأمن الداخلي، أو عدم أخذ مضمونها على محمل الجد. كان بيان المديرية، الذي يحظى بغطاء من وزير الداخلية نهاد المشنوق ومن خلفه تيار المستقبل، يعلن القرار الذي نُفِّذ أمس: «يُمنع قطع الطرقات، يُمنع التعدي على الأملاك العامة، ويُمنع المسّ بقوى الأمن الداخلي». تحت هذا العنوان، نفّذت القوى الأمنية القمع الأمس. هذا القمع منح التحركات الاحتجاجية زخماً إعلامياً كبيراً، من دون أن يُترجَم حشداً شعبياً في اعتصام ساعة رياض الصلح. الحزب الشيوعي زوّد المعتصمين بمدد عدديّ، من خلال انتقال من لبّوا دعوته لإحياء ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من الصنائع إلى وسط المدينة. ويبدو أن «الغزوة» التي نفذها بعض أنصار الرئيس بري في ساحة الشهداء، «احتجاجاً على شتائم كيلت للرئيس»، فعلت فعلها في تخويف عدد من الذين شاركوا سابقاً في الاحتجاجات، فلم يتجاوبوا أمس مع دعوات الاعتصام ليلاً في «رياض الصلح».