في الميدان، وبشكل مؤسف خارج عن قاموس التعبير السلمي عن الرأي، انزلقت التحركات الاحتجاجية أمس نحو منزلقات صدامية تهدد بتضييع بوصلة المطالب الحياتية المعيشية المحقة وحرفها عن الغاية الإصلاحية المنشودة منها باتجاه مسالك فوضوية عبثية حوّلت الحراك المدني خلال الساعات الأخيرة إلى عراك أمني في الشارع أسفر عن سقوط عدد من الجرحى في صفوف المتظاهرين والقوى الأمنية. أما على الساحة السياسية، فسجلت بورصة المؤشرات أمس ارتفاع أسهم التقارب والتواصل الإيجابي بين الأفرقاء المتحاورين تحت قبة البرلمان، حيث طغى الارتياح على أجواء طاولة الحوار الوطني في جلستها الثانية التي غاب عنها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وحضرت «ملائكته» كما علّق نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري رداً على أسئلة الصحافيين حول مسألة انتداب عون الوزير جبران باسيل لتمثيله على طاولة رؤساء الكتل. وفي أبرز خلاصات ونتائج الجلسة الحوارية أمس أنها خرجت بشبه إجماع واضح على رفض تعديل الدستور، مسقطة بذلك الطرح العوني المطالب بتغيير الآليات الدستورية المعمول بها حالياً في عملية انتخاب رئيس الجمهورية.

وأوضح البيان الرسمي الصادر عن المتحاورين أنّهم تابعوا «مناقشة جدول الأعمال انطلاقاً مما طُرح في الجلسة الماضية، وحصلت مقاربات سياسية ودستورية لكيفية حصول اختراق في بند انتخاب رئيس للجمهورية وغيره من المواضيع، ومحاولة البناء على القواسم المشتركة في المداخلات لتوسيعها في الجلسات المقبلة»، في حين «أكد المجتمعون دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة لمعالجة الملفات الحياتية الأساسية»، وتقرر عقد الجلسة الثالثة للحوار ظهر الثلاثاء المقبل في 22 الجاري.

وإذ تقاطعت تصريحات معظم أطراف الحوار لدى خروجهم من الجلسة عند تأكيد إيجابية الأجواء التي أحاطت بالنقاش الذي استكمل البحث في بند رئاسة الجمهورية، أوضحت مصادر المتحاورين لـ«المستقبل» أنّ «الجلسة الحوارية الثانية كانت أفضل من الأولى»، مشيرةً إلى أنها «شهدت بصيص تقارب بين الأفرقاء لولا أنّ الموفد العوني سارع إلى قطع الطرق أمام فرص تعزيز هذا التقارب من خلال إثارته لازمة المطالبة بما أسماه الشراكة الحقيقية».

المتحاورون.. وباسيل

وفي تفاصيل مجريات الجلسة، أنه حين توجه باسيل إلى المتحاورين بالقول: «نحن نريد حقنا ونطالب بالديموقراطية الشعبية فأعيدوا الشرعية إلى الشعب ليختار هو رئيس الجمهورية»، توالى المجتمعون على الرد فأجابه بدايةً مكاري قائلاً: «تتحدث عن الديموقراطية وأنت نفسك لم تمارسها في تيارك السياسي»، عندها توتّر باسيل وأجابه: «ما بخصّك»، فرد مكاري: «بصراحة قاعدي على قلبي وبدي قولها».. باسيل: «عاملتك ضيق نَفَس».. مكاري: «ما تخاف عامل قلب مفتوح».

ثم تولى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحديث فتوجه إلى باسيل قائلاً: «قبل أن تتحدث عن إجراء استفتاء شعبي وتطالب بتعديل الدستور إذهب أولاً إلى مجلس النواب»، وسأل: «أما إذا كنت تعتبر المجلس غير شرعي فكيف ستقوم بذلك؟».

وحين رأى باسيل، متوجهاً إلى الأفرقاء المتحاورين، أنهم يقبلون على الدوام برئيس حكومة قوي بينما يرفضون أن يكون رئيس الجمهورية قوياً، صوّب له رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة مسار الأمور على صعيد الرئاسات الثلاث فقال: «إذا كنت تتحدث عن التمثيل القوي فاسمح لي أن ألفت انتباهك إلى أنه بحسب كلامك هذا كان من المفترض أن يكون النائب محمد رعد رئيساً لمجلس النواب والرئيس سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء لكنّ هذا الأمر لم يحصل، علماً أنكم أنتم من كان قد بادر إلى إسقاط حكومة الرئيس الحريري وفقاً للعبة السياسية، بينما رئيس الجمهورية يبقى 6 سنوات في موقعه من دون أن يستطيع أحد التعرض لولايته»، مشدداً في الوقت عينه على أنّ «رئيس الحكومة من المُفترض أن يمثل فريقاً سياسياً أما رئيس الجمهورية فيجب أن يكون فوق كل الأفرقاء».

بدوره، رد مكاري على باسيل فذكّره بأنّ «التيار الوطني الحر» يمثل لدى المسيحيين كما يمثل الفريق المسيحي في 14 آذار، فضلاً عن كون نتائج انتخابات العام 2005 أصبحت من الماضي ولم تعد هي نفسها لا في انتخابات 2009 ولا في إحصاءات 2015.

من جهته، سأل رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية السنيورة: «هل تعديل الدستور لانتخاب رئيس وارد لديكم»، فأجابه السنيورة بالنفي، عندها أردف فرنجية: «وإذا كان التعديل الدستوري لموظف ممددة خدمته؟»، اكتفى السنيورة بالقول: «الموظف موظف».

أما عندما طالب رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية «لا من 8 ولا 14 آذار»، استدرك فرنجية قائلاً: «لا تقطعوا الطريق أمام الاحتمالات فمن الممكن أن يأتي الرئيس من 8 آذار بموافقة 14 آذار أو يأتي من 14 بموافقة 8، أما إذا كنتم لا تريدون رئيساً لا يمثل سياستكم فنحن بطبيعة الحال نتفهم موقفكم».

كذلك ذكّر الجميل المتحاورين بأنّ «الرئيس الراحل سليمان فرنجية لم يكن من نادي المرشحين الأقوياء للرئاسة لكن حينما رشحه الثلاثة الأقوياء بيار الجميل وكميل شمعون وريمون إده أصبح قوياً»، فعلّق فرنجية بالقول: «هذا كلام صحيح».

عندها تدخّل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد مخاطباً السنيورة: «يا دولة الرئيس من يملك الكثير يعطي الكثير، أنتم لديكم أكبر كتلة برلمانية، تفاوضوا مع الجنرال عون لحل الأزمة»، فأجابه السنيورة: تفاوضنا يا حاج محمد ولكن أصرّوا على انتخاب عون حصراً وبالتالي «ما في نصيب».

كذلك، تولى النائب أسعد حردان تجديد التشديد للمرة الثانية على التوالي خلال جلستي الحوار على «ضرورة» انتخاب رئيس للجمهورية، متحدثاً عن «مواصفات» الرئيس العتيد.

بري يطلب «مقترحات»

وكان بري قد استهلّ الجلسة بالتشديد على «أهمية الحوار الوطني خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان»، مؤكداً أن «لا سبيل للخلاص إلا بالحوار». بينما طلب في ختام الجلسة من المتحاورين أن يحضروا معهم إلى جلسة الحوار المقبلة تصوراتهم لـ»مقترحات الحلول».

النفايات

وتمنى رئيس الحكومة تمام سلام في مداخلته الاستهلالية على «كل الأطراف في الحوار أن يبادروا إلى تأكيد دعمهم وتأييدهم لخطة الوزير أكرم شهيب لمعالجة أزمة النفايات، معرباً في هذا الإطار عن أسفه للمعارضة العونية لتنفيذ هذه الخطة. فسارع باسيل بالنفي قائلاً: «أبداً نحن لا نقف في وجهها».

عندها أبدى النائب طلال ارسلان تأييده خطة شهيب ثم كرّت سبحة المواقف التي عبّر من خلالها كل الأطراف تأييد الخطة، في حين شدد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط على وجوب ترجمة هذا التأييد لإنجاح الخطة وتوجّه إلى ارسلان بالقول: «نحن أيضاً لدينا في الشوف وعاليه نفايات متراكمة فأتأمل منك يا مير طلال أن نتساعد لخلق مطامر لها»، فأجابه ارسلان: «بكل تأكيد».

شهيب

وفي سياق مؤكد للمعلومات التي كانت «المستقبل» قد تفردت بنشرها مطلع الأسبوع، كشف شهيب لـ«المستقبل» مساء أمس أنّ اللجنة المختصة «صرفت النظر عن استخدام الموقع القريب من الجمارك في منطقة المصنع بعد أن أشار تقرير الخبراء الجيولوجيين الذين كلفتهم اللجنة بدراسة الموقع إلى إمكانية أن يؤثر المطمر على المياه الجوفية» في تلك المنطقة، مؤكداً أنّ «البحث جارٍ مع الجميع عن بديل ملائم بيئياً في ضوء تقدير الخبراء وتقاريرهم الخاصة بالمواقع المصنفة سابقاً صالحة» من الناحيتين البيئية والصحية.

شهيب الذي أكد أنه أجرى خلال الساعات الأخيرة «مروحة اتصالات ومشاورات واسعة» شملت رئيس الحكومة وجميع الأفرقاء، لفت رداً على سؤال إلى أنه عقد أمس اجتماعاً مع ممثلي حزب «الطاشناق» بشأن مطمر برج حمود الصحي، واصفاً نتائج الاجتماع بـ«المقبولة» وبأنه شهد بحثاً مطوّلاً حول مختلف جوانب المشروع. وختم بالتأكيد على كون «الاتصالات مستمرة حتى إنجاح الحل البيئي العلمي»، مشيراً إلى أنّ «الأجواء جيدة وتتجه نحو تحقيق تفهّم أكبر وأوسع لضرورات الخطة الموضوعة»، لا سيما وأنه لمس أمس «دفعاً ملحوظاً باتجاه حل أزمة النفايات من أكثر من جهة وطرف» سواءً من داخل الحوار أو من خارجه باعتبار أنه في حال فشلت عملية تنفيذ الخطة العلمية البيئية التي أقرتها الحكومة فلن يكون هناك «حل آخر في الآفق».

حراك.. وعراك

وبالتزامن مع انعقاد جلسة الحوار في ساحة النجمة تجمهر عشرات الأشخاص أمام الحواجز المعدنية التي وضعتها القوى الأمنية المولجة حماية المنطقة وسرعان ما بادروا إلى ممارسة أعمال استفزازية في مواجهة العناصر الأمنيين بلغت ذروتها لدى إقدامهم على نزع هذه الحواجز ومحاولة التقدم باتجاه المنطقة الأمنية المحظورة، الأمر الذي اضطر عناصر مكافحة الشغب إلى التصدي لهم بحزم وشدة وإيقاف عدد منهم بينما وقعت إصابات خلال العراك في صفوف الطرفين. 

وفي حين أفرج القضاء لاحقاً عن كافة الموقوفين في أحداث الأمس، كان عراك من نوع آخر يقع أمام مبنى اللعازارية بين عدد من المتظاهرين وشبان مدنيين قال المعتصمون إنهم ينتمون إلى «حركة أمل»، غير أنّ المكتب الإعلامي للحركة سارع إلى نفي صلتها بما جرى، معتبراً في بيان أنّ «المتهم الرئيسي هو الذي يعتدي على كرامات الناس عبر الشاشات ما يحرك مشاعرهم»، ومتمنياً في المقابل «من الجميع الحفاظ على الهدوء وعدم الانجرار إلى الفتنة».

وليلاً، بعد سلسلة نداءات متكررة من المجموعة المتظاهرة لحشد الناس في ساحة رياض الصلح تجمهر نحو مئة شخص في الساحة أمام السرايا الحكومية حيث عمد بعضهم إلى حرق النفايات على الأسلاك الشائكة المحيطة بالسرايا.