تزامنا مع اليوم العالمي للديمقراطية ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي بهذه المناسبة موضوع "التحول الديمقراطي والإشكالات الثقافية"بحضور جمع كبير من المثقفين والمهتمين حيث استضاف الكاتب الأستاذ حمد الحمدان والباحث الدكتور توفيق السيف وذلك مساء الثلاثاء 2 ذو الحجة 1436هـ الموافق 15 سبتمبر 2015م.
قبل بدء الندوة تحدثت الفنانة فاطمة المرهون عن تجربتها الفنية في التصوير مستعرضة اعمالها ومشاركاتها في أنشطة وملتقيات فنية محلية ودولية، وهي تعمل أخصائية علاج إشعاعي لمرضى الأورام في مستشفى أرامكو بالظهران، وخرجة جامعة ليفربول، حصلت على دبلومات تصوير من كليات متخصصة منهال نيويورك أكاديمي وجامعة ماليزيا. والمرهون عضو في جمعيات فنية متخصصة وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية.
أدار الندوة الأستاذ زكي البحارنة عضو اللجنة المنظمة بالمنتدى متحدثا عن ايجابية تبادل الرأي في مسألة التحول الديمقراطي رغم الانتكاسات لهذا التطلع عربياً وإسلامياً، كي تكون ثقافة الديمقراطية حاضرة وغير مغيبة في المشهد العام ولإثارة التجديد الفكري، والإجابة على التحديات المستجدة التي تواجه هذا التطلع المشروع وكذلك إثراء الفكر السياسي والاجتماعي. وأكد أن المنتدى يحتفي سنويا بمختلف المناسبات العالمية المتعلقة بمختلف قضايا حقوق الإنسان والوعي الديمقراطي والبيئي.
عرف مدير الندوة بضيف الأمسية الأستاذ حمد الحمدان، المولود في منطقة القصيم وسط المملكة والكاتب بعدة صحف محلية وعربية، والذي نشرت له بحوث في مجال الفكر والأدب في مجلات داخل وخارج المملكة. في البداية تحدث الأستاذ الحمدان عن أن كل المكونات البشرية تدعي حيازتها لمشروعها الديمقراطي المتناسب مع أيدلوجيتها، فالدول الرأسمالية والدول اليسارية وجماعات الاسلام السياسي بأطيافه المختلفة تعتقد بالديمقراطية على أساس المقاصد الايجابية لمصلحة الانسان ومستقبله.
وأوضح ان حلم الانسان بالديمقراطية نشأ في وقت مبكر كمخرج لإزاحة الظلم والاستبداد ضمن تعريفات ومصطلحات تطورت مع تطور المجتمعات، فالديمقراطية اليونانية القديمة (سلطة الشعب) تختلف عن الديمقراطية الغربية حاليا من حيث الحق في الانتخاب والترشح، وكذلك من حيث الطبقات الاجتماعية المسيطرة على ادارة البلاد، أما الأدبيات الماركسية فهي تقوم على التمازج بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومبدأ الانحياز لمصالح الطبقة الفقيرة، واشتهروا بمقولة (دكتاتورية البروليتاريا) من خلال ممارسة النقابات المهنية والمؤسسات الاجتماعية لدورها الرقابي، وادارة الأنظمة من قبل الحزب الواحد التي عرفت بالأنظمة الشمولية. وبين أنه مع انهيار المنظومة الاشتراكية ظهرت مفاهيم حقوق الإنسان والتعددية وحرية الرأي كمرشد للعمل السياسي السلمي، ولكنها لا زالت محل جدل بين مؤيد ومعارض.
وأشار الأستاذ الحمدان الى الواقع العربي المتردي وممارسات الأنظمة السياسية الخاطئة، وظهور أحزاب الإسلام السياسي وممارساتها الوحشية التي شوهت المفهوم الايجابي للإسلام والقيم الاجتماعية الخيرة، وبحكم العلاقة بين العالم العربي والدول الاستعمارية ظهر في مطلع القرن الماضي لدى المثقفون العرب حلم بالديمقراطية ولكن ضمن مسار التجاذبات والمحاور العالمية حيث انتهت بالفشل.
وحول المجتمع وثقافة الديمقراطية في العالم العربي، أشار الحمدان إلى أن الواقع ملتبس نتيجة البنية التحتية القائمة على بقايا إقطاع وتشكل رأسمالي واقتصاد ريعي، أوجد غنى فاحشا الى جانب الفقر المدقع، وتعليم متنوع وواسع أمام الجهل المحسوس، إضافة لوجود حالات القمع واضطهاد المرأة وفوارق مذهبية وجهوية متشظية. وأكد الحمدان على أن الديمقراطية ليست مسألة اجرائية، وانما هي وثيقة الصلة بالثقافة، فلا بد من تصدي مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتثقيف المجتمع لتجاوز هذه المعضلات.
وتساءل الأستاذ الحمدان عن سبب اخفاقات الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، مجيبا بأنه لا يوجد حراك عملي نحو التحول الديمقراطي يتناسب مع الواقع المؤلم، وأن حراك الربيع العربي خفت نجمه لغياب البرامج السياسية الواقعية وانعدام الطليعة اللقيادية للحراك. وافاد أن ذلك لا يعني أن شعوب المنطقة ليست مؤهلة لممارسة الديمقراطية لأسباب فكرية واجتماعية، فتلك مقولة أسقطتها تجارب ناجحة في العديد من الدول النامية من بينها في أمريكا اللاتينية وأفريقيا بمستوى وأنماط متعددة.
وعدد الأستاذ الحمدان ثمانية عوائق لهذه الاخفاقات في التحول الديمقراطي في المنطقة العربية هي: إشكالية الإقتصاد الريعي والمركزي وغياب التنمية الشاملة، وتضخم دور الأجهزة الأمنية، وعدم معالجة مشكلة الأقليات الدينية والعرقية، واستمرار التدخلات الدولية في الشئون الداخلية، ودور الاعلام في تشويه مفهوم الديمقراطية، وغياب الشفافية والحرية في العمل السياسي، وفشل البرجوازية العربية الوطنية في ترسيخ منهج الديمراطية، وأخيرا غياب ثقافة الديمقراطية لدى بعض القوى الاسلامية. واختتم حديثه بالإشارة الى أن الواقع العربي لا يشي بتحول ديمقراطي في الفترة القريبة والوسيطة إلا أن تحدث معجزة ليست بالحسبان.
بعدها عرف مدير الندوة الأستاذ زكي البحارنة بالباحث والكاتب الدكتور توفيق السيف الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وست مينيستر، وله العديد من المؤلفات في القضايا الفكرية والسياسية، وكتب بعدة صحف محلية وعربية، وأصدر عدة كتب بحثية.
الدكتور السيف قدم ورقة تحت عنوان "الديمقراطية باعتبارها تحول نفسي" مبتدئاً الحديث بقوله أن من يقبل أو يرفض الديمقراطية يختلفون في الأساس الفلسفي للديمقراطية، فالذين يقبلون الديمقراطية يعتقدون أن الناس بشكل عام لديهم القدرة على كشف المصالح والمفاسد والوصول إلى الحقائق الحياتية، أما من يخالفون الديمقراطية ويؤيدون الاستبداد فإنهم يرون أن الإنسان يميل إلى الفساد، وأن الناس غير قادرين على إدارة شئونهم أو تشخيص ما هو صالح وفاسد لهم ولا بد لهم من ولي.
وأوضح السيف بأن الديمقراطية من الأمور العسيرة جداً، وجوهر صعوبتها أنها لا يمكن أن تقرر من الأعلى فقط بل هي مشروع تفاعلي ينبع من مشاركة الناس فيها لإقامتها وترسيخها، مؤكدا أن جميع المحاولات التي ارادت فرض الديمقراطية من الأعلى فشلت وتعثرت. وأشار إلى أن الديمقراطية هي تحول ذهني واستعداد للفوز والخسارة، وانه لا يمكن إقامة الديمقراطية إلا بالمشاركة في كل ممارسة تعبر عن مساهمة في الشأن العام حتى على مستوى الإدارات الصغيرة كالمسجد واللجان الأهلية والإجتماعية. ثم انتقل للحديث حول أهم أركان الديمقراطية وهو التمثيل والقبول بخيار الأكثرية، حيث لا ينظر للنتيجة على أنها حق أو باطل وإنما هي تعبيرعن إرادة الناس ومن يفوز هو من يريده الناس ولا يعني ذلك أنه الأفضل، ولذا فإن القبول بنتيجة الفوز تعتبر فوزا للجميع، مؤكداً على أن الديمقراطية تتعلق بالتفاوض والنقاش والاتفاق على إدارة أمور الناس، ومنتقداً الحالة الاجتماعية التي تعود فيها الناس على الاستماع والانفعال ولم يتعلموا على أنهم شركاء في القرار سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، لذا ينبغي أن نعود أنفسنا على أننا شركاء في ادارة الشأن العام وشركاء في الاستفادة منه، وفي إدارته، وفي المسئولية عنه والحفاظ عليه.
وأوضح الدكتور السيف أن هناك نماذج عديدة لممارسة الديمقراطية وكلها تستند على مبادئ المحاسبة والمشاركة والانتخاب، مستعرضا أوجه الاختلاف في التجارب القائمة في دول العالم الاسلامي كتجارب الديمقراطية في كل بلد كتركيا وتونس وايران وماليزيا واندونيسيا، مؤكدا على أن الليبرالية شرط أساسي في تحقق الديمقراطية. وأشار إلى أن من مسئولية الإنسان المطالبة بحقه في الشراكة مهما بلغت المصاعب والتحديات التي تقف أمامه، مشيرا إلى أن ما وصلت إليه الدول الديمقراطية كان حصيلة تراكمات من الجهود الإنسانية والنضالات المتواصلة.
بعد ذلك بدأت مداخلات الحضور، فعلق الأستاذ علي البحراني متسائلا عن مدى إمكانية تحقق التحول الديمقراطي في المنطقة العربية في ظل هذه الظروف المعتمة، وتساءل الأستاذ صالح عمير عن أفضل الدول العربية والإسلامية ممارسة للديمقراطية. وطرحت الأستاذة نسيمة السادة تساؤلا حول العلاقة بين الأكثريةوالأقلية في النظام الديمقراطي، أما الأستاذ رياض أبو خمسين فتحدث عن آثار اختلال الشراكة بين مختلف الأطراف وسبل معالجة ذلك.
الأستاذ أحمد الخميس تحدث عن آفاق التحولات الديمقراطية في المنطقة في ظل وجود أنظمة سياسية مغلقة وثقافة أحادية متقهقرة وهو ما يشكل معوقات حقيقية أمام أي تحول نحو الديمقراطية، وتساءل الأستاذ أحمد الخرمدي عن مبررات القول بأن التحول الديمقراطي يحتاج إلى معجزة، كما علقت الأستاذة عالية فريد بأن جهل المجتمع العربي بالديمقراطية هو سبب تعطل تحقيقها، لذا يجب شرح المفهوم بما يتناسب مع فهم الناس لتأسيس قاعدة أشمل لفهم الديمقراطية. والأستاذ خالد النزر طالب بالمزيد من التفصيل لتفسير الأسباب الحقيقية وراء غياب الديمقراطية في المنطقة مستشهدا بأن نسبة الناخبين في العديد من الدول ليست مقياسا لتحقيق الديمقراطية، وعلق الأستاذ منصور آل سلاط بقوله أن من أسباب فشل التحول الديمقراطي هو ارتباط الأنظمة السياسية بالرأسمالية العالمية التي تضع مقاييس خاصة للديمقراطية وأن الطبقة البرجوازية ليس لها حاضن مجتمعي. وعلق رجل الأعمال عبد اللطيف النمر بقوله ان اختلاف البيئة تؤثر على الانسان في انسجامه أو رفضه للديمقراطية، كما تساءلت لاعلامية ايمان الشايب عن أسباب الاحتكار العالمي للديمقراطية وكيف يمكن كسر هذا الاحتكار ونشر الديمقراطية على نطاقات أوسع.
أما رجل الأعمال أحمد كرم فتحدث عن صعوبة الاختيار والتوجه نحو الديمقراطية في ظل وجود سلطة دينية معارضة وأخرى قبلية ذات توجهات ضيقة، وأشار الأستاذ حسين العلق إلى أن الديمقراطية محاصرة من مثلث العسكر والمثقف الجبان ورجل الدين المتمصلح. واعتبر الأستاذ عدنان السادة الحديث عن التحول الديمقراطي حديثا ترفيا في وسط صحراء قاحلة من أي توجه نحو أبسط مبادئ وقيم الديمقراطية، وعبرت الأخصائية وردة الصفواني أيضا أن انغلاق المجتمع هو أحد ابرز المعوقات أمام الثقافة الديمقراطية. والأستاذة هدى القصاب تحدثت عن صعوبة تجذير ثقافة الديمقراطية في ظل التعصب المجتمعي وغياب النخب الفاعلة.
وفي نهاية المداخلات تحدث راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب شاكرا الضيفين على جميل مشاركتهما، ومشيرا إلى دور المنتدى في طرح وتناول القضايا الإصلاحية ومنها ثقافة الديمقراطية في المجتمع إسهاما منه في الدفع باتجاه المشاركة المجتمعية، ومعالجة معوقاتها.