كما هو متوقع، عادت الحكومة لتغرق في مأزق عدم الذهاب نحو حل شامل وجذري لملف النفايات. وبدل الاتجاه الى آليات عمل واضحة تطمئن الشارع، تقود الحكومة، ممثلة بقواها الرئيسية، جهوداً ذات طابع سياسي، لمعالجة الظاهر من الازمة، وهو جمع النفايات من الشوارع، وفق آليات تقوم على المبدأ نفسه الذي يجعل المحاصصة قائمة في الغنم، بينما يفرض على الناس تحمّل الغرم.

لكنّ الجميع يتوقع حصول مواجهة اليوم، في ظل قرار مجموعات الحراك الشعبي إقفال جميع الطرق المؤدية الى مقر المجلس النيابي وسط بيروت، وسط معلومات عن احتمال لجوء المتظاهرين الى قطع الطرق بالنفايات. وهو ما فرض على القيادات الامنية والعسكرية وضع خطط إضافية لضمان وصول القيادات السياسية الى اجتماع طاولة الحوار الوطني اليوم.
وقالت مصادر حكومية إن البحث الفعلي لا يزال حول تسوية سياسية، واتهمت العماد ميشال عون بأنه يريد الربط بين اتفاق على التعيينات الأمنية، مقابل موافقة التيار الوطني الحرّ على «فك الحجز» عن أموال الصندوق البلدي المستقل لجبل لبنان وبيروت وما يتصل بملف النفايات.
وردّ العماد عون قائلاً إن «أحداً لم يربط موضوع تطبيق خطة وزير الزراعة أكرم شهيب حول النفايات مقابل ترقية الضباط، وعار على قيادة الجيش ووزارة الدفاع والحكومة ربط ترقيات ضباط الجيش بموضوع النفايات».
وحتى مساء أمس، كانت الاتصالات قد شملت الجميع، لكن أي اتفاق لم يبصر النور بعد، رغم أن النائب وليد جنبلاط وفريقه السياسي توليا الحملة المضادة، وفق منطق تحميل الجمهور المعترض المسؤولية عن الازمة. وبدل استقالة الحكومة لعدم قدرتها على المعالجة، تعمد القوى السياسية الى رمي الكرة في ملعب الناس بحثاً عن البديل.
خارطة المطامر
وقالت مصادر جنبلاط إن هناك قراراً في الحكومة وعند القوى السياسية لحلّ أزمة النفايات بشكل سريع. وقالت إن المشكلة محصورة في توفير توافق سياسي على خارطة المطامر أو المكبات المؤقتة، موضحة أن الاتصالات في ما خص مكبّ مجدل عنجر انتهت الى نتيجة سلبية، وأن البحث قائم عن بديل، بعدما تبين أن المكب على السلسلة الشرقية يهدّد المياه الجوفية. وتحدثت المصادر عن موافقة من حزب الله على اختيار موقع آخر دون تحديده.
أما بشأن مطمر «سرار»، فقالت المصادر إن هناك اعتراضاً مصدره اتحاد بلديات الجومة واتحاد الشفت، ويجري التواصل سياسياً مع العماد عون ونائب رئيس الحكومة الاسبق عصام فارس لمعالجة الامر، إذ إن رئيسي الاتحادين هما سجيع عطية قريب من فارس، وأنطون عبود قريب من عون.
وفي ما خصّ مطمر الناعمة، تقول المصادر إنه «عندما يصرّ المجتمع المدني على إغلاق الناعمة، فستتحول نقمة الناس عليهم». وشددت على ما قاله الوزير أكرم شهيب من أن مطمر الناعمة لن يفتح وحده.


مصادر جنبلاط: المشكلة
محصورة في توفير توافق سياسي على خارطة المطامر

 


وبشأن مكب برج حمود، يعقد شهيّب اليوم اجتماعاً مع قيادة حزب الطاشناق، بالتزامن مع إنجاز الدراسة المتعلقة ببرج حمود. وإذا لم يكن هناك تأثير بيئي سلبي، فالطاشناق لن يعارض، خصوصاً أن هناك محفّزات. وتقول مصادر التيار الوطني الحر إن «منطق الامور يقول بأن ينال المتن الشمالي وساحله محفزات كتلك التي ستحصل عليها مناطق أخرى».
من جانبه، يتحفّظ رئيس الحكومة تمام سلام على فكرة رمي الملف بأيدي البلديات لأسباب عدّة، منها أن هناك 70 بلدية منحلّة، وفي عدد كبير من البلديات دعاوى قانونية متبادلة بين أعضائها على خلفية تهم فساد، علماً بأن سلام لا يظهر حماسة لتحويل الدعم المالي المخصص للعمل إلى رشاوى، لذلك يفضّل اعتماد الخطّة أولاً ومن ثمّ البدء بدفع الأموال. وتقول المصادر إن البلديات خارج بيروت وجبل لبنان كانت تقوم بالجمع، وبعضها يقوم بالكنس، قبل حدوث الأزمة، وهي تأخذ أموالها من الصندوق البلدي المستقل.

بديل الكرنتينا

الى ذلك، تستمر أكوام النفايات بالتكدس في شوارع العاصمة، ولا يزال البحث جارياً عن موقع لتخزين النفايات بدلاً من موقع الكرنتينا الذي استنفد طاقته الاستيعابية ظهر أول من أمس. ويقول مطلعون إن بلدية بيروت تدرس إمكان استعمال موقع بديل بالقرب من الموقع الحالي في الكرنتينا، وبمساحة موازية لموقع الكرنتينا، لكنه ينطوي على انحناءات عقارية وغير مستوٍ، ما يؤخّر استعماله كمخزن للنفايات.
ويشير محافظ مدينة بيروت زياد شبيب، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه يجب البحث سريعاً عن حلّ لهذه الأزمة، «لكن ليس بالإمكان توصيف البحث عن مساحة لتخزين النفايات بالحلّ، فما حصل هو أن مثل هذا الحلّ لم يعد نافعاً اليوم كما كان عليه منذ شهرين،. لقد ساعدنا الدولة لتجاوز الأزمة بحلّ مرحلي، لكن لا يمكن استكمال هذا النوع من الحلول. يجب معالجة المسألة من أساسها».
ويضيف شبيب أن «المشكلة الكبيرة ستقع بعد أيام حين يبدأ المطر على تلك النفايات المتكدسة، لأن احتمال حصول مصيبة صحية بعد الأمطار وارد جداً. هذا الأمر لن يكون مضرّاً بسكان العاصمة فقط، بل يشمل سكان لبنان».