في قراءة متأنية للمشهد السياسي العراقي يمكن ملاحظة الصراع الخفي وغير المعلن بين مرجعية النجف وبين السياسة التي تعتمدها إيران داخل العراق. وبمعنى أوضح الخلاف بين خط مرجعية آية ألله السيد علي السيستاني ومعه إلى حد ما تيار الصدر البعيدين عن مفهوم ولاية الفقيه وخط الحكومة الإيرانية وتفسيرها الفقهي المعروف لولاية الفقيه.

ويمكن ملاحظة هذا الصراع الخفي من خلال الوقوف عند بعض الإشارات ومنها. أولا إصرار مرجعية النجف على استبعاد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي من الحصول على ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء العام الماضي في مقابل دعم إيراني للمالكي سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى الميليشيات العسكرية المسلحة المرتبطة بإيران مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي.

ومعروف أنه كانت الغلبة لمرجعية النجف في أولى جولات الصراع بين الطرفين. سيما وأن المرجعية هالها مستوى الفساد التي وصلت إليه البلاد في ظل حكومة المالكي.

وعبث القوى المدعومة من إيران بمقدرات الدولة. وثاني تلك الإشارات هو التمييز الواضح بين جماعات الحشد التي انخرطت في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرتها مرجعية النجف عقب احتلال داعش لمدينة الموصل في حزيران 2014. فمرجعية النجف تصر على إطلاق تسمية /المتطوعين / على الشباب الذين تطوعوا للقتال وأكدت على ارتباطهم بالحكومة ووجهت انتقادات لاذعة للتجاوزات التي قامت بها بعض الجماعات الشيعية المسلحة في بعض المحافظات السنية. فيما ترفض الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران ( بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي ) اعتبارها جزءا من جماعات الحشد وتصر على تسمية /المقاومة الإسلامية / وعمدت على الترويج في وسائل الإعلام على أنها الجهة الأهم في قتال داعش.

وسعت إلى تهميش دور قوات الجيش والشرطة وحشد المرجعية. وثالث تلك الإشارات هي أنه فيما دعمت المرجعية بقوة مسيرة الإصلاح والتظاهرات. نظر الخط الإيراني بريبة للموضوع واتهم المتظاهرين بالعمل تبعا لأجندات خارجية.

ويأتي حادث اختطاف 19 عاملا تركيا الأسبوع الماضي من قبل جماعات مسلحة آخر فصول الصراع بين خط مرجعية النجف والتيار الصدري من جهة والوجود الإيراني الضاغط في العراق من جهة أخرى.

وتحوم الشبهات حول كتائب حزب الله العراقية المرتبطة بإيران بالوقوف وراء عملية الخطف. وقد انتقدت مرجعية النجف العملية معتبرة أنها غير أخلاقية.

وكذلك فإن السيد مقتدى الصدر ندد بالعملية واعتبرها جريمة نكراء. أما عصائب أهل الحق القريبة من إيران فقد اتهمت الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف وراء حادثة الخطف.

وعليه فإن المستقبل السياسي العراقي يشوبه الكثير من الغموض في ظل إصرار القيادة الإيرانية على تحويل الواقع العراقي إلى ورقة في يدها تستخدمها لصالحها في لعبة التوازنات الإقليمية.

فيما مرجعية النجف ترى في الوجود العسكري الإيراني في العراق ما يشبه الاحتلال العسكري مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة وإلغاء دورها وهذا ساعد على إشاعة الفساد وتوسيع رقعته ليشمل كافة النواحي العسكرية والأمنية

والسياسية والاجتماعية والمعيشة والاقتصادية الأمر الذي انعكس بشكل مدمر على الشعب العراقي فوقع في آتون الحرمان والفقر والجوع إضافة إلى تدمير مؤسسات الدولة واداراتها.