وضع الوزير اكرم شهيب الاصبع على الجرح، عندما اعلن ان المشكلة تكمن في عدم ثقة الناس بالدولة ووعود المسؤولين وما «يعلنونه» وهذا ما يعرقل تنفيذ خطة النفايات في ظل قناعة عند الناس انها لن تنفذ.
ورغم مناشدات الرئيس سلام وشهيب والمكونات السياسية للحراك المدني بالموافقة على الخطة، فان المعارضة الشعبية لاقامة مطامر في سرار عكار والمصنع وفتح مطمر الناعمة لـ 7 ايام تتصاعد، بعد ان اكتوت الناس بوعود المسؤولين وشروحاتهم عن تحويل النفايات من «عبء» الى انماء، مع وعود بكهرباء «مجاناً» بشر بها المسؤولون منذ فتح مطمر الناعمة من 20 سنة ولم يروا شيئاً حتى الآن، سوى الامراض والروائح السامة والقاتلة.
موضوع النفايات تحول الى مشكلة تهدد الحكومة بل الدولة برمتها التي غرقت في هذا الملف، في ظل تأكيد الوزير شهيب انه «اذا لم تنفذ خطة النفايات فعندها لا مبرر لاي عمل آخر»، قاصداً «الحكومة» واضعاً القوى السياسية امام مسؤولياتها.
قضية النفايات كشفت الطبقة السياسية «وعرّتها» واظهرت «هزالتها» ففشل هذه الخطة حتى الان ليس بسبب المعارضة الشعبية بل نتيجة عدم «التوافق السياسي» عليها، جراء عدم تنظيم «السرقة» بالتساوي، على جميع المكوّنات السياسية، خصوصاً ان الهدر في «سوكلين» وباعتراف المشرفين على خطة شهيب فاق مليارات الدولارات، وكأن شيئاً لم يكن عند المسؤولين، وعفا الله عما مضى، ولتجر خطة شهيب الجديدة.
«الطبقة السياسية» بدأت تضيق ذرعاً بالحراك المدني، وبدأت اللهجة تتصاعد ضده والتصدي لهؤلاء «المشاغبين» الذين يعطلون عمل الدولة، وطالت الانتقادات الاعلام وحمّلته ايضا مسؤولية عرقلة امور الناس. كما لوّح وزير الداخلية نهاد المشنوق مدعوماً من قوى سياسية بتنفيذ الخطة بالقوة، وخلال ساعات وبدءاً من نهار الاربعاء. لكن الحكومة سرعان ما تريثت واعطت فرصة اضافية لايام، بعد ان تلقى وزير الداخلية ومسؤولون في الحكومة تحذيرات من سفراء اوروبيين وسفير الولايات المتحدة الاميركية في بيروت من مغبة استخدام العنف ضد المتظاهرين، لان ذلك سيؤدي الى مواقف دولية ضد الحكومة اللبنانية، علماً ان السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل حذر سابقاً من اللجوء الى القوة وممارسة العنف.
هذه الرسائل دفعت المسؤولين الى التريث باعتماد خيار القوة، وهذا الخيار لم يناقش في اجتماع لجنة البيئة، واعطي المجال للوزير شهيب باجراء المزيد من الاتصالات مع شباب الحراك المدني خلال اليومين المقبلين، لكن منظمة «طلعت ريحتكم» اعلنت انها لم تشارك في الاجتماعات ولا يمكنها الجلوس مع الفاسدين ومع الذين اطلقوا النار على المتظاهرين.
رفض الاهالي
كما ان موقف الاهالي من اعتراضات ومنظمات الحراك المدني ضد الخطة تصاعد وردوا على التلويح الحكومي بتنفيذ خطة «شهيب» بالقوة، بتصعيد تحركاتهم واجروا ايضاً استعراضاً للقوة امام مدخل حارة الناعمة وامام المناطق المفترض اقامة مطامر للنفايات فيها كسرار في عكار والمصنع، عبر حشودات شعبية. وتمنى المعتصمون امام مطمر الناعمة على الحكومة عدم اللجوء للقوة حقناً للدماء وتحميلها مسؤولية اي نقطة دم تقع في صفوف المعتصمين. كما ان الاجتماع الذي عقد بين وزير الداخلية نهاد المشنوق مع رؤساء الاتحادات البلدية العكارية بمشاركة بعض نواب عكار لم يفض الى نتيجة في ظل ممانعة رؤساء البلديات لاقامة المطمر في سرار، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر الجمعة في البيال تشارك فيه كافة البلديات وهيئات المجتمع المدني والنواب الحاليون والسابقون والجمعيات البيئية وخبراء لاعلان المخاطر البيئية من مطمر سرار، وسيعقد المؤتمر تحت شعار «عكار لن تكون مزبلة لاحد».
ويعتقد مصدر متابع لاقامة مطمر سرار، ان قرار نقل النفايات هو قرار سياسي بامتياز، وانه اتخذ ولا تراجع عنه، وسيخرج الى حيز التنفيذ قريباً.
والوزير نهاد المشنوق اخذ على عاتقه اقناع العكاريين باقامة المطمر.
وفيما يتعلق بمطمر المصنع، فان سكان المناطق المحيطة بمطمر المصنع المزمع اقامته يعارضون بشكل نهائي اقامة المطمر، وان وزير الداخلية لم يرد بعد على طلب الاهالي بنقله الى منطقة اخرى، واعلن الاهالي تصعيد التحرك. واللافت ان تيار المستقبل اصدر بيانا اعلن تفهمه لرفض الاهالي داعيا الى توزيع المطامر على كل المناطق والاقضية وليس حصرها في مناطق تابعة لتيار المستقبل من عكار الى البقاع الى صيدا.
عدم التوافق السياسي
وبعيدا عن الاعتراضات الشعبية، فان القوى السياسية تقيم الكمائن لبعضها البعض، وهناك قوى لا تريد ان ينجح شهيب في خطته ومن ورائه النائب وليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي، وبالتالي برزت اعتراضات من تيار المستقبل على «مطمر البقاع» والسؤال عن سبب اقامة المطامر في مناطق المستقبل، كما ان التيار الوطني الحر لم يعلن موافقته على الخطة بالاضافة الى قوى عديدة، وهذه الكمائن يعرفها شهيب و«الاشتراكي» للذين ردا بانه اذا فشلت الخطة لا مبرر لاي عمل آخر.
اجواء اجتماع لجنة البيئة
وقالت مصادر نيابية شاركت في اجتماع لجنة البيئة امس ان الوزير شهيب وضع اللجنة والخبراء الذين حضروا الاجتماع بالاجواء التي رافقت وضع خطة معالجة النفايات كما شرح بالتفصيل الخطة في مرحلتين، المؤقتة والمستدامة. اضافت انه بعد نقاشات مفصلة واستيضاحات من قبل الخبراء جرى التوافق على ان يقوم الوزير شهيب باجراء اتصالات مع هيئات المجتمع المدني ومع فعاليات المناطق التي جرى تحديد مطامر فيها، في عكار والبقاع وبرج حمود والناعمة.
واوضحت المصادر انه خلال الساعات القليلة المقبلة ستتبلور نتائج اتصالات شهيب ليتبين في ضوء ذلك ما اذا كانت الخطة ستأخذ طريقها الى التطبيق. او تبقى الامور تدور في الحلقة المفرغة.
واشارت المصادر الى ان انطلاق خطة معالجة النفايات تبدأ اولا بالتوافق السياسي، عبر دعم القوى السياسية المعنية بالمطامر للخطة الموضوعة لهذه الغاية. واضافت ان المداخلات لم تتطرق الى تطبيق الخطة بالقوة لكن هناك نواباً من اللجنة وخارجها طالبوا بحفظ هيبة الدولة اذا ما استمرت الامور في المنحى السلبي لان الوقت يدهم الجميع والمسألة باتت تحتاج الى الحسم لبدء تنفيذ الخطة.
ارقام عشوائية بالصفقات والتلزيمات
واللافت ان منظمات بيئية وحزبية ستتقدم بشكاوى ضد شركة «سوكلين» الى القضاء اثر الغاء «خطة شهيب» عقد المعالجة الذي كانت تقوم به شركة سوكلين وكان يكلف الدولة 50 مليون دولار سنويا اضافة الى عقد الطمر، دون ان تعمل هذه الشركة على المعالجة الحقيقية للطمر.
وكان المدعى العام المالي القاضي علي ابراهيم قد باشر تحقيقاته حول هذا الموضوع واستمع الى عدد من المعنيين في هذا الاطار.
وفي الوقت نفسه تتساءل مصادر بيئية عن الفرق بين الاسعار التي اعلنتها الشركات التي شاركت في المناقصات وبين الاسعار التي اعلنها وزير البيئة محمد المشنوق، ففي منطقة بيروت فازت شركة باتكو ب 63،168 دولاراً لطن النفايات، بينما السعر الذي وضته الشركة للمناقصات هو 124 دولاراً، في جبيل والمتن فازت بوتيك واندنكور ب 6،171 دولاراً بينما السعر الذي قدمته هو 123,35 دولاراً اميركياً، في الشوف وعاليه وبعبدا فازت الجنوب للاعمار - هيدا ب 153 دولاراً بينما السعر الذي قدمته هو 02،127 دولاراً اميركياً في الشمال وعكار فازت لافاجيت - باتكو - دانكو ب3،189 دولار اميركي بينما السعر الذي قدمته هو 134 دولاراً اميركياً، في الجنوب والنبطية فازت ورد - 22 N ب 86،151 دولاراً بينما السعر الذي قدمته هو 69،103 دولارات، في البقاع وبعلبك الهرمل فازت الجهاد - سوديكو - كمود ب59،148 دولارا بينما السعر الذي قدمته هو 32،109 دولارات اميركية.
ازاء هذه الارقام المغايرة من المفروض ان تتحرك النيابة المالية العامة والاسباب التي دعت اللجنة وخصوصا وزير البيئة محمد المشنوق الى اعلان هذه الارقام بينما الشركات قدمت اسعارا اقل من المعلنة، وفي هذا الاطار يؤكد رئيس مجلس ادارة شركة «اندفكو» نعمة افرام ان السعر الذي قدمه هو 35،123 دولارا بينما فوجئ بالسعر المعلن وهو 6،171 دولارا، مما ادى الى تراجع مجلس الوزراء عن نتائج المناقصات، مؤكدا انه لن يلجأ الى القضاء رغم الخسائر التي تكبدها، لكنه اعلن انه لن يعمل مع الحكومة والدولة في المشاريع التي تعرضها مرة اخرى.
فهل يتحرك المدعي العام المالي؟ خصوصا انه يحرص على المال العام في ظل رمي الارقام العشوائية لصفقات ومناقصات وتنيفعات ومحاصصات يضيع المواطن في تبيان حقيقتها. وبالتالي من هو المؤهل لوضع النقاط على الحروف، اليس المدعى العام المالي؟