في ثاني امسياته للموسم الثقافي السادس عشر ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي موضوعا ثقافيا هاما تحت عنوان "المثقف الوطني ومعالجة الاختلاف"ربحضور عدد من المهتمين حيث استضاف الكاتب الدكتور شاهر النهاري والكاتب الأستاذ أحمد الهلال وذلك مساء الثلاثاء 24 ذو القعدة 1436هـ الموافق 8 سبتمبر 2015م.
قبل بدء الندوة تحدثت الفنانة أزهار سعيد المدلوح الحاصلة على الماجستير في التربية الفنية عن تجربتها الفنية مستعرضة أعمالها ومشاركاتها في أنشطة وملتقيات فنية محلية ودولية، من بينها المعرض الثاني للفنون التشكيلية بالدمام 1413 هـ، ومعرض من أجل التضامن مع غزة، ومعرض التضامن مع كارثة جدة، كما أن لها مشاركات خارجية في القاهرة وبرلين حصلت من خلالها على العديد من الجوائز.
أدار الندوة الأستاذ محمد الشافعي متحدثاً عن أثر التحديات والتحولات السياسية وانعكاساتها على الداخل بحدة الاصطفاف، وضبابيتها، وتخلق الثنائيات وما قد تؤدي إليه إما إلى تعددية بناءة أو فوضى هدامة، لتأتي أهمية هذه الندوة من خلال مناقشة الأسئلة التي يفرضها هذا الواقع وكيف يتم استثمارها وتجاوز سلبياتها، ودور المثقفون في ذلك. ثم عرف بضيف الورقة الأولى في الندوة الأستاذ احمد الهلال الحاصل على بكالوريوس تربية من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، ويعمل حاليا محررا ثقافياً في المجلة العربية، كما عمل محرراً ثقافياً في مجلة العصر الكويتية، وهو كاتب مقال أسبوعي بجريدة اليوم، وعمل مراسلاً لصحيفة الاقتصادية للملحق الثقافي، وكتب في عدة صحف خليجية.
تحدث الأستاذ الهلال عن الذات المثقفة والدور المأمول بالمثقف نظرياً، مركزا على المعنى الاصطلاحي للمثقف في الواقع العربي حيث أن الاشتغال بهذا المصطلح عربيا فقير جداً على عكس الحالة لدى المثقف الغربي. وتساءل الهلال عن سبب اشتغال الغربي حول ذاته بهذا الحجم المهول من الدراسات وفشل المثقف العربي في تعريف ذاته وتقديمها لمجتمعه؟ مجيبا على هذا التساؤل بقوله: "إن المثقف العربي على أرض الواقع ليس له تأثير"، مستشهدا بطرح الأستاذ محمد العلي الذي شارك كريم أبو حلاوة في القول بأن "المثقف العربي لا يغير الواقع بل يغير الوعي بالواقع".
وفي تحقيق بعنوان "المصطلح العربي: إشكالية ثقافية أم أزمة عقل" قال فيه الأستاذ العلي: "فكرنا إلى الآن لا يولد المصطلح، لا اقول إنه عقيم بالمطلق، أعني لا يولد إلاّ مصطلحات بسيطة وعادية بعضها مقتبس من الغرب". ثم استشهد بقول الدكتور سعد البازعي بأن "المثقف أيا كان طيفه يواجه مشكلات تتعلق بهويته وانتمائه في ظل أوضاع تهدد انتمائه".
وتطرق لموضوع تعاطي المثقف السعودي مع قضايا مجتمعه، مشيراً إلى نموذجين للمثقفين السعوديين الأول هو المثقف الذي غاب عن الاشتغال على ماهية دوره فاصبح عقيما في توليد الأفكار والمفاهيم، وليس له هوية مستقلة عن المثقف الغربي في معالجة قضايا الوطن. والنموذج الثاني هم مثقفو التويتر الذين يتوقعون أنه من خلال التغريدات يصنعون التنوير والتغيير، موضحاً عدم كفايتها كوسيلة ناجعة لمعالجة المسائل الخلافية والاصلاحية مهما بلغت تلك التغريدات من نجومية، لأنها بلا فلسفة ونظرية تشخيص لحال المجتمع يمكن التأسيس عليها لحركة التغيير.
وفي نهاية ورقته أشار الكاتب أحمد الهلال إلى أن بروز الهويات الخاصة وتضخمها على حساب الهوية الوطنية الجامعة هي اليوم أبرز التحديات المجتمعية التي تواجه المثقف السعودي.
بعدها عرف الأستاذ محمد الشافعي مدير الندوة بالدكتور شاهر النهاري أخصائي طب الأسرة والمجتمع والذي يعمل حاليا مديرا للمشروع الطبي بمدينة الملك فهد الطبي بالرياض، والذي زاول كتابة المقال بعدة صحف سعودية كالشرق الأوسط، الوطن، الجزيرة، الشرق، وحاليا بصحيفة مكة، وله في مجال القصة القصيرة "أهلاً وسهلاً" ومجموعة "حنادي ونقوش" حيث قدم ورقة بعنوان "دور المثقف الوطني في احتضان الاختلاف".
بدأ الدكتور النهاري حديثه بإبراز صور لظاهرة التنوع والاختلاف بين البشر كالألوان ودورها في تشكيل التمييز ونظرة الناس بعضهم لبعض، وضرب مثالاً بالسود وما شكله لهم لونهم وعضلات أجسامهم في نسج علاقتهم بحياة المهاجرين لأمريكا وعملهم في الحروب وصراعهم مع البيئة. كما أشار إلى التنوع في الأشياء وكيف أن الاختلاف والتنوع يبرز الابداع في الحياة، قائلاً ان عقلية الابداع تستوعب الاختلاف وتؤمن بقدرتها على التعامل الايجابي معها.
ركز الدكتور النهاري على ثمانية جوانب للاختلاف بين البشر: العرقي، التكويني، الديني، المذهبي، المناطقي، الفئوي، التراثي، الفكري قائلاً: "حينما يرى كل مختلف أنه رأس وأنه أعلم ببواطن الأمور من غيره، عندها يتحول الاختلاف الى خلاف". وتطرق إلى أهمية احترام المختلف بعدم تنزيه الذات، وعدم استفزاز الآخر بالنيل والتحقير، كما تحدث عن إدارة أزمات الاختلاف في ثلاث مراحل قبل وجود الأزمة برفع مستوى الوعي وتنمية الحوار، وأثناء الأزمة بالعمل على تقريب وجهات النظر والتسامي على الحدث، وبعد انتهاء الأزمة بالعمل على معالجة الأسباب حتى لا تتكرر تلك الأزمة.
في نهاية ورقته تحدث عن دور المثقف الوطني في احتضان الاختلاف، حيث حدد عدة مقومات اساسية منها القدوة الاجتماعية، واتزان الموقف، وأولوية الوطن، واعتماد آلية الحوار، والانفتاح على الآخر المختلف، مؤكدا على أن الاختلاف في الدين إذا كان أصله سياسيا فإنه يؤدي بالضرورة إلى الطائفية ومن ثم إلى الحرب الأهلية.
بعد ذلك طرحت مداخلات الحضور، فعلق الأستاذ أحمد الخميس بأن المشكلة القائمة في المنطقة العربية هي في الثقافة وليست في المثقف، فبعض المثقفين تعلم في الغرب ولكن برجوعه الى بيئته وجد ثقافة عاجزة متقهقرة بحاجة الى اصلاح ، لكنه تعايش وتقولب معها، وتساءل هل الثقافة العربية قابلة للإصلاح؟ وهل المثقف العربي واع لخطورة الواقع؟
وأشار الشيخ حسين رمضان إلى تأثير ما يحيط بالمثقف العربي من مشاكل وتحديات سياسية واجتماعية، تجعله يقف مترددا في طرح قناعاته ورؤاه. ورأت الأستاذة هدى القصاب أن هناك غياب للمثقف الحقيقي العضوي، وأن المثقف السائد حالياً يحمل تناقضات في المواقف والأدوار.
وانتقد الأستاذ علي الحرز ظاهرة المثقف الليبرالي (المتسلفن) حيث أكد على أن الكثير من المثقفين الموسومين بالليبرالية تراه يتجه إلى مواقف دينية متشددة أحيانا، أما الأستاذ يوسف شغري فقد بين أن انحياز المثقف للفكر الغربي يأتي من حالة طبيعية لأن الحضارة الغربية اليوم هي مركز الفكر والثقافة. الاعلامي فاضل العماني دعا الى تحرير مصطلح المثقف، حيث أن نظرة المجتمع للمثقف تريد منه أن يكون معاديا للسلطة، وأن المجتمع السعودي لا يتحمل الاختلاف.
وتساءلت الأستاذة خلود المسيري حول موقف المجتمع وتأثيره في تلون دور المثقف، وأشارت الى أن المثقف الغربي دوره أكبر لأنه لا يلقى هجوما على موقفه المخالف للسائد، وقالت الفنانة أزهار المدلوح أن دور الفنان في تقبل الآخر أكبر من غيره حيث تلعب كليات الفنون دورا كبيراً في التربية على احترام الآخر.
وشكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الضيوف والمشاركين مؤكدا على أهمية هذه النماذج الحوارية والنقاشات حول دور المثقف وتشخيص موقعه، موضحا أن الأحداث الراهنة التي تمر بها المنطقة برهنت على سقوط المثقف العربي وفشله في الإلتزام بالقيم التي ينادي بها والمواقف التي يعبر عنها.