ليس فقط شباب وشابات الحراك المطلبي عبروا عن غضبهم على المتحاورين في القاعة المخصصة للحوار في المجلس النيابي حيث تجمهروا في منعطفات الطرقات المؤدية إلى ساحة النجمة وامطروا الوفود القادمة للتحاور بزخات من السباب والشتائم وبوابل من البيض الفاسد. بل أن الطبيعة شاركت الحراك المدني غضبه بعاصفة رملية كادت تعمي الأبصار وهبت مستنكرة على هذه الطبقة السياسية فسادها وافسادها.
وكأنها جاءت لتقول لهؤلاء المتسلطين على الرقاب والعباد (كفاكم كذبا ونفاقا ودجلا...... كفاكم تمثيلا على هذا الشعب المقهور........ كفاكم نهبا للثروات...... ارحلوا قبل أن تجرفكم التيارات الشعبية الغاضبة... وقبل أن تهب عليكم عواصف الطبيعة العاتية ).
وفيما كان البعض يتوقع التئام جلسات الحوار يوميا. إلا أنه تم تحديد موعد الجلسة التالية بعد أسبوع كامل. وهذا يوحي باستخفاف المتحاورين بغليان الشارع المتمحور حول الفساد عبر ملفات متفاقمة ومتراكمة وآخرها ملف النفايات. بحيث يحمل الحراك الشعبي كامل الطبقة السياسية من دون تمييز مسؤولية استشراء الفساد وهو ما جعل تحركاته موضع انتقادات علنية أحيانا وضمنية أحيانا أخرى.
خصوصا من قبل حزب الله والعماد ميشال عون. إذ وصل الأمر بالنائب نواف الموسوي إلى رمي الحراك المدني بتهمة التبعية للأميركيين عبر تذكيره بتخصيص الولايات المتحدة الأميركية سابقا مبلغ 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله. فيما العماد ميشال عون اتهم الحراك بسرقة شعاراته.
على أن مشاركة عون في طاولة الحوار لم تخرج عن إطار هاجسه المزمن احتلال قصر بعبدا. إما بانتخاب شعبي مباشرة له أو بتعديل لقانون الانتخابات يتيح لمجلس نيابي جديد حمله إلى بعبدا.
وكان لافتا أن لا تتبنى جهة اذارية واحدة لبعض مطالب وطروحات الحراك المطلبي خصوصا تلك التي تعتبر بديهية في دول العالم وتدافع عنها على طاولة الحوار.
لا شك أن محاولات الالتفاف المتواصلة حول مطالب الحراك وطروحاته تنبيء بأن قرارات طاولة الحوار لن تتعدى في أحسن حالاتها عملية تجميل للنظام.
رغم أن لبنان يخوض سباقا واضحا بين الشارع والطاولة. ولكنه سباق ضمن دائرة لا يمكن الخروج منها ولن يصل إلى نتائج إيجابية ملموسة وبالتالي لن يجدي نفعا مع عقلية ترسخت بمغانم الفساد.
فلا الشارع قادر على فرض مطالبه على السلطة. ولا السلطة قادرة في وضعها الراهن على استيعاب مطالبه. ببقى التساؤل الواقعي والمنطقي.
على ماذا يتحاور المتحاورون؟ وما نفع هذا الحوار؟
إن لم يكن هناك على الطاولة مقعد مخصص للحراك المطلبي لنقل نبض الشارع إلى داخل قاعة الحوار.
والجواب الطبيعي هو أن الحوار عمليا لم يعد داخل القاعات المغلقة. بل أن الحوار الحقيقي أصبح في الشارع وتصدح به حناجر متظاهري الحراك.