لا ينظر الى الرئاسيات اللبنانية، كما جرت العادة، الا من خلال التفاهمات الاقليمية والدولية. وما يحدث حاليا على المستوى السعودي ــــ الايراني ــــ الاميركي، ضاعف المؤشرات التي سبق الحديث عنها لتسريع الانتخابات الرئاسية، بعدما كان قد جمد الملف في انتظار ترتيبات بين الرياض وطهران وواشنطن، تؤدي في احد جوانبها، مع اليمن والعراق وسوريا، إلى انتخاب رئيس جديد للبنان.

ينقسم الحديث عن احتمالات قد تنهي الجمود في ملف الرئاسة الى شقين، الاول يتعلق بوضع سوريا وتطوراتها الاخيرة، والثاني يتعلق بالترتيب السعودي ــــ الايراني برعاية اميركية.
ثبت ان الحديث عن الخوف الروسي من انهيار النظام السوري قبل أسابيع لم يكن عبثياً. لا بل ان الكلام الذي ارفق بمعلومات دقيقة عن الارضية التي اعدت لها موسكو للتدخل في سوريا، بات امراً واقعاً، بعدما كشفت روسيا بنفسها عنه، وان لم تظهر كافة اوجهه بعد. فبقدر ما تخشى روسيا من انهيار النظام السوري، تحاول جاهدة ابقاء قاعدة لها على البحر المتوسط، ما ضاعف من حاجة وجودها في الساحل السوري، اضافة الى احتمالات انتقال قلب النظام الى هذه المنطقة، وما يمكن ان يمثله ذلك من ارتدادات على واقع سوريا. ولم يكن صدفة ان تتزامن الاطلالة العسكرية الروسية مع ما يحدث في ادلب وعلى مشارف دمشق.


انتظار لما يجري
على خط السعودية ايران للتحرك في
اتجاه الرئاسيات

 

كل هذه المتغيرات العسكرية تترافق مع حديث ديبلوماسي دولي عن احياء «جنيف 1» وعن سيناريوات المرحلة الانتقالية كاطار للحل في سوريا. المفارقة ان المعلومات التي نقلت خوف روسيا من سقوط الرئيس بشار الاسد، وسعيها الى حمايته، وقبل ان تصبح علانية عبر وسائل الاعلام الاسرائيلية والاميركية، ترافقت مع تصور روسي للمرحلة الانتقالية، كممر حتمي يستبق الانهيار، عبر شخصيات سبق ان جرى الحديث عنها كالوزير فاروق الشرع والعميد مناف طلاس، لقيادة هذه المرحلة. ومن التقى طلاس اخيرا في باريس خرج بانطباع ان الاخير يضع نفسه في قلب هذه الاحتمالات.
لا يمكن وصف هذا التصور بالتكهنات، ما دام الشق الاول منه، اي التدخل العسكري الروسي، اصبح امراً واقعاً، لأن الخشية الروسية على النظام يقابلها الحرص على حماية المنطقة الساحلية، ما يعزز الفرضيات بالذهاب الى حلول سياسية تنطلق من «جنيف 1».
في لبنان، يجري التعامل مع التطورات السورية، كواحد من الملفات التي يتقاطع فيها الدوران السعودي والايراني، على غرار ما يحصل في اليمن والعراق. وهذا التقاطع يأخذ لبنانياً مدى اوسع في الايام الاخيرة، لان اي حل في سوريا قد يسبقه حل في لبنان، ولا سيما مع بروز سلسلة مؤشرات قد تمثل دفعا في اتجاه تسريع الانتخابات.
لا شك في ان الانظار تتوجه نحو اقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي. وكلما اقترب الموعد، تضاعف رهان الذين يعتقدون انه يمثل اول خطوة نحو ترتيبات في المنطقة يستفيد منها لبنان. والكلام السعودي بعد زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى واشنطن حول الاتفاق النووي وانعكاسه في المنطقة، سمح باستخلاص احتمالات ايجابية تصب في المنحى ذاته. علما ان تطورات اليمن العسكرية، جاءت في اعقاب الزيارة الملكية الى واشنطن، وترافقت مع عودة الحماوة الى الحملة الغربية العسكرية ضد تنظيم «داعش» في سوريا.
وفي وقت يتضاعف فيه الرهان على احتمال عقد لقاء سعودي ــــ ايراني على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة، يساهم في اضفاء لمسات نهائية على الترتيب الاقليمي، بدفع من واشنطن التي تصر على ايجاد دور سعودي فيه، فان لبنان بدأ يتلقى بعض الارتدادات التي تساهم في تعزيز التفاؤل بتسريع الرئاسيات.
النقطة الاولى هي الوضع الحكومي. الكلام الاميركي عن استقرار الحكومة حقيقي، بقدر دعم التظاهرات وعدم التعرض لها، لكن ما يجري من كباش حكومي يوحي بأن اي طرف اقليمي او دولي لم يسع بجدية الى رفع سقف التدخل لانقاذ الوضع الحكومي في شكل حاسم، يجنب لبنان الخضات الحالية. ما يجري حاليا هو ترك الوضع الحكومي على حاله بالحد الادنى المطلوب في ظل الشغور الرئاسي. ما عدا ذلك فان السعودية منكفئة عن التدخل مباشرة مع اي طرف، بأكثر مما تحتاج إليه الحكومة من اوكسجين لبقائها حية لا اكثر ولا اقل. والامر ذاته ينطبق على ايران. وما يظهر حتى الان ان اي تسوية شاملة ونهائية للملفات المطلوبة التي تعرقل عمل الحكومة وحتى تفعيل عمل المجلس النيابي، لم تنضج. لا بل تركت معلقة، في انتظار اتضاح ما يجري على خط السعودية ايران، للتحرك في اتجاه الرئاسيات من دون التسرع في تحديد مواعيد.
النقطة الثانية تتعلق بتسليم المطلوب السعودي احمد المغسل الى الرياض، بطريقة يشبّهها احد الوزراء المعنيين بتسليم الزعيم الكردي عبد الله اوجلان. كل ما جرى منذ لحظة التوقيف حتى التسليم، ترك علامات استفهام عند من تابعوا هذا الملف من الرسميين، وحتى من مصادر سياسية مطلعة عن كثب على ما يجري من اتصالات اقليمية. طريقة تبليغ خبر وصول المطلوب السعودي لمرتين، تكتم ايران وضمنا حزب الله عن التوقيف. حتى ان عملية الترحيل عبر المطار بسهولة ومن دون اعتراض حزب الله، تركت التباسا واثارت اسئلة. بدت عملية الترحيل عبر المطار وكأنها اختبار للحزب، رغم ان البعض طرح ترحيل المغسل عبر احد المرافئ، لكن العملية جرت دون معوقات، وجرى التعتيم على الخبر، ولاحقا تجاهله وعدم التعامل معه بوصفه حدثا كبيرا، علما ان المغسل في عرف هؤلاء بمثابة «عماد مغنية الخليج».
هذه القضية التي بدأت تأخذ اهتماماً دولياً، ضاعفت من التكهنات حول ترتيبات، يظهر منها حتى الآن بعض التفاصيل التي تبدو في ظاهرها هامشية، لكن يبدو انها اساسية.