فيما سَلك الحوار بين قادة الكتَل النيابية في ساحة النجمة طريقَه ولو بين حقول الألغام، بدا أنّ الطريق إلى تنفيذ خطة حلّ أزمة النفايات المقسَّمة إلى مرحلتين غيرُ معبَّدة جيّداً، وإذ بها تخطف الأضواءَ من الشارع ليترَكّز الاهتمام على سُبل تطبيقها وسط عاصفةٍ من الاحتجاجات التي هبَّت رفضاً للمطامر المقترَحة في المناطق. على جبهة الحوار الذي انطلقَت الاستعدادات لجلسته الثانية الأربعاء المقبل، عبَّرَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس عن ارتياحه إلى انطلاق هذا الحوار، مؤكّداً أنّه سيستمرّ وأنّ موافقة المتحاورين على تحديد موعد الجلسة الثانية الأربعاء المقبل كانت تأكيداً لرغبتهم في استمرار هذا الحوار على الرغم مِن سيلِ المواقف المتناقضة التي عبّروا عنها في الجلسة الأولى.

وقال برّي: «ليست لدينا أوهام في أنّنا سنتوصّل إلى نتيجة من الجلسة الأولى أو في الجلسات الثانية والثالثة وربّما الرابعة، والتباعد في المواقف يَشي بأنّ الحوار سيَطول حتى نصل إلى النتائج المرجوّة وفي المقدّمة موضوع رئاسة الجمهورية، فهذا البَند هو الأوّل وسيستمرّ البحث فيه حتى نتوصّل إلى اتفاق».

وسَجّلَ برّي «إيجابيتين» حقّقهما الحوار: الأولى التئام مجلس الوزراء بحضور كلّ مكوّناته واتّخاذ قرار بحَلّ نهائي لأزمة النفايات، فما تقرّرَ مِن خطوات هو المرحلة الأولى من هذا الحلّ وستليها المراحل الأخرى وصولاً إلى الحلّ الشامل.

أمّا الإيجابية الثانية فكانت أنّ المتحاورين وافقوا جميعاً على موعد الجلسة الحوارية الثانية، وفي ذلك تعبير وتصميم لديهم على الاستمرار في الحوار». وأشار بري الى «أنّ الجميع عبّروا خلال الجلسة عن مواقفهم بلا قفّازات وأنّ ما قيلَ عن سجالات حادّة ليس صحيحاً».

وكشَف «أنّ جميع المتحاورين وافَقوا على تسجيل المحاضر على أن لا يُنشر أو يُذاع أيّ شيء إلّا بموافقة الجميع خَطّياً إذا اضطررنا لهذا الأمر. وعندما اقترحت أن لا يتمّ تسريب ما يَحصل من نقاش، كان رأي الجميع أنّه لا يمكن ضبط هذا الأمر، فارتأوا أنّ كلّ مَن يريد أن يتحدّث عليه أن يحرص على عدم البَوح بأيّ شيء يعطّل الحوار أو يسيء إليه».

ولفتَ بري الى أنّه رفعَ الجلسة بعدما أدلى كلٌّ بدلوه، ولم يكن هناك أيّ دافع آخر الى رفعِها «لأنّه استحالَ علينا ان نعقد جلسة ثانية بعد الوقت الطويل الذي استغرقَته الجلسة الاولى. وقد اقترحَ البعض أوّلاً تحديد موعد الجلسة الثانية الثلثاء المقبل فلفتُّهم إلى أنّ هذا الأمر مستحيل لأنّه يصادف انعقاد جلسة الحوار بين «حزب الله» وتيار«المستقبل» في عين التينة، فهذا الحوار مستمر وسيَستمر، وكذلك حوارنا هنا سيَستمر».

وقال إنّ البيان المقتضَب الذي كتبَه وحدّد فيه موعدَ الجلسة الأربعاء وأذاعَه الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر وافقَ عليه جميع المتحاورين قبل إعلانه. وقال برّي: «سنظلّ نتحاور في موضوع الرئاسة وغيره الى ان تتوَلّد فكرة في لحظةٍ ما يمكن ان تقرّب بين مواقف المتحاورين ويتوصّلوا إلى اتفاق».

الحوت

وفي المواقف من الحوار، قال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «بعض المعلومات التي رشَحت عن الجلسة الاولى لطاولة الحوار تؤكّد انّ الهدف الرئيسي هو استيعاب صدمة الشارع ومطالباته وضغطه على القوى السياسية من دون ان يكون هناك فاعلية حقيقية للحوار، خصوصاً أنّ المجتمعين على الطاولة هم أنفسهم الموجودون في الحكومة، وبالتالي هم المسؤولون عن الملفات التي يشكو منها المواطن».

وعن حراك الشارع اعتبَر الحوت انّ «المتظاهرين هم أمام تحَدٍّ واضح: فإمّا أن يتمّ حرفُ حراكهم في اتّجاه تحقيق مكتسبات سياسية لبعض القوى السياسية التي يمكن ان توجّه هذا الحراك، وإمّا أن يبقى فعلاً حراكُهم حراكاً مطلبياً مدنياً ضاغطاً على كلّ القوى السياسية للتخفيف من حجم الفساد الموجود في مؤسسات الدولة، وللضغط حتى تستأنف المؤسسات الدستورية عملها بدءاً مِن انتخاب رئيس جمهورية وصولاً لقانون انتخابي جديد تَجرى على أساسه الانتخابات النيابية ويَسمح بتمثيل أكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين».

موقف جنبلاطي

من جهة ثانية، شَدّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط خلال يوم «الوفاء لشهداء الكرامة» في مدينة السويداء، في دار طائفة الموحّدين الدروز، على أنّ «المناسبة ليست لتحدّي أحد، نحترمُ جميعَ الآراء ونقَدّر المواقف والالتزامات».

وقال: «نظّمنا الخلاف مع «حزب الله» حول الثورة السورية، هم في موقع ونحن في موقع. ونفهم موقف الحزب «الديموقراطي اللبناني» برئاسة الأمير طلال ارسلان، ولا نريد أن ينتقل أيّ توتر إلى أيّ جهة، هم لهم رأيهم، ونحن لنا رأينا، وكل الشعب السوري سينتصر عاجلاً أم آجلاً». وحيّا «الموقفَ الكبير للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللذين يحتضنان الشعبَ السوري المشرّد».

خطة النفايات

وعلى صعيد أزمة النفايات، بدا أنّ «لعنةَ المطامر» تلاحِق خططَ معالجة أزمة النفايات. فقد تفاوتَت ردّات الفعل على خطة وزير الزراعة أكرم شهيّب والتي تبنّاها مجلس الوزراء وأقرّها في جلسته امس الاوّل، بين ارتياح في الشارع اللبناني الى حلّ أزمة النفايات وبين هواجس أهالي المناطق التي وقعَ عليها اختيار المطامر في عكّار والمصنع والناعمة وصيدا، فجابَه هؤلاء خطةَ النفايات بموجة اعتراضات واحتجاجات شاركَ فيها بعضُ البلديات

مواكبة سلام

وتابَع رئيس الحكومة تمّام سلام أمس التحضيرات التي انطلقت لتنفيذ الخطة، وتحدّثت مصادره لـ»الجمهورية» عن الحاجة الى ترجمة القرارات الإدارية التي اتّخِذت في مجلس الوزراء على الأرض، معتبِراً أنّ تنفيذها يَقع على مسؤولية كلّ السلطات الإدارية والأمنية المعنية بكلّ الجوانب المتصلة بالخطة. وتحدّثت المصادر نفسُها عن بحث جدّي في الآلية التي ستُعتمَد لترجمتها في أسرع وقت ممكن ولكي تؤدّي المؤسسات المعنية واجباتها كلٌّ في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتقها.

وقالت المصادر «إنّ اللجوء إلى المراحل التي أقِرّت في الخطة لم يكن مجرّد رأي أو مزاج، فالخطوات التي اعتُمدت لم تكن عشوائية إنّما جاءت نتيجة أكبر عملية استشارات مع اللجان الأهلية وممثّلي الفئات المعنية والخبَراء وتلك التي ادّعَت مسؤوليتها في الحراك المدني، وأنّ بعض العقبات يجب أن لا تحولَ دون تنفيذ ما تقرّرَ على المستوى الوطني، فالكارثة وصَلت الى مكان لا يمكن معه القبول ببقائها على ما هي، فكيف يمكن تجاوزها في ضوء ما يمكن ان تعكسَه من نتائج خطيرة على صحّة المواطن والسلامة العامة في ظلّ التطوّرات المناخية التي ستُحوّلها في أقرب الآجال أخطرَ آفةٍ صحّية وبيئية لم تعِشها البلاد منذ الاستقلال الى اليوم.

وسألت المصادر عن حجم القوى المعارضة وقدرتِها على معاكسة المراحل التنفيذية كما تقرّرَت على كلّ المستويات الأمنية والسياسية والحزبية والوطنية؟ وأكّدَت «أنّ الأيام المقبلة ستَشهد على قدرة الحكومة في تنفيذ هذه الخطوات بعد تحديد الوسائل التي ستُعتمَد لهذه الغاية. فالإجماع الحكومي هو على محكّ التجربة الفعلية».

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ إرادة تطبيق خطة النفايات موجودة، والحكومة اتّخَذت القرار بتنفيذها، وعليها أن تحسم أمرَها على رغم كلّ الأصوات المعترضة، فإمّا أن تسير في تطبيق الخطة كاملةً لمصلحة بيروت ولبنان وإلّا فلتستقِل».

واستبعدَت المصادر أن تؤثّر الاحتجاجات على مسار الخطة كونها تتمتّع بغطاء سياسي وفّرَته كلّ القوى السياسية، ولا تستطيع مجموعة شبابية أو هيئات أو بلديات عرقلتَها لمجرّد العرقلة والتحرّك تحت تأثير «فوبيا» النفايات من دون الاطّلاع على المعالجات العِلمية والتقنية والبيئية لطمرِها. وأكّدت «أنّ على الجميع تحَمُّل المسؤولية والتعاطي مع هذه الأزمة من منظار وطنيّ».

في هذا الإطار، أجمعَت أمس كلّ المواقف المناطقية والشعبية على معارضة مشروع حلّ أزمة النفايات الذي يعتمد مبدأ اللامركزية في المعالجة وإعطاء الدور للبلديات واتّحاداتها في تحمُّل مسؤولية الملف للمرحلة المستدامة وفقَ آليات تنفيذية.

ويَقترح المشروع اعتمادَ مطمرَين صحّيَين يتمّ تحضيرهما وفقَ المعايير البيئية في منطقة سرار في عكار، ومنطقة المصنع في سلسلة جبال لبنان الشرقية، واستخدام معمل معالجة النفايات في صيدا، لاستقبال جزء من الكمّيات خلال المرحلة الانتقالية، واستكمال درس استخدام مكبّ برج حمّود في المرحلة المقبلة في إطار خطة تأهيله وتكليف مجلس الإنماء والإعمار إعدادَ الدراسات اللازمة مع وزارة البيئة لتأهيل مكبّ رأس العين والمباشرة بتلزيمِه.

وهذه المقرّرات حرّكَت الشارع، بحيث أقيمَت اعتصامات وتحرّكات احتجاجية في المناطق التي مِن المقرّر أن تُنشَأ فيها المطامر. فاعتصَم أهالي الناعمة أمام المطمر رفضاً لخطة شهيّب بإعادة فتحِه لمدّة 7 أيام، مؤكّدين عدمَ قدرتهم على تحمّل نفايات المناطق الأخرى ساعةً واحدة.

والمشهد كان مشابهاً في عكّار، حيث اعتصَم أهالي المنطقة في ساحة العبد، رفضاً لتجهيز مطمر «سرار»، ودعَت حملة «عكّار مَنّا مزبلة» إلى اعتصام مساءَ السبت في تل عبّاس رفضاً لتحويل عكّار مزبلةً، وطالبوا بتحرير أموال البلديات.