لقد بدا رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أنه الأكثر انسجاما مع نفسه لأعلانه عن مقاطعته لجلسات الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
فالدكتور جعجع يدرك جيدا كغيره من الزعماء اللبنانيين أن طاولة الحوار ليست اكثر من محاولة لملء الفراغ في الوقت الضائع. ومحاولة للالتفاف على الحركة المطلبية التي تفاعلت معها شرائح عديدة من الشعب اللبناني ولتحويل الاحتجاج في الشارع إلى حوار داخل المجلس النيابي.
وأما البنود التي حددها الرئيس بري للنقاش لا تحتاج إلى طاولات للحوار بقدر ما تحتاجه إلى نوايا سليمة وإلى فصل المشاكل والأزمات الداخلية عن المشاريع الإقليمية والدولية.
إلا أن جعجع وانطلاقا من مصداقيته مع توجهاته ومع العناوين السياسية التي يطرحها. فإنه عبر عن قناعته بها بالمقاطعة كي لا يشارك الطباخين في طبخة السم التي يطبخونها للشعب. وبالتالي فإن جعجع يعرف كغيره أن طاولة الحوار في مكان ومفاتيح الحل للمشاكل اللبنانية الكبرى في مكان آخر وخارج الحدود لأن فريقا لبنانيا يصر على ربط الورقة اللبنانية بحسابات إقليمية.
وقرار الدكتور سمير جعجع لا تقف عند حدود مقاطعة جلسات الحوار بل هو خطوة جريئة لأعادة الاعتبار للدور المسيحي بعدما ضاع بين طرفي الصراع 8 و14 آذار وتحول من مكون فاعل في السياسة اللبنانية وشريك قوي في صناعة القرارات المصيرية في البلد إلى تابع أو ملحق بالسياسة. حيث انقسم المسيحيون إلى فريقين. فريق تابع للطرف الشيعي القوي وآخر تابع للفريق السني القوي واستخدامهما كعوامل مساعدة لكل طرف في مشروعه المرتبط بعوامل خارجية.
وفي السياق ذاته يمكن قراءة خطوة جعجع بالمقاطعة على أنها رسالة موجهة إلى حلفائه على ان رصيده المسيحي والوطني لم يعد الاحتياط الحزبي الذي يمكن إستخدامه عند الضرورة وفي لعبة التوازنات الداخلية.
بل أنه الزعيم المسيحي والوطني القوي الذي يسعى إلى بث الروح في الصيغة الميثاقية التي أنتجت الكيان اللبناني القائم على التعايش الإسلامي المسيحي والتي تهاوت أمام صراعات الثنائية السنية الشيعية. والدكتور جعجع استطاع أن ينسج علاقة متوازنة مع معظم القيادات اللبنانية. فعلاقته جيدة مع الرئيس بري. وأبقى الطرقات سالكة مع زعيم المختارة النائب وليد جنبلاط.
وحافظ على علاقة تفاهم مع البطريرك الراعي على الخطوط العريضة والتطبيع مع النائب سليمان فرنجية في ظل علاقة يسودها الاحترام المتبادل. ونجح في تثبيت ركائز العلاقة مع حزب الكتائب. كما أكد على الارتباط والتوافق مع الرئيس سعد الحريري على أولوية المرحلة ومتطلباتها.
وكان لافتا قيامه الشهر الماضي بدور الوسيط بين رئيس الحكومة تمام سلام لحل الأزمة الحكومية مع العماد ميشال عون حفاظا على الاستقرار السياسي.
على أن الأهم في تحرك جعجع إقامة علاقة مميزه مع بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
لا شك أن الدكتور سمير جعجع يحاول استعادة الدور التاريخي والفاعل للمسيحيين الذي ساهم بقيام دولة لبنان الكبير.
انطلاقا من رؤية استراتيجية مبنية على التفاهم والتوافق والتوازن بين كافة المكونات الطائفية والمذهبية في البلد.