يوم ماراتوني حاشد عاشه اللبنانيون أمس، تسابقت فيه الأحداث سياسياً وميدانياً وحكومياً بين ساحتي النجمة ورياض الصلح. فمن مجلس النواب كانت إشارة الانطلاق، حيث انعقد حوار الأربعاء النيابي تحت ضغط الشارع المطلبي الذي كمن لسيارات المسؤولين عند مداخل ومخارج الساحة، وتحت وطأة أولوية رئاسة الجمهورية التي استحوذت على معظم الجلسة وأربكت معطلي الانتخاب بشكل انعكس توتراً ملحوظاً على أداء رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بينما تولى رئيس كتلة «حزب الله» البرلمانية النائب محمد رعد إعادة تصويب الدفة التعطيلية للاستحقاق بالتشديد أمام المتحاورين على كون الحزب يتمسّك بترشيح عون «وما بيتخلى عنو». وإلى مجلس الوزراء انتقل الحدث الأبرز مساءً مع وصول أزمة النفايات إلى خط النهاية المرتقبة وطنياً وبيئياً وصحياً بحيث لفظت الأزمة أنفاسها الأخيرة بفعل نجاح الحكومة بعد طول انتظار في إقرار «حل بيئي مستدام وآمن» وفق مقترحات الخطة العلمية المنصوص عليها في تقرير لجنة المختصين الذي رفعه الوزير أكرم شهيب إلى الرئيس تمام سلام، والذي يقوم على لامركزية الحل وإيلاء الدور الأساس فيه إلى البلديات بشكل يؤمن الشراكة الوطنية والتوازن المناطقي في تحمل المسؤولية ويتقاطع في جوهره مع مطالب الحراك المدني، على أمل، عبّر عنه شهيب بعد انتهاء الجلسة الاستثنائية، بألا يصطدم مسار التطبيق العملي للخطة بعراقيل سياسية وغير سياسية.

وأوضح شهيب أنّ المقررات التي اتخذها المجلس تقوم على اعتماد معيار متوازن يراعي تقسيمات الأقضية والكميات على أن يتم التنفيذ بإشراف فريق تقني مركزي وأن يؤخذ مباشرة بأي مشروع جاهز من قبل أي من البلديات أو الاتحادات لمعالجة نفاياتها، على أن يتم التنفيذ بإشراف فريق فني مركزي برئاسة وزير الداخلية يضم ممثلين عن وزارات البيئة والمالية ومكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية وعدد من الخبراء. وأعلن أنّ الحكومة وافقت على اعتماد مطمرين صحّيين يتم تحضيرهما وفق المعايير البيئية في منطقة سرار في عكار، ومنطقة المصنع في سلسلة جبال لبنان الشرقية، واستخدام معمل معالجة النفايات في صيدا لاستقبال جزء من الكميات خلال المرحلة الانتقالية، واستكمال دراسة استخدام مكب برج حمود في المرحلة المقبلة في إطار خطة تأهيله بما يخدم إنماء المنطقة، وتكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد الدراسات اللازمة مع وزارة البيئة لتأهيل مكب رأس العين والمباشرة بتلزيمه، بالتزامن مع نقل النفايات المتراكمة في منطقة بيروت وجبل لبنان التي لم تطمر بين 17-7-2015 وتاريخه إلى مطمر الناعمة، الذي يفتح لهذه الغاية لمدة سبعة أيام على أن تبدأ بعدها فوراً أعمال التتريب والتغليف والتخضير وإنتاج الطاقة الكهربائية لتوزع مجاناً على القرى المجاورة.

كذلك وافق مجلس الوزراء على المراسيم المقترحة من وزيري المال والداخلية لتوزيع حصص البلديات واتحاداتها من واردات الهاتف الخليوي المموّلة من وزارة الاتصالات كاملة دون حسم والصندوق المستقل، بما فيها جدولة المبالغ العالقة في الفترة بين 1995 و2010، وتخصيص سلفة خزينة بمبلغ 150 مليار ليرة لبنانية لمشاريع تنمية لمنطقة البقاع بواسطة الهيئة العليا للإغاثة. في حين كلف المجلس شهيب متابعة تنفيذ القرارات ورفع تقارير دورية إلى مجلس الوزراء مع الاقتراحات اللازمة.

العبرة بالتنفيذ

وأفادت مصادر وزارية «المستقبل» أنّ مجريات الجلسة التي امتدت على مدى نحو 5 ساعات تخللتها محاولات تعطيلية أو أقله تأجيلية لإقرار الحل من جانب «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» غير أنها سرعان ما انكفأت ورضخت للمناخ الوزاري العام الذي بدا متحسساً لتفاقم الأزمة وتداعياتها الكارثية على الوطن وأبنائه عموماً، في حين كان شهيب واضحاً وحاسماً خلال الجلسة في رفض أي تجزئة للخطة على قاعدة «إما الحل المناطقي المتوازن أو لا حل لمنطقة على حساب أخرى».

وبحسب المصادر، فإنّ «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» اللذين حضرا الجلسة بوزيرين وقاطعاها بوزيرين، لم يبديا تجاوباً كاملاً مع الخطة بل وافقا على مضض تحت تأثير مطالبة أغلبية المجلس الساحقة بوجوب إقرار خطة النفايات، مشيرةً في هذا السياق إلى أنّ الوزير الياس بوصعب عبّر في نهاية المطاف بمساندة وزارية من «الطاشناق» عن تحفظ تقني وموافقة مشروطة على موضوع استخدام مكب برج حمود بانتظار اتضاح المسار التنفيذي للخطة.

وخلصت المصادر إلى التأكيد على كون مجلس الوزراء إنما «فتح مساراً لحل أزمة النفايات بشكل علمي متوازن ومستدام» من خلال إقرار خطة شهيب، غير أنها شددت في الوقت عينه على «ضرورة استمرار الغطاء الوطني لاستكمال هذا المسار وتجنيبه المطبات والعراقيل السياسية»، مؤكدةً في هذا المجال أنّ «العبرة تبقى دائماً في التنفيذ».

الحوار

بالعودة إلى أجواء الحوار، فقد افتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلاق أعمال الطاولة المستديرة بالتأكيد على أهمية انعقادها بعد أن «كادت السلبية المتأتية عن السياسات الخاصة والمصلحية الحزبية والشخصية أن تهدد وجود لبنان»، مطالباً بعدم تحويله إلى «حوار طرشان» وبأن يبادر المتحاورون إلى توحيد الموقف والإقدام على «صنع طوق نجاة» للبلد. واختُتمت جلسة الحوار الأولى ببيان مقتضب تلاه الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر وجاء فيه أنّ المشاركين عرضوا لوجهات نظرهم في القضايا المطروحة «مع التركيز على البند الأول المتمثل بانتخاب رئيس الجمهورية والخطوات المطلوبة للوصول إلى هذا الأمر»، على أن تنعقد الجلسة الثانية للحوار ظهر الأربعاء المقبل.

وفي هذا الإطار، نقلت مصادر المتحاورين لـ»المستقبل» أنّ «90% من جلسة الأمس كان رئاسياً و10% لأزمة النفايات التي فرضت نفسها بنداً طارئاً من خارج جدول الأعمال»، مشيرةً إلى أنه في خلاصة المشهد «كل طرف بقي على موقفه ولم يبدُ في الأفق أي أمل بحصول أي تغيير على خارطة المواقف».

وإذ لفتت إلى أنّ بري بدا متناغماً إلى أبعد حد مع مطالبة سلام بحل أزمة النفايات داعماً وداعياً إياه على قاعدة «أضرب يدك على الطاولة في الحكومة لإقرار الحل»، حذر سلام في كلمته من أنّ «البلد ذاهب إلى الانهيار» مؤكداً أنه كمسؤول يرى أنّ الحراك الشعبي الاحتجاجي في الشارع «محقّ ويعبّر عن فشل الطبقة السياسية». 

ولفتت المصادر إلى أنّ بري كان قد شدد في استهلاليته السياسية لدى افتتاح الجلسة على كون أولوية رئاسة الجمهورية فرضت تقديمها بنداً أولاً على جدول أعمال الحوار باعتبار أنّ حل مسألة الفراغ الرئاسي من شأنه أن ينسحب تلقائياً على وضع الحلول المناسبة لسائر البنود الأخرى، متوجهاً إلى المتحاورين بالقول: «إذا لم نتفق هنا سيأخذوننا إلى عاصمة أخرى لنتفق». عندها علّق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي« النائب وليد جنبلاط ممازحاً: «لم يعد هناك «دوحة» تستقبلنا بل سيأخذوننا هذه المرة إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي».

ولاحظت المصادر في ما يتعلق بمداخلات المتحاورين أنّ «فريق 8 آذار بدا غير مرصوص الصفوف والطروحات خلال الجلسة»، لافتاً انتباهها في هذا السياق الى وجود «تمايز واضح» بين مقاربة رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية وبين أداء عون، وأوضحت أنّ مداخلة فرنجية وإن أتت «تحت السقف العوني» إلا أنها تميّزت عنه «بهامش أكثر هدوءاً وموضوعية خصوصاً لناحية تأكيده وجوب تسيير أمور الدولة وتفعيل عملها بانتظار التوافق على رئيس للجمهورية وتشديده في هذا المجال على وجوب فصل الخلافات السياسية عن القضايا الحياتية العالقة والاتجاه نحو حل أزمتي النفايات والكهرباء بانتظار التوافق الرئاسي».

أما عون، فتحدث في مداخلته عن الدستور والقانون والميثاق متهماً عدداً من الأطراف بأنها «خرقت الدستور بالتمديد لمجلس النواب ولموظفين في الدولة من دون وجه حق (في إشارة إلى التمديد لقائد الجيش)، بينما خرقت الميثاق من خلال عدم قبولها بانتخاب من يمثل أكثرية المسيحيين (في إشارة إلى شخصه)، ولذلك، تابع عون، إما ننتخب رئيساً يمثل الأكثرية المسيحية أو نقر قانون انتخاب جديداً ونعدل المادة 49 من الدستور لانتخاب رئيس من الشعب». عندها سأله بري: «بواسطة شو؟»، أجاب عون: «بواسطة المجلس النيابي»، فأردف بري مستغرباً: «لكنك تعتبره غير شرعي»، وهو ما ردّ عليه عون بالقول: «نعتبره حينها مجلساً تأسيسياً».

بدوره، رأى رعد في مداخلته أنّ «هناك مرشحاً رئاسياً تم الاتفاق عليه ويمثل حيثية مسيحية وكان من المفترض انتخابه إلا أنّ إشارة خارجية أتت وعطلت الاتفاق»، متوجهاً إلى المتحاورين بالقول: نحن في «حزب الله» مرشحنا واضح (ميشال عون) ونعتبره مثالاً في الوطنية والسيادة والحيثية والحزب «ما بيتخلى عنو»«.

من جهته، شدد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة على ضرورة «أن يكون الحوار معززاً لدور المؤسسات الدستورية والدولة ودورها وسلطتها وهيبتها لا إلغائياً لهذه المؤسسات»، منبهاً في حال فشل الحوار إلى أنّ «حجم التحديات والمخاطر التي تعترض مسيرتنا جميعاً قد تؤدي إلى إقحام لبنان في أتون الحرب الدائرة حولنا»، وسط تأكيده أنّ «التجربة برهنت أنّ وجود رئيس للجمهورية يشكل حجر الرحى في انتظام عمل كل المؤسسات وأنه يشكل «Master key« لمعالجة معظم المشكلات». وسأل: «ربما ثمة من يطالب بترتيب آخر غير أولوية انتخاب الرئيس ويقول بأولوية إجراء انتخابات نيابية وفق قانون يقره المجلس النيابي الحالي، فلماذا يحق لهذا المجلس وضع قانون انتخابي أو أن يعدل الدستور ولا يسمح له بانتخاب رئيس للبلاد؟».

كذلك، علق السنيورة على قول البعض إنّ المسيحيين مغبونون في الرئاسة الأولى في حين أنّ السنّة يأتون برئيس قوي للحكومة والشيعة يأتون برئيس قوي لمجلس النواب، فذكّر بأنّ «الرئيس سعد الحريري رضخ للعبة الديموقراطية وذهب إلى منزله حين استقال 10 وزراء من حكومته»، مضيفاً: «هذه هي أصول الديموقراطية في وقت رئيس الجمهورية المسيحي يستمر في موقعه 6 سنوات من دون أن يكون لأحد سلطة إزاحته من هذا الموقع».

أما الوزير بطرس حرب الذي أدلى بمداخلة أثارت حفيظة عون وأخرجته عن طوره، فقد استغرب كيف يرفض من يطالب بتعديل الدستور من خلال مجلس يعتبره غير شرعي أن يقوم هذا المجلس بانتخاب رئيس للجمهورية. وطالب في المقابل بأن يكون أي حل للأزمة الوطنية الراهنة من ضمن الدستور وليس خارجه، مشيراً إلى أنّ «دوافع الجنرال عون معروفة وله حق الترشح للرئاسة، لكن بعض ما سمعناه (تعديل المادة 49 لانتخاب رئيس من الشعب) يقع في إطار الخروج عن الدستور». عندئذٍ رد عون بانفعال شديد وبنبرة عالية على حرب قائلاً: «أنا مش مرشح وما بسمحلك تحكيني بالشخصي»، فأجابه حرب بأنه يخاطب طاولة الحوار ولا يخوض في جدال شخصي معه.

من ناحيته، اعتبر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل أنّ «النظام المجلسي وضع الطوائف في مواجهة بعضها ولا بد من تغييره»، غير أنه شدد على وجوب أن يكون «التغيير من ضمن الأصول الدستورية»، مطالباً في هذا الإطار بأولوية انتخاب رئيس للجمهورية وإجراء انتخابات نيابية وفق قانون جديد على أن يتولى المجلس النيابي المنتخب مناقشة تطوير النظام، مع إشارته إلى أنّ والده الرئيس أمين الجميل مرشح للانتخابات الرئاسية «بس مش عم نعطّل البلد كرمالو».

من ناحيته طالب رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان بضرورة تحويل طاولة الحوار إلى «مؤتمر تأسيسي»، بينما دعا رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي« النائب أسعد حردان إلى وجوب الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية «لأن البلد بخطر ولا يجب انتظار الخارج».