لعله من الايام الماراتونية التي سجلت خلالها أرقام قياسية في تلاحق المشاهد المثيرة للأضواء وحبس الانفاس، على وقع السباق اللاهث بين هدير التحركات الاحتجاجية والتطورات السياسية ذات الطابع الاستثنائي مثل استعادة حوار ساحة النجمة وانعقاد مجلس الوزراء في جلسة حاسمة لأزمة النفايات طال معها السهر ساعات. الاربعاء 9 ايلول انضم الى سياق المحطات الصاعدة في سجل الحمّى التي تضرب لبنان منذ أسابيع ولكنه زاد على المحطات السابقة جملة مفارقات جديدة طارئة. فعلى المستوى السياسي، يمكن القول إن الجلسة الاولى من الجولة الحوارية الثالثة منذ عام 2006 لم تخرج عن كونها جلسة "اعلان نيات" أولية للمتحاورين حيال البنود المطروحة ولا سيما منها بند الأزمة الأم المتمثلة بالفراغ الرئاسي، الامر الذي عكسته المداخلات المعدة سلفا للمتحاورين في الجلسة "المنبرية". ولو لم تشتعل فيها مواجهة كلامية حادة بين رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ووزير الاتصالات بطرس حرب لكانت مرت برتابة.
وعلى المستوى الاحتجاجي في الشارع، بدا ميزان القوى منعدما بين المتظاهرين والاجراءات الامنية البالغة التشدد التي أحاطت بالمنطقة الامنية في محيط مجلس النواب والشوارع والساحات المؤدية اليه أشبه بطوق يستحيل اختراقه. ومع ذلك مر اليوم المشهود من دون اشكالات تذكر. واذا كان حجم المتظاهرين تراجع نسبيا قياسا بتظاهرة 29 آب الماضي فان ذلك لا يقلل أهمية استعادة الحشد الذي شهدته ساحة الشهداء مساء على رغم التأثير السلبي القوي للعاصفة الرملية.
وأخيرا الاختراق
أما على المستوى الحكومي فيمكن القول ان انجاز خطة النفايات بعد مخاض عسير ومعقد يشكل الانجاز الملموس الاساسي في سجل تطورات البارحة وكذلك في مسار تبريد الاجواء العامة المحمومة نظرا الى التداعيات الشديدة السلبية التي اثارتها أزمة النفايات منذ اكثر من شهر ونصف شهر.
وعكست موافقة مجلس الوزراء على خطة الوزير أكرم شهيّب ليل امس التوصل الى توافق سياسي شامل على الخطة ترجم بالتوصل الى مخرج لموضوع المطامر وتوزيعها على المناطق علما ان النقاش حول المطامر استغرق وقتا طويلا استمر حتى الحادية عشرة ليلا. وتعتمد خطة الوزير شهيّب كما شرحها مطولا بعد الجلسة مرحلتين انتقالية ومستدامة وتتسم بتوازن توزيع المطامر على المناطق وتزامن التنفيذ المرحلي كما باعادة الدور الى البلديات واتحادات البلديات في المرحلة المستدامة بما يترجم مبدأ اللامركزية . وتبعا لذلك جرى التوافق على اعتماد مطمرين صحيين في منطقة سرار في عكار ومنطقة المصنع في السلسلة الشرقية واعتماد معمل معالجة النفايات في صيدا والعمل على تأهيل مكب رأس العين في صور ومعالجة مكب برج حمود. كما تقرر نقل النفايات المتراكمة في بيروت الى مطمر الناعمة لمدة سبعة ايام فقط يبدأ بعدها التخضير والزراعة وانتاج الكهرباء التي توزع مجانا على القرى المحيطة. وتقرر ابلاغ سوكلين عدم تجديد عقود التكنيس معها كما تقرر توزيع حصص البلديات من واردات الخليوي.
الحوار
وفي موضوع الحوار، علمت "النهار" من مصادر شاركت في جلسة امس ان حصيلة جولته الاولى لم تثمر شيئا ملموسا بإستثناء ملف النفايات الذي كان جزءا أساسياً من مداخلات المشاركين في الحوار مما أعطى دفعا سياسيا مهما للحكومة لكي تمضي قدماً على طريق إيجاد حلول له. وفي هذا الاطار سُمع راعي الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول لأحد المشاركين حول الطاولة: "صار لي من مبارح أقول للرئيس سلام شدّ همتك في النفايات اضرب على الارض وامشِ". لكن مصادر متابعة للاتصالات التي سبقت الجولة الحوارية الاولى لفتت الى ان رئيس الوزراء تمّام سلام استبق دخوله الجلسة الحوارية بإعلانه دعوة مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية مساء امس الامر الذي عكس انجاز سلام معظم الاستعدادات مع وزير الزراعة اكرم شهيب لاستكمال الموافقات السياسية على قرار تأييد خطة شهيب.
وفي ما يتعلق بالموضوع الرئيسي للحوار أي ملف إنتخاب رئيس جديد للجمهورية لوحظ أن موقف "حزب الله" الذي عبّر عنه رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد لم يتغيّر إذ قال: "عندنا شخص وطني سيادي له حيثية كبيرة وهو مرشحنا الذي لا نتخلى عنه". بدوره خاطب رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيه الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي قائلا: "هل تقبلان أن يكون رئيسا للوزراء موظف فئة أولى؟".
وفيما مضت النقاشات في إطار هادئ، خرقتها مشادة مفاجئة بين العماد عون والوزير حرب الذي طرح في مداخلته اسم عون مرشحا للرئاسة فرد عون: "أنا منّي مرشّح". فتابع حرب: "أنا عم احكي مع الرئيس بري"، فأجابه عون: "عم تحكي عني وأنا هون". وتصاعدت الردود بين الرجلين مما اضطر الرئيس بري الى التدخل لتهدئة الموقف. ووصفت المصادر هذا الجدل بأنه كان عابراً. ولاحقا أبلغت مصادر الرئيس السنيورة "النهار" أن ما أشيع عن "مشادة" بينه وبين عون "لا أساس له". وحدّد موعد الجولة الثانية للحوار الاربعاء المقبل . (الوقائع التفصيلية ص 3).
جنبلاط
وعن جلسة الحوار امس، صرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لـ"النهار": "يبقى الحوار ضروريا ومطلوبا، رغم التشكيك المحق وغير المحق من المجتمع المدني. وفي النهاية لا نستطيع الذهاب الى الفراغ وممارسة التشكيك المطلق. وكان الرئيس بري السباق والساعي الى الحوار منذ عام 2006 الى اليوم".
وماذا عن المناقشات الساخنة التي رافقت الجلسة، الا تهدد الحوار؟ أجاب: "المهم ان تكتسب هذه المناقشات الصدقية المطلوبة والدخول في التفاصيل لحل ازماتنا بدءاً من ملف النفايات الذي تفجر اخيرا وفجر نفايات اخرى، وايا كان قرار الحكومة حيال هذا الملف، يجب ان يلتزمه كل الافرقاء والقوى السياسية".
وسئل لماذا لم تتكلم كثيرا في الجلسة؟
أجاب" كلا، ادليت برأيي وألتزم عدم تسريب ما دار في الجلسة. وأقول ان لا مهرب من الحوار وسأشارك في الجلسة المقبلة. وكفانا تشكيكاً للوصول الى العدم".
التحرك المدني
وقالت مصادر في التحرك المدني لـ"النهار" إن إقرار مجلس الوزراء مشروع النفايات يريح بعض الشيء الاجواء في البلاد شرط أن يمضي المشروع بعد إقراره قدما في اتجاه التشريع النيابي المتصل بأموال البلديات وإلا فإن الامور في حال المماطلة ستعود الى الوراء. ولفتت الى أن أي تظاهرة جديدة كبرى لم يتحدد موعدها بعد إذ سيعود المنظمون الى اللقاء للتشاور في المرحلة المقبلة. لكن ذلك لا يعني أن جمعيات معينة ستوقف تحركها بل هي ستواصل التحرك على طريقتها. وقدّرت المصادر حجم تظاهرة أمس بأنها تعادل تقريبا ثلثي تظاهرة 29 آب وهذا حجم مهمّ نظرا الى الظروف التي أحاطت بها لاسيما منها المناخية في ظل العاصفة الرملية. وأشادت بالحضور الشبابي الواسع الذي كان منضبطا ولم تقع أية أعمال مخلة بالامن وهذا إنجاز لا يستهان به.
وكرر المتحدثون باسم التحرك في تظاهرة ساحة النجمة مطالب التحرك بحل فوري بيئي لازالة النفايات وتحرير أموال البلديات كما طالبوا باستقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية وانتخابات نيابية في اسرع وقت.