الوضع اللبناني بلغ درجة من الارباك والانهيار بحيث لم يعد ينفع معه أي معالجات حوارية.
ودعوة الرئيس نبيه بري للحوار لا تبدو هي الدواء الناجع للأمراض المزمنة التي يعاني منها لبنان. فالدعوة ليست اكثر من محاولة لاحتواء النقمة الشعبية التي حركت الشارع ضد طغمة حاكمة أوصلت البلد إلى حافة الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي.
وللألتفاف عليها ومن ثم اجهاضها. سيما وأن المدعوين إلى طاولة الحوار هم المكونات الممسكة بمفاصل السلطة والمشاركين بتقاسم جبنة الحكم. وبالتالي فليست هي المرة الأولى التي يتم دعوتهم إلى طاولة حوار تنتهى بما بدأت به بسبب تمسك كل فريق بمشروعه الخاص على حساب المشروع الوطني. والرئيس بري مع كل حكمته ودرايته وخبرته بفن الممكن إلا أن المحاذير الداخلية والاقليمية تحول دون مقاربة الوصفة السحرية للعلاج. وطاولة الحوار التي دعا رؤساء الكتل النيابية للألتقاء حولها تبقى قاصرة عن التوصل إلى صيغة تمكنهم من الخروج من المأزق الدستوري الميثاقي الطائفي الذي يشل معظم مؤسسات الدولة واداراتها.
وأقصى ما يمكن أن تنتجه هذه الطاولة محاولة وربما فاشلة لأدارة الأزمة خصوصا بعد بروز عنصر جديد على المسرح السياسي وهو الحراك المطلبي. فتحرك المجتمع المدني الخارج عن الأطر الحزبية والطائفية والمذهبية. والغير منتمي إلى الانقسامات العامودية التي تشل الحكم منذ عقد من الزمن.
والذي يضم عمليا شرائح واسعة من المجتمع واعدادا كبيرة من الناس وأكثر بكثير ممن نزلوا إلى الشارع. ومن ثم فإن ولاء هذا الحراك وامانيه واماله تنبع من وطنيته ومواطنيته لا من الانتماء إلى هذا التيار السياسي أو ذاك أو الارتباط بهذه الجهة الإقليمية أو الدولية أو تلك. وهذا يشكل مكمن قوته.
مما يجعله عصيا على أي محاولة التفاف عليه أو اختراقه. لكن وفي ذات الوقت فهذا يضعه في مرمى سهام كافة الأطراف المتضررة من حراكه مما يعرضه لخطر محاربته كمقدمة للانقضاض عليه. وإذا كانت الملفات الكبرى التي منها سلاح حزب الله وانخراطه في الحرب السورية وحتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية مرتبطة بحسابات إقليمية.
فإن الملفات الخدماتية كالنفايات والكهرباء والمياه والصحة والتعليم مرتبطة بإصرار القيادات اللبنانية على الولوغ أكثر في دهاليز النظام الطائفي الذي يؤمن لهم مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الناس. لذا فلا يمكن أن يكون هناك أي أمل مع هذه السلطة الحاكمة ولا بطاولات حواراتها مهما تعددت العناوين وتنوعت.
وعليه فإن المطلوب من الحراك المدني والاحتجاجي الذي اقتحم الشارع للمطالبة بحقوق الشعب اللبناني المهدورة والضائعة.
الاستمرار في إثبات وجوده وفي تنظيم صفوفه وتحركه وتوسيع مروحة حراكه لتشمل كافة المناطق اللبنانية وتطوير وسائل اتصالاته مع الطبقة الشعبية المرهونة للقوى الحزبية بخدمات صغيرة لا تتعدي علبة دواء أو حصة غذائية. حتى يصل اليوم الذي يتحرر فيه الناس البسطاء والفقراء من هذا الارتهان ليتسنى لهم إنتاج طبقة سياسية جديدة من خلال صندوقة الاقتراع.