توصّلت القوى السياسية قبل يومين إلى اتفاق على حلّ عقدة التعيينات الأمنية، عبر رفع عدد الألوية في الجيش إلى 12، ومن ضمنهم العميد شامل روكز. الاتفاق يعبّد الطريق في حوار اليوم أمام اتفاق على عمل الحكومة ومجلس النواب، فيما يصرّ الرئيس تمام سلام على حلّ أزمة النفايات، مهدداً بالانسحاب
تُعقد اليوم أولى جلسات الحوار بين «قادة الكتل النيابية» في المجلس النيابي، تلبية للدعوة التي أطلقها الرئيس نبيه برّي قبل عشرة أيام. وعلى الرغم من «انصياع» القوى السياسية للجلوس على طاولة واحدة، إلّا أن «كل فريق أتى إلى الحوار وفق أجندته» على ما تقول مصادر وزارية بارزة.
ويأتي اللقاء اليوم، كاجتماع أوّلي تمهيدي، على وقع التحركات في الشارع التي تفجّرت بعيد أزمة النفايات، إلّا أن مشاركة جميع الكتل النيابية حسمت ليل أمس، باستثناء حزب القوات اللبنانية، وسط انقسام واضح حول أولوية الحلول التي قد يجري التوّصل إليها، ولا سيّما بين تقديم الاتفاق على قانون انتخابي جديد ينتج منه مجلس نيابي فانتخابات رئاسية، وهو ما يصرّ عليه النائب ميشال عون وتنسجم معه قوى 8 آذار والرئيس بري، فيما يصرّ تيار المستقبل على مبدأ انتخاب الرئيس أوّلاً ثمّ البحث في النقاط الأخرى، وهو ما يشجّعه حزب الكتائب اللبنانية، وباقي قوى 14 آذار.
واستبقت «كتلة المستقبل النيابية» أمس، حوار اليوم بما حذّر منه برّي قبل يومين، حين قال إن الحوار لا يبدأ بـ «صباح الخير يا أقرع!»، إذ شنّت الكتلة في بيان تلاه النائب عمار حوري بعد اجتماعها الأسبوعي هجوماً عنيفاً على حزب الله، متهمةً إيّاه بأنه «رأس الفساد»، وبأنه «يحرّض على وسط بيروت، مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، وفيما بدا تحريضاً مذهبياً واضحاً، ربطت «الكتلة» ما جرى في وسط المدينة منذ الثاني والعشرين من آب الماضي، بما سمته «تحريض حزب الله» وايعازه لمجموعات مقربة منه من «المندسين» للاعتداء بـ«حقد واضح على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتمثال الرئيس الشهيد رياض الصلح»، كما وصف البيان الحزب بـ «مسيلمة»، في إشارة إلى «مسيلمة الكذاب»، الشخصية التاريخية في الإسلام.
الجميل يطرح «خريطة طريق» وقد ينسحب من جلسة الحوار للمزايدة على جعجع
وأشارت الكتلة إلى كلام الوزير جبران باسيل عن أن «من سيحرمنا حقوقنا سنحرمه وجوده»، مشيرةً إلى أن «الكلام تهديد خطير للسلم الاهلي، ودفع للّبنانيين نحو التورط في صراعات داخلية سبق أن خبروها ودفعوا ثمنها». وفي لهجة تهديد واضح، رأت الكتلة في مطالبة باسيل بالحقوق «تحريضاً على القتل والاغتيال وعلى الفتنة المكروهة والمرفوضة».
بيان المستقبل، يعكس بحسب مصادر بارزة في قوى 8 آذار «لمسات الرئيس فؤاد السنيورة»، الذي يشارك اليوم كرئيس لكتلة المستقبل في الحوار، وهو الذي «يحاول التشويش منذ اليوم الأول على الحوار». ولم يصدر أي ردّ من حزب الله على كلام المستقبل. وتشير المصادر إلى أن بري دعا رؤساء الأحزاب وقادة التيارات السياسية كالرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس القوات سمير جعجع عبر تحميل وفد من كتلته رسائل لهم، لا رؤساء الكتل، لذلك استخدم مصطلح «قادة الكتل».
وفيما أكّد النائب سامي الجميل مشاركة حزبه في الحوار لأننا «لن نفوت فرصة تحقيق خرق ما في موضوع الرئاسة»، متمنيّاً على بري أن «يحصر جدول الأعمال بملفّ انتخاب رئيس للجمهورية»، تردّد أن الجميّل قد ينسحب من الجلسة بعد حضوره، بهدف المزايدة «مسيحياً» على موقف جعجع. وتوقّعت مصادر مطلعة أن يطرح الجميل «خطته» لمعالجة النفايات، وفي حال رفضها، سينسحب. وقال الجميل أمس إنه سيقترح خريطة حل للازمة السياسية، تبدأ بانتخاب رئيس، ثم تأليف حكومة تكنوقراط ثم انتخابات نيابية.
كذلك قالت مصادر وزارية إن رئيس الحكومة تمام سلام «سيدخل الجلسة ويطلب من الأفرقاء أن تعالَج أزمة النفايات سريعاً، وأن تقدّم على أي بند آخر في الحوار. وإذا لم يُبحث ملف النفايات، فسيعلن انسحابه من الحوار، لأنه برغم التقدير لكافة القضايا المطروحة، فإن معالجة ازمة النفايات تتقدّم على كل ما عداها».
وفي الوقت الذي يبدو فيه الحوار الحالي آخر الفرص الداخلية أمام اللبنانيين للوصول إلى تفاهمات «الحد الأدنى» مع استمرار احتضار النظام السياسي الحالي، قبل الاضطرار إلى طاولة حوار في الخارج على وقع ما يحصل في المنطقة، لا تضع غالبية القوى رهانات كبيرة على الحوار. ويقول أكثر من مصدر مشارك في الحوار من قوى 8 و14 آذار، إنه «من الصعب أن يجري القفز فوق بند رئاسة الجمهورية في الجلسة الأولى، مع العلم بأننا لن نصل إلى أي مكان في هذا البند مستقبلاً، إضافةً إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن قانون الانتخاب»، مستبعدة أن يجري «تقويض الحوار» في المدى القريب. بينما تتوقّع مصادر وزارية مشاركة أن يجري الاتفاق في الجلسات المقبلة على آلية عمل الحكومة، وعلى فتح مجلس النواب لتمرير «المشاريع الحياتية»، ضمن مبدأ تشريع الضرورة. وتشير مصادر أخرى إلى أن الحوار قد ينتج منه سريعاً اتفاق على حل مسألة التعيينات الأمنية.، إذ يؤكّد أكثر من مصدر أن اتفاقاً أولياً جرى قبل يومين، بناءً على اتصالات أجراها السفير الأميركي ديفيد هيل والوزير وائل أبو فاعور مكلّفاً من جنبلاط، على حلّ أزمة التعيينات الأمنية لمنع استبعاد العميد شامل روكز عن إمكانية وصوله إلى قيادة الجيش. وتقول المصادر إن غالبية القوى السياسية وافقت على رفع عدد الألوية في الجيش إلى 12، أي بزيادة ستة ألوية من الضباط. وأنه طُرحت صيغتان وحتى الآن لم تُحسم ولم تُعتمَد إحداها، أولاهما تقضي بترفيع قادة المناطق من العمداء في الجيش إلى رتبة لواء، إضافة إلى روكز، والثانية تقضي بترفيع نوّاب رئيس الأركان الأربعة، إضافة إلى روكز وزيادة لواء درزي. وتربط المصادر بين التوصّل إلى حلّ أولي في مسألة التعيينات الأمنية، و«تليين» موقف عون لحلحلة مسألة فتح مجلس النواب وتسهيل أعمال الحوار.
وفي ما خصّ التظاهرات التي سترافق بدء أعمال الحوار صباح اليوم، تتوقّع مصادر أمنية أن يحاول المتظاهرون، شكلياً، الدخول إلى ساحة النجمة، متوقعة ألا تتجاوز «الاحداث الأمنية» تعرّض مواكب المشاركين في الحوار إلى الرشق بـ«البندورة والبيض». وتؤكّد أن القوى الأمنية والجيش نفّذا خطّة انتشار لحماية الطرقات التي سيسلكها المشاركون. ورأت المصادر أن قرار الحكومة تعطيل المؤسسات اليوم بفعل العاصفة الرملية، قد ينعكس زيادة في أعداد المتظاهرين. وبدا لافتاً التصريح الذي أدلى به قائد الجيش العماد جان قهوجي بعد زيارته البطريرك بشارة الراعي مساءً، إذ رأى أن «الأملاك العامة هي ملك للشعب، والجيش هو جزء من المجتمع وهو لن يتهاون في حماية التحرك وحرية التعبير... مانعاً تحويلها عن مسارها السلمي»، وأنه «يحمي في الوقت نفسه الاستقرار الداخلي والمؤسسات والممتلكات العامة».