في الأحوال الجوية والسياسية، وبالمختصر المفيد، «الأصفر» يخنق البلد. فعلى مستوى الطقس الرملي يواصل غبار العاصفة الصفراء تمدده الخانق على امتداد الخارطة الوطنية خاطفاً الأنفاس والأرواح ومستنفراً الطواقم الطبية والإسعافية لإنعاش المصابين بحالات اختناق (ص 10-11) ما فرض إعلان إغلاق المدارس والمؤسسات والإدارات العامة اليوم حرصاً على صحة المواطنين. أما على المستوى السياسي، فلا يزال «حزب الله» يحفر عميقاً في أرضية الدولة تمهيداً لغرز رايته التعطيلية «الصفراء» فوق أنقاض الجمهورية بعدما نجح في خنق مؤسساتها الدستورية واحدة تلو الأخرى بقفازات «برتقالية» أطبقت على الرئاسات الثلاث وتكاد تجهض حوار الإنقاذ في مهده من خلال إطباق رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على جدول أولوياته ومحاولة حرفها عن مسار الحلول الدستورية الوطنية باتجاه مستنقع «أنا ومن بعدي الطوفان». 

وعشية انعقاد الحوار اليوم على وقع التحركات المطلبية التي ستواكبه في الشارع، توجهت كتلة «المستقبل» النيابية «بالتحية من الحراك الشبابي والمدني المنتفض على الشلل الذي يصيب الدولة وعلى الإهانة المتمادية لكرامة كل مواطن»، داعيةً الحكومة إلى الالتئام فوراً لحل أزمة النفايات، ومطالبةً في معرض تبنيها «مطالب استئصال الفساد من جذوره» بإقرار مشروع القانون الذي تقدمت به حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 والرامي إلى إجراء محاسبة دقيقة وعلمية لمالية الدولة منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم «ليتحمّل كل من تورّط بالتطاول على أموال اللبنانيين مسؤوليته الكاملة أمام الشعب».

النفايات

وفي مستجدات مسلسل التعطيل الطويل، كشفت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لا يزالان يحولان دون تطبيق الحلول المرحلية الموضوعة لأزمة النفايات من خلال رفضهم المستمر لانعقاد مجلس الوزراء في سبيل إقرار هذه الحلول بالاستناد إلى التقرير الذي أعدته اللجنة المختصة برئاسة الوزير أكرم شهيب، مشيرةً إلى أنّ رئيس الحكومة تمام سلام يعتزم إثارة ملف النفايات على طاولة الحوار اليوم من زاوية مطالبة الأفرقاء السياسيين بتحمل مسؤولياتهم في هذا الملف رأفةً بالوطن وصحّة أبنائه.

وإذا كان بعض المراقبين يعوّل على إمكانية أن يحقق الحوار خرقاً معيّناً في جدار التعطيل يفتح المجال أمام تفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء، إلا أنّ الملاحظ على مستوى معظم الأوساط المراقبة والسياسية هو إبقاء سقف التوقعات منخفضاً تجاه الحوار وما يمكن أن يخرج به ربطاً بالتعنت الحاصل من قبل الفريق المستأثر بالسلطة والذي يرهن البلد لحسابات ومصالح فئوية وإقليمية.

وأمس زار شهيب رئيس الحكومة وسلّمه تقرير اللجنة المختصة وفيه تصوّر كامل للحلول المقترحة التي تتضمن مرحلة انتقالية لا تتعدى 18 شهراً وصولاً إلى الحل المستدام لأزمة النفايات، مشيراً إلى أنّ الملف بات في عهدة سلام «وله وحده اتخاذ القرار المناسب في أسرع وقت ممكن». وعلمت «المستقبل» أنّ رئيس الحكومة باشر في إجراء سلسلة اتصالات مع القوى السياسية المعنيّة توصلاً إلى تفاهم جامع يتيح اتخاذ القرار بشأن المواقع اللازمة التي يتطلبها تطبيق الخطة المرحلية المقترحة في تقرير اللجنة المختصة. في حين سيستكمل شهيب بدوره اتصالاته ومشاوراته مع مرجعيات معينة بهذا الخصوص، على أن يتّجه سلام في ضوء نتائج مجمل هذه الاتصالات إلى اتخاذ قراره بشأن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بغية مناقشة الخطة وإقرارها.

«المستقبل»

بالعودة إلى المواقف السياسية، فقد برز أمس البيان الصادر عن كتلة «المستقبل» إثر اجتماعها الأسبوعي والذي تضمّن سياقاً تفنيدياً واضحاً في مقاربة القضايا الوطنية العالقة على حبال التعطيل مؤسساتياً وحياتياً واقتصادياً ومالياً. ففي موضوع الحوار، أكدت الكتلة أنها تشارك فيه بهدف تحقيق أولوية مطلب انتخاب رئيس للجمهورية باعتباره الممر الحقيقي والمدخل الدستوري الضروري لإعادة الانتظام العام للمؤسسات على أمل تلبية مطالب اللبنانيين بفك أسر الدولة ومؤسساتها عبر هذا المدخل لكي لا تصبح جلسات الحوار هدراً للوقت وإشغالاً للبنانيين ولوسائل الإعلام دون طائل، مع تحذيرها في المقابل من تداعيات استمرار المراوحة وعدم المبادرة إلى حسم مسألة الشغور الرئاسي على كافة أوجه المصلحة الوطنية «إذا ما استمر ترف التعطيل السياسي ضارباً ومسيطراً على تصرفات «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» والقوى الحليفة لهما المحمية بالسلاح الخارج على الإجماع الوطني وعلى القانون وعلى روحية العيش المشترك».

وإذ ردّت الكتلة على «الحملة العنيفة والمنظمة التي يشنها إعلام «حزب الله» ومسؤولوه وأبواقه» لحرف مسار الحراك المدني واستغلال شعارات مكافحة الفساد لمآرب الحزب السياسية، شددت «المستقبل» على وجوب اتحاد الجهود لمكافحة الفساد، مذكّرةً الرأي العام بأنّ حكومة السنيورة كانت قد أحالت مشروع قانون في أيار 2006 إلى المجلس النيابي ينطوي على التأكيد على العمل المؤسساتي والعلمي والموضوعي والحقيقي بعيداً عن الشعبوية والمزايدات، وبأنّ نواباً من كتلة «المستقبل» ومن قوى 14 آذار تقدموا بعدها في العام 2008 باقتراح لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتدقيق في كل التفاصيل المالية منذ الطائف وحتى تاريخه، إلا أن فريق «حزب الله» وحلفائه وقف في وجه إقرار مشروع القانون. 

كما توقفت الكتلة أمام أبعاد ومعاني الكلام الذي قاله رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في تظاهرة ساحة الشهداء الجمعة الفائت، واصفةً هذا الكلام الذي يهدد مكونات وطنية بحرمانها «من الوجود» بأنه كلام خطير على السلم الأهلي وبعيد كل البعد عن الوطنية الحقّة والحرية ويجسد تحريضاً على القتل والاغتيال وعلى الفتنة المكروهة والمرفوضة.

عون

وأمس، جدد عون إثر اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح» التهديد بالنزول إلى الشارع متعمّداً الإطباق على طاولة الحوار عشية انعقادها من خلال إعادة شقلبة أولوياتها من رئاسية إلى نيابية، ومحاولاً ابتزاز المتحاورين وإخضاعهم لمشيئته في فرض انتخاب رئيس للجمهورية «من الشعب» مباشرةً، وقال: أتمنى ألا نُجبر على العودة مرة ثانية إلى الشارع وعلى الأرجح سنعود (...) نتمنى على المسؤولين الذين سنجتمع بهم غداً (اليوم في الحوار) أن يكونوا فهموا الحديث وأكيد فهموا لأنهم «شاطرين».

الجميل

في المقابل، شدد رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل على ضرورة تحرير الوطن من قيود سياسة التعطيل والابتزاز المستمرة «لمصلحة شخص»، لافتاً انتباه المسيحيين إلى محاذير طرح عون انتخاب رئيس من الشعب باعتباره طرحاً لا يؤدي إلى تأمين حقوقهم بل إلى هدرها وتهديد صيغة المناصفة في الدولة.

وأعلن الجميّل أن «الكتائب» سيطرح اليوم على طاولة الحوار فكرة وطنية مطابقة للدستور يمكنها حل الأزمة المؤسساتية «في يوم واحد» وهي تنص على: «اجتماع مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية ما يؤدي تلقائياً إلى استقالة الحكومة، ثم يصوّت المجلس في الجلسة عينها على مشاريع القوانين الانتخابية وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية وتقصير ولاية المجلس الحالي لإجراء الانتخابات الجديدة بعد شهر»، داعياً إلى تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الانتخابات ومن ثم الخوض بشكل دستوري في تطوير النظام السياسي بوجود رئيس للجمهورية ومن خلال مجلس نيابي منتخب من الشعب عبر الآليات الدستورية والمؤسساتية المتبعة في النظام.