في خطوة سَلبية وخطيرة على الجيش اللبناني، عاوَد بعض السياسيين محاولة تمرير ترقية عدد محدود جداً من عمداء الجيش إلى رتبة لواء، قبل انطلاق الحوار، في بازار يهدف إلى إرضاء العماد ميشال عون بترقية العميد شامل روكز، في مقابل تنَحّيه عن الترشّح لرئاسة الجمهورية والقبول بمرشّح آخر. استغربَت مصادر مطّلعة إصرارَ البعض على هذه المحاولة، على رغم التحذيرات من انّ هذه الخطوة تضرّ بالجيش وتهدّد بنيتَه وهرَميته، وتحرم أكثرَ مِن 440 عميداً من الترقية أسوةً بالمطروحين، لأهداف سياسية، وتوَلّد استياءً عارماً لديهم، وتَخلَق حالة من البَلبلة والتململ في صفوف المؤسسة العسكرية، في وقت يحتاج اللبنانيون الى أقصى درجات التماسك في الجيش وتركيزه على التصَدّي للإرهابيين على الحدود والحفاظ على وحدة البلد والاستقرار.

وكشفَت المصادر أنّ «مَن يحاولون المساومة على ظهر الجيش، لمصالحهم الخاصة، كما حصَل في النفايات والكهرباء وغيرهما، يلحِقون أذىً فادحاً بالمؤسسة العسكرية، وهم مِن أجل تسهيل تمرير هذه الصفقة يَدّعون وجودَ غطاء خارجي أميركي وأوروبّي للترقيات المزعومة، على رغم أنّ المعلومات المؤكّدة نفَت وجود مثلِ هذه التغطية الخارجية، لا بل إنّها كشفَت أنّ الولايات المتحدة وأوروبا تدعمان بقوّة الجيش اللبناني كمؤسسة وليس كأشخاص، وإنّها قلِقة من أيّ صفقات سياسية على حساب بنية الجيش وهيكليتِه وسمعتِه ومعنويات كلّ ضبّاطه، خاصةً في هذه المرحلة التي يَنهمك فيها الجيش في حماية الشعب اللبناني، وتأمين حدود لبنان، وصَدّ تطرّفِ ووحشية «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرهما من الجماعات المتطرفة الرامية إلى زعزعة استقرار لبنان».

ونَقلت المصادر عن دبلوماسيين أوروبيين تحذيرات بضرورة عدم التدخّل السياسي في شؤون الجيش، ملوّحين بوقف المساعدات العسكرية إذا تمّ التلاعب ببنيته.

وأشارَت المصادر الى انّ الرئيس سعد الحريري لا يشَجّع هذا البازار الذي يمسّ بالجيش، وليس مضطرّاً لتحَمّل حرمان كلّ العمَداء السُنّة من الترقية. وكذلك القوات اللبنانية وغالبية قوى 14 و8 آذار، فهي غير متحمّسة لأيّ بازار على حساب الجيش. وفي حين أنّ مواقف 14 آذار واضحة في هذا الأمر، فإنّ بعض قوى 8 آذار لا يكشف عن موقفه تجَنّباً لإغضاب عون، على رغم معرفتِهم بتداعيات الصفقة على الجيش.

وأكّدت المصادر أنّ الجيش مِن جهته، لا يَستسيغ إطلاقاً التلاعب بهرَميته، ولا سيّما أنّ سلسلة القيادة ستُكسَر في نتيجته. وأضافت انّ تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات إدمون فاضل «كان لتجنّب التلاعب بهرَمية الجيش والمخابرات في هذا الوقت لقضايا تتعلق بمكافحة الإرهاب، وما يحاولون تمريرَه اليوم هو معاكس تماماً للقرارات التي اتّخِذت بهدف حفظ الإستقرار داخل الجيش».

أمّا النائب وليد جنبلاط فله، حسب المصادر، حساباتٌ أخرى. فهو يحاول تهدئة عون قبل الحوار وخلاله، من دون قياس المخاطر على مؤسسة الجيش. وتخَوّفت المصادر من نقلِ عدوى إقفال مطمر الناعمة الذي أودى بالبلاد نحو الفوضى والأمراض والشارع، إلى مؤسسةِ الجيش الملاذِ الأخير للّبنانيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ويبقى انّ العميد روكز الذي عُرِف بحِرصه على مؤسسة الجيش لا يقبَل أن يُتّخَذ وسيلةً للبازار والصفقات الرئاسية على حساب المؤسسة التي وهبَها عمرَه، وهو يدرك تماماً أنّ ترقية 8 من رفاقه ليست إلّا تغطية لترقيته شخصياً.

السباق بين مسارين

وفي سياق آخر فإن السِباق المحموم قائم بين مسارَين: المسار الأوّل في الشارع من خلال الدعوات إلى التظاهر غداً، حيث من المتوقع، بفعل التعبئة القائمة، أن تكون هذه التظاهرة الأكثر حشداً، مقارنةً مع ما سبَقها من تظاهرات، وذلك بفعل عاملَي التراكم والتحدّي.

والمسار الآخر في الحوار من خلال استعدادات القوى المشاركة، والتعويل على أن يختلف في حلّتِه الجديدة عمّا سبَقه من حوارات، خصوصاً أنّه يجري على وقع التظاهرات في الشارع والحملة التي يقودها بعض مَن في هذا الشارع ضدّ الطبقة السياسية، الأمر الذي يمثّل أكبر تحَدّ أمام المجتمعِين من أجل إظهار قدرتِهم على تفكيك الأزمة السياسية ولبنَنة الحلول.

وفي موازاة مسارَي الشارع والحوار قفَزت إلى الواجهة زيارتان: الزيارة الأولى للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان في مطلع الشهر المقبل مبدئياً والتي تندرج في إطار الدعم الدولي-الفرنسي للاستقرار في لبنان من خلال ثلاثة عناوين: إنتخاب رئيس جديد يُعيد الحيوية إلى المؤسسات الدستورية، دعم الجيشِ اللبناني وتعزيز قدراته، وتمكين لبنان من مواجهة التحدّي الكبير المتّصل باللاجئين السوريين.

والزيارة الثانية تتّصل باللقاءات التي عَقدها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مع المسؤولين القطريين وفي طليعتهم أمير الدولة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحضور وزير الخارجية القطري خالد العطية، خصوصاً أنّ زيارته لقطر بعد السعودية أشّرَت إلى الدور السياسي الإقليمي لجعجع.

ولا يبدو أنّ العاصفة الرملية التي تضرب لبنان وسط الدعوات الى عدم خروج المواطنين من منازلهم ستؤثر على حراك الشارع غداً وسط التعبئة العامة الحاصلة، ولكنّ هذه التعبئة لن تتحوّل إلى عاصفة شعبية في ظلّ تأكيد المنَظمين على سِلمية التحرّك، واتّخاذ القوى الأمنية كلّ التدابير لإبقاء الأمور تحت السيطرة.

هولاند يزور لبنان

وفي هذه الأجواء، أعلنَ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنّه سيزور لبنان وسيَلتقي المسؤولين السياسيين، من دون أن يحدّد موعدَ الزيارة.
وقال هولاند في مؤتمر صحافي أمس: «سأذهب الى لبنان لزيارة مخيّم للّاجئين، لنتمكّن تحديداً من مساعدتهم حتى يستطيعوا البقاءَ هناك بالقرب من المكان الذي كانوا يعيشون فيه قبل بضعة أشهر».

وأشار إلى أنّ النزاع في سوريا نتجَت عنه «عواقب كبرى» على لبنان الذي يَشهد «أزمة سياسية». وأضاف: «لم يتمّ انتخاب الرئيس في لبنان، والبرلمانُ يواجه صعوبات في عَقد جلساته، وعلينا أن نقف الى جانب اللبنانيين».

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ زيارة هولاند الى لبنان تتمّ بالتنسيق مع الفاتيكان، وسيَسبقها اتصالات وزيارات فرنسية الى كلّ مِن ايران والسعودية كما قد يسبقها ايضاً زيارة بعض المسؤولين اللبنانيين الى باريس.

وتأتي زيارة هولاند الى لبنان للتأكيد على العلاقة التاريخية بين البلدين أوّلاً، ورسالة فرنسا الإنسانية تجاه النازحين السوريين ثانياً.
وفي الفترة الفاصلة عن موعد الزيارة يُفترَض ان تكون توضَّحت بعض المعالم الامنية في لبنان لجهة الحراك المدني والتظاهرات المطلبية ومستقبلها، وبعض المعالم السياسية لجهة الحوار وانتخابات رئيس الجمهورية.

وفي المعلومات ايضاً أنّ باريس شعرَت في الآونة الاخيرة بأنّ هناك من يحاول خطفَ العلاقة الخاصة بين لبنان وفرنسا الى دوَل أخرى، فيأتي هولاند ليؤكّد حرصَه على منع انتقال لبنان الى أحضان أمّ حنون اخرى. كذلك إذا لم يحصل أيّ خَرق في الملف الرئاسي، فإنّ زيارة هولاند بنفسها ستُحدِث الخرق بعدما أعلنَ مسبقاً أنّه سيلتقي الأطراف السياسية في لبنان.

مصادر مراقبة

وفي السياق نفسِه أكّدت مصادر مراقبة لـ»الجمهورية» أنّ إعلان الرئيس الفرنسي عن زيارته للبنان يشكّل ترجمة عملية لموقف الدولة الفرنسية والمجتمع الدولي الداعم لهذا البَلد سياسياً وعلى كافة المستويات الأخرى.

وكشفَت المصادر أنّ باريس دفعَت باتجاه أن تلتئمَ مجموعة الدعم الدولية للبنان على هامشِ الجمعية العامّة في 30 الحالي على المستوى الوزاري، في خطوةٍ ترمي إلى تأكيد العناية الدولية الساهرة على لبنان، وتوجيه رسائل في كلّ الاتجاهات بأنّ الاستقرار في لبنان خطّ أحمر.

وذكّرَت المصادر بأنّ الرئيس هولاند كان قد أصَرّ بَعد انتخابه على أن يكون لبنان المحطة الأولى في إطار جولاته الخارجية في الشرق الأوسط، فزارَه في 4 تشرين الثاني 2012، كما ذكّرَت بلقاءاته الدورية مع بعض المسؤولين اللبنانيين للاطّلاع منهم تفصيلياً على الوضع في لبنان، الأمرُ الذي جعَله مُلِمّاً بكلّ جوانب الأزمة اللبنانية.

ورأت المصادر أنّه استناداً إلى الأولويات التي كان أعلنَها السفير الفرنسي إمانيول بون فَورَ تسَلّمِه مهامَّه في لبنان، فإنّ الدعم الفرنسي للبنان يتمحوَر حول ثلاثة عناوين أساسية:

العنوان الأوّل، إبقاء الملف اللبناني في طليعة الاهتمام الدولي بغية خلقِ المناخات المواتية لحلّ أزمته السياسية التي تشلّ المؤسسات الدستورية، خصوصاً أنّ باريس تتمسّك بعَقد جلسة فورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تعيد الحيوية إلى السلطَتين التشريعية والتنفيذية.

العنوان الثاني، الحِرص الفرنسي على استقرار لبنان الذي يترجَم من خلال الدعم المطلق للجيش، والمساهمة الفاعلة في اليونيفل.

العنوان الثالث، الدعم للشعب اللبناني من أجل تمكينه من مواجهة التحدّيات المتصلة باللاجئين السوريين. وعشية جلسة الحوار، برزَت زيارة للسفير الأميركي ديفيد هيل إلى عين التينة، حيث عرض مع رئيس مجلس النواب نبيه بري للأوضاع الراهنة.

«الكتائب»

وأرجَأ المكتب السياسي لحزب الكتائب اجتماعَه الدوري الأسبوعي من عصر أمس الى ما بعد ظهر اليوم. وقالت مصادر كتائبية لـ»الجمهورية» إنّ النائب سامي الجميّل سيتحدّث في ثلاثة عناوين أساسية وهي: جدول أعمال الحوار، آليّة العمل الحكومي، والحراك الشعبي.

جعجع

إلى ذلك، يَستكمل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع جولته الخارجية، وأكّدت مصادر قواتية لـ«الجمهورية» أنّ «جعجع سيقوم بزيارة خاصة الى اوروبا بعد قطر، ستستمرّ أياماً». ولفتَت المصادر الى أنّ «لقاءات جعجع في قطر والبلدان العربية وأوروبا ترَكّز على ضرورة دعم هذه البلدان لسيادة لبنان وإستقلاله، وتأمين المظلة الإقليمية والدولية الضرورية لحمايته وسط عواصف المنطقة، حيث إنّ الجهد الإستثنائي الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية لحماية الحدود وتثبيت الأمن في الداخل يجب أن يترافق مع نشاط ديلبوماسي خارجي يكفَل وقوفَ الدوَل الكبرى الى جانب لبنان في هذه المرحلة المصيرية».

وكان جعجع والنائب ستريدا جعجع والوفد المرافق التقوا أمير الدولة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحضور وزير الخارجية القطري خالد العطية. وأوضَح بيان صادر عن المكتب الاعلامي لجعجع، انّ البحث تناولَ الأوضاع في لبنان والمنطقة، حيث تَوافقَ الطرفان على ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بأقرب وقت ممكن بعد التأخير المتمادي الحاصل. وطرحَ جعجع مسألة العسكريين المخطوفين، فوَعده بن حمد بـ»أن تَستكمل قطر وضعَ جهودها وإمكاناتها في سبيل إيجاد حلّ لهذه القضية الوطنية».