تقترح لجنة الخبراء التي يرأسها وزير الزراعة اكرم شهيب، وفق المعطيات التي جرى تداولها، تحرير قطاع النفايات والعودة بهذه المهمة المركزية الى البلديات. المفاعيل العملية لهذا الخيار الذي اعتمدته اللجنة، ويتوقع أن يتبناه مجلس الوزراء في جلسة استثنائية مخصصة لمناقشة قضية النفايات، الخروج من الحلقة المركزية في ادارة النفايات القائمة على الاحتكار منذ ما يزيد على ١٨ عاماً في بيروت وجبل لبنان، باتجاه تكريس اللامركزية.

لا بل إن هذه الخطوة، إن رُصد التمويل اللازم لإنجاحها، ستشكل المهمة الاكبر للبلديات لاستعادة دورها ومهماتها، بعد ان بقيت منذ اول انتخابات بلدية في عام ١٩٩٨، هياكل «منتخبة» من دون عائدات تسمح لها بممارسة مهمات تنموية حقيقية، باستثناء بعض المشاريع الممولة من الجهات المانحة، والتي شابها الكثير من العيوب، إن لجهة طريقة التنفيذ، أو لجهة دخولها في صراعات البلديات، التي يغلب على عضوية مجالسها المنتخبة الطابع العائلي والحزبي والمذهبي.
تقسم ورقة عمل «لجنة الخبراء» اقتراحها الى مرحلتين: الاولى انتقالية تستكمل خلالها الادارة المركزية تنفيذ مهمات ادارة النفايات في بيروت وجبل لبنان من خلال نقلها وفرزها وطمرها في مطامر «الأطراف»، وقد حددت هذه الفترة الانتقالية بفترة اقصاها ١٨ شهراً تكون خلالها البلديات قد اتفقت على رقعة المنطقة الخدماتية التي يفضل أن تنتج قرابة ٢٠٠ طن يومياً كحد ادنى، بهدف تحقيق جدوى اقتصادية من اقامة مراكز المعالجة وتلزيمها لشركات القطاع الخاص او ادارتها مباشرة من قبل البلديات. كذلك يفترض ان تقوم لجنة مركزية برئاسة وزير الداخلية والبلديات وعضوية الوزارات المعنية بمساعدة البلديات ضمن المناطق الخدماتية التي يُتَّفَق عليها لتحضير دفتر الشروط لإجراء المناقصات بدعم تقني من وزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار.


اقتراح إنشاء مطمر في السلسلة الشرقية يرتبط بإقرار هبة مالية لمنطقة البقاع

 

اما المرحلة الطويلة الامد التي يفترض ان تمتد لفترة ١٢ عاماً، فيفترض أن تستند إلى مجموعة من الاجراءات، أهمها اقرار نصوص تشريعية تسمح بتخفيف انتاج النفايات، واعتماد مبدأ الفرز من المصدر وإعادة الاستعمال والتدوير للقسم الأكبر من النفايات واسترداد الطاقة، على ان لا تتجاوز كمية النفايات التي تذهب الى الطمر نسبة ٢٥ في المئة من اجمالي النفايات المنتجة. وهذا يستدعي إقرار مبدأ الفرز من المصدر في دفتر الشروط، وتدعيمه بالفرز التكميلي عند المستوعبات والثانوي في مراكز الفرز، حيث تُخفَض الكميات بنحو ملحوظ، وبالتالي العناية المركزة بمعالجة النفايات العضوية، لتخفيف كمية النفايات التي تحتاج الى طمر.
هذا يعني ان نجاح المرحلة الانتقالية يرتبط عضوياً بخيار نقل نفايات بيروت وجبل لبنان الى مطامر في الاطراف. تعوّل الخطة على ان التجربة التي بدأ العمل عليها لإعادة تأهيل مكب سرار وتحويله الى مطمر صحي يمكن تعميمها لتشمل منطقة البقاع، وتحديداً اختيار موقع في السلسلة الشرقية مأمون من الناحيتين الأمنية والبيئية لكي تُقتسَم كمية النفايات الناتجة من بيروت وجبل لبنان على مطمرين مركزيين: الاول في الشمال، والثاني في البقاع. يقود هذا الخيار الى ضرورة أن يترافق اقتراح إنشاء مطمر في السلسلة الشرقية مع اقرار هبة مالية لمنطقة البقاع تعادل الهبة الممنوحة لعكار البالغة مئة مليون دولار اميركي عبر الهيئة العليا للإغاثة. على ان يحظى الموقع المقترح في البقاع بقبول البلديات واتحادات البلديات في البقاع والقوى السياسية في المنطقة، وهي مسألة لم تحسم بعد بحسب مصدر متابع لمسار الملف. ويؤكد المصدر أن ورقة عمل لجنة الخبراء لن تعرض على مجلس الوزراء قبل الحصول على موافقة القوى السياسية في البقاع على الاقتراح، لأنه لا يمكن السير باقتراح نقل جميع نفايات بيروت وجبل لبنان الى عكار ضمن المرحلة الانتقالية، ولا بد من توزيعها على اكثر من منطقة.
النقطة الاخرى التي لا تزال تخضع للنقاش، هي فتح النقاش مع القوى السياسية في منطقة المتن، وخصوصاً الاحزاب الارمنية، لقبول الطرح القديم ــــ الجديد بتأهيل مكب برج حمود ضمن المرحلة الانتقالية، على ان تستقبل الخلية التي ستنشأ لمعالجة النفايات العضوية التي ستفرز من المكب جزءاً من النفايات العضوية الناتجة يومياً من اقضية جبل لبنان، وذلك للتخفيف من الكمية التي سترحل يومياً الى عكار والبقاع والتي يفترض ان تتقلص تدريجاً خلال فترة الـ ١٨ شهراً، بعد ان تبدأ المناطق الخدماتية الجديدة عملها.
في المقابل، يطرح عدد من الجمعيات البيئية ضرورة عدم نقل نفايات بيروت وجبل لبنان الى الاطراف، بل فرزها قبل نقلها وتوزيع كل صنف الى مقصده، من مواد غير عضوية صالحة لإعادة التدوير والمواد العادمة، ونقل المواد العضوية، مع أو دون فرمها، بحسب وضعها، الى مواقع مختلفة زراعيّة او سواها. وبعدها تُفلَش كافة المواد العضوية المفروزة بغية تهويتها وتجفيفها في الطبيعة التي تعود اليها. لكن هذا الاقتراح، على اهميته، سيعيد فتح النقاش حول امكانية قبول البلديات التي تقع ضمنها مواقع كسارات ومقالع بحاجة لإعادة تأهيل، والتي رفضت في السابق نقل النفايات اليها بذريعة انها ستطمر وتلوث التربة، علماً ان جميع ردود فعل السكان والبلديات الرافضة لنقل النفايات الى اماكن قريبة منها لا تميز بين طبيعة النفايات وتصر على رفض هذه الخطوة دون الدخول في اي تفاصيل حول نوعية النفايات وما اذا كانت العضوية منها قابلة للتحلل في الهواء الطلق.