بالشكل، بدا الحشد الشعبي العوني أمس أكثر عدداً من التظاهرة المتواضعة الأخيرة وبلغ بحسب تقديرات القوى الأمنية الرسمية ما بين 15 و20 ألفاً تجمعوا في وسط ساحة الشهداء، في حين تحدثت التقديرات العونية عن نحو 70 ألفاً. أما في المضمون، فقد حرص العونيون، في الشق الشعبوي من الحشد، على التموضع في موقع التنافس مع الحراك المدني من خلال التصويب المباشر والعلني على هذا الحراك وتوجيه الانتقادات اللاذعة له وللناشطين فيه مع ذكر بعضهم بالأسماء وإعادة اتهام المجتمع المدني بسرقة الشعارات «البرتقالية»، بينما في الشق السياسي من المضمون بدا الخطاب العوني عبارة عن صراخ سياسي مكرّر بأفكار وشعارات مكررة لم تحمل أي جديد وازن يُعتد به أو يؤسس عليه، وجُلّ ما تقاطعت عنده قراءات وتحليلات معظم المراقبين هو اعتباره مهرجاناً للتوريث العوني من العمّ السلف إلى الصهر الخلف في سدّة الرئاسة الأولى لـ»التيار الوطني الحر». 

وفي السياق التوريثي للمهرجان، كان لافتاً للانتباه ضمور ظهور النائب ميشال عون واقتصاره على دقائق معدودات أطلّ فيها في ختامه عبر الشاشة ليحيي بصوت مبحوح المتظاهرين على «إخلاصهم وأخلاقهم»، ولشكرهم على «تلبية النداء» في ما وصفه بـ»اليوم المجيد»، قبل أن يُسارع إلى الاعتذار عن الإطالة في الحديث بداعي المرض. أما رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل فكان قد أطال وصال وجال على خشبة المهرجان حيث اعتلى المنبر وخاطب الساحة العونية بنبرة عالية لم تحظ بأي تفاعل من الحشود الذين بدت قلة الحماسة واضحة على محياهم أثناء خطبة باسيل بعدما كانوا قبلها متحمّسين ومتفاعلين مع كلمات الخطباء الذين سبقوه إلى المنبر، ثم ما لبثوا أن عادوا إلى الحماسة والتفاعل بمجرد انتهاء الخطبة مرددين شعار «ألله لبنان عون وبس».

وفي خلاصة الصراخ السياسي الذي تضمنه خطاب باسيل، هجوم مركّز على موقع الرئاسة الثالثة وتلويح بـ»تسونامي» قادمة إلى «ساحة الشعب» في قصر بعبدا. أما ما عدا ذلك، فمطالبة بالكهرباء التي كان قد وعد اللبنانيين بها 24/24 في مطلع 2015 حين توليه وزارة الطاقة، ومطالبة بإجراء انتخابات نيابية كان قد حرم «التيار الوطني الحر» من إجرائها على المستوى الحزبي، وانتخابات رئاسية «تحول دون فرض رئيس على اللبنانيين» بعدما حال هو نفسه دون ممارسة هذا الحق في التيار من خلال فرض تعيينه رئيساً على العونيين.