القصة ليست قصة عداد للسيارات على كورنيش المنارة ولا قصة تشبيح ولا رخصة سلاح ورخصة زجاج "مفيم" للسيارات، ولا قصة التعدي على المشاعات والاملاك العامة ومصادرتها لحساب هذا المتنفذ او ذاك. بل ان القصة كل ذلك واكثر، في ضرب مفهوم الدولة والقانون. القصة قصة قيم الدولة، او قل قيم الميليشيات التي تصادر كرامات الناس وحقوقها، تصادر الحق العام لحساب الخاص، ان كان حزبا او متنفذاباسم الطائفة والمذهب وشعارات القضايا الكبرى... القصة ان القوة والتشبيح يكتسحان كل ما هو نظيف في هذا البلد.
الفساد، يا أخي في الوطن، هو في مافيات تمسك مفاصل البلد في المرافىء في المرافق العامة في الكسارات في النفايات: مافيا المولدات الكهربائية، مافيا تحتمي تحت سلطة الميليشيا، بالمتنفذين. ومن يستطيع ان يحاسب صاحب مولد كهربائي خاص اذا ما اخطأ او افسد او اساء؟ لا أحد. فهو الأقوى بقوة الامر الواقع وليس بقوة القانون، بقوة التشبيح المتحكم في علاقات المواطن والمسؤول وصاحب الخدمة والمنتفع بها.
الفساد يبدأ من شعور المفسد انه قادر على تجاوز القانون من دون ان يحاسبه احد. فهل رأيتم فاسدا حقيقيا يحاسب في هذه الدولة؟ ومن جرت محاسبته ذات مرة ليس بسبب انه افسد، بل لأنه تجاوز شروط عملية الفساد وشبكة علاقاتها واطرافها.
في بيان كتلة الوفاء للمقاومة امس، اما ان من اصدره غائب عن الوعي، او هو في حالة استغباء الناس والتعامل مع المواطنين باعتبارهم بلا قدرة على التمييز بين الصالح والطالح. كتلة الوفاء ترفض التعميم في الفساد باعتبار ان حزب الله هو خارج الغربال... عندما يصادر قرار الدولة ويجري تقاسمها بين المتنفذين، هنا يصبح الفساد لغة العلاقة بين اطراف القسمة. وعندما يتم تجاوز الدستور ويستباح القانون وتفتح دكاكين الميليشيات، هنا يبدأ الفساد. وعندما يصبح قتال حزب خارج الحدود متجاوزا شروط الدولة والشراكة، هنا يشرع الفساد. وعندما يجري تحويل البلديات الى مراكز لخدمة الحزب وتتحول موازناتها لدعم مشاريعه من دون ان يستطيع احد الاعتراض او المساءلة، هنا مكمن الفساد.
بيان كتلة القاومة ايضا يعطي دروسا في الشراكة ويتهم الفريق الآخر في السلطة بالاستئثار وعدم الالتزام بشروط الشراكة. مشكلة الشراكة تبدأ ايضا من معايير هي في جوهر الدولة ونصوص الدستور وليس من اي شيء آخر. هذان المعياران يحددان الشراكة وشروطها. ليست الشراكة خارج الدستور، وخارج الالتزام بمعايير الدولة، وبشروط السيادة، وبحقها- اي سلطة الدولة- في احتكار العنف المشروع، وعلى ثابتة ان لا ولاء اعلى من الولاء للدولة. واي حزب يعتبر ان عقيدته تتعارض من الولاء للدولة وللدستور، هو حزب لا شرعية له في لبنان. هكذا ايضا الدول في كل العالم، في ايران كما في روسيا كما في فرنسا، غير مسموح لاي حزب بالوجود الشرعي اذا كان يعتبر في عقيدته ان ولاءه للدولة والدستور لا يتقدم على ولائه للخارج. من هنا يبدأ الفساد ايضا، من هنا يصبح المال العام والمشاعات والاملاك العامة مستباحة بحكم انه مال لا قدسية له. بهذا العنوان تمت اكبر عملية مصادرة للاملاك العامة والمشاعات في بيروت والضاحية والجنوب وغيرها، باسم ان هذه الدولة تستحق ان تنهب وتصادر املاكها العامة والشواهد في كل بلدة ومدينة.
لقد حولت هذه السلطة، بكل فرقائها، المرافق العامة والوزارات والبلديات الى دكاكين حزبية لاصحاب النفوذ. لقد جرى تشريع الفساد باسم الطائفة حينا وباسم الدين احيانا اخرى وبالتشبيح في كل الاحيان. التعميم هو لأن الفساد في ادارة الشأن العام هو الغالب ولأن استباحة القانون والدستور اقوى دعائم الافساد... والساكت عن كل ذلك هو شريك ولو كان مواطنا، فكيف اذا كان شريكا في السلطة؟