لبنان يعيش ازمة نظام حقيقية، لا يمكن معالجتها «بالترقيع»، وتجاهل الحل الذي يرضي اللبنانيين، وتحديداً الشباب الذين انتفضوا على هذا الواقع «المهترئ» الذي نتج من ممارسات الطبقة السياسية اللبنانية. البلد يعيش ازمة نظام حقيقية، من دون مخارج وآليات غير متوافرة للحل الآن. وهذا ما يترك الخيار للشارع في المدى المنظور، عبر مواجهة بين السلطة والمتظاهرين. لكن الاكيد والثابت ان لبنان دخل مرحلة جديدة، وما كان مسموحاً به قبل حراك 22 آب لن يكون مسموحاً به بعده، في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بالازمة اللبنانية، وخشية البعض من اتجاه لتدويل الازمة اللبنانية، اولى مؤشراته ظهرت في اجتماع مجلس الامن الدولي امس الاول والدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اسرع وقت ممكن. واعلن المندوب الروسي الذي يتولى رئاسة مجلس الامن ان مجلس الامن مستمر في مراقبة الوضع عن كثب، دعماً لوحدة لبنان واستقراره واستقلاله. ودعا مجلس الامن البرلمان اللبناني الى الالتئام وانتخاب رئيس، كما ان ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ قدمت تقريراً تضمن تعرض السلطات اللبنانية للحراك المدني والعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية من قبل السلطات اللبنانية.
وتشير المعلومات من اروقة مجلس الامن، وبحسب وسائل اعلام اجنبية، الى ان مجلس الامن قد يعين بعد اشهر مندوباً خاصاً بلبنان لمتابعة الاوضاع في خطوة مماثلة لقيام مجلس الامن بتعيين مندوبين من قبله لسوريا وليبيا.
وهذا ما يؤشر الى البدء بتدويل الازمة اللبنانية بعد الحوار اللبناني ودخول مجلس الامن بقوة على خط انتخاب رئيس للجمهورية، فالحل لن يكون بدوحة جديدة كماحصل عام 2008، بل بتدويل للازمة اللبنانية سيفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما تعمل عليه واشنطن عبر التسريع بانتخاب رئيس للجمهورية كما ان موسكو والسعودية تعملان ايضاً وتريدان انتخاب رئيس للجمهورية.

 

 

 

 

طاولة بري للحوار

وفي ظل هذه الاجواء المعقدة ومأزق النظام اللبناني، دخل الرئيس بري «بذكائه الفطري» طارحا مبادرة للخروج من هذا النفق، ووافق الجميع باستثناء القوات اللبنانية. وبالتالي سيفقد الحوار ورقة مسيحية اساسية وقطبا بارزا كالدكتور سمير جعجع الذي سيعلن موقف القوات النهائي غدا في مهرجان الشهداء في معراب. لكن اوساط القوات اللبنانية ابدت استغرابها لعدم شمول بنود بري سلاح المقاومة. وتشير الاوساط القواتية الى ان الحزب ليس سلبيا ازاء الدعوة، لكن لديه هواجس وتساؤلات، وان الاسباب التي ادت الى مقاطعة الحوار الاخير في بعبدا ما زالت قائمة، لا بل اضيفت اليها اسباب اخرى هي عدم التزام مقررات الحوار التي بقيت حبرا على ورق مع اعلان بعبدا وضرورة ان يقتصر حوار اليوم على بند وحيد، هو انجاز الاستحقاق الرئاسي.
واشارت الى ان اتصالات تجريها القوات اللبنانية مع الحلفاء في فريق 14 اذار.
اما حزب الكتائب فسيطالب باللامركزية الادارية الموسعة، ولكنه لن يحصل عليها، لان البعض يعتبرها شكل من اشكال الفيدرالية.
اما العماد ميشال عون فهو «حائر» جراء التركيز على رئاسة الجمهورية، وهو مع التظاهرات والشارع في مكان ومع الحوار في مكان آخر، مع التظاهرات غدا ومع الحوار في 9 ايلول، واليوم سيظهر الحجم الحقيقي للتيار العوني في الشارع، بعد ان اعد العونيون كل العدة لانجاح التحرك واظهار قوتهم الشعبية، ولا يمكن قياسها بشعبية الحراك المدني، كما يحاول ان يشيع البعض من اعداء عون الذين يصرون على اشاعة ان العماد عون غير قادر على الحشد.
لا خيار امام العونيين الا استغلال فرصة التحرك اليوم، فاذا كان الحشد الشعبي قد ادخل العماد عون الى طاولة الحوار قويا فارضا شروطه متمسكا بطروحاته مؤكدا انه ما زال القائد الشعبي الابرز والمسيحي الاول واذا جاء الحشد عكس التوقعات فان موقف العماد عون في الحوار سيكون ضعيفا، وهذا لا يعني انه سيتراجع عن مطالبه لكن سقف شروطه سينخفض، وكذلك فان التحرك العوني مسألة مهمة واساسية لدور التيار خلال الفترة المقبلة.
الرئيس نبيه بري يريد من طاولة الحوار فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي وعودة التشريع وتفعيل الحكومة، فيما رئاسة الجمهورية لن تكون البند الاساسي وسيتم البحث فيها شكلياً، لانه من المستحيل «لبننة» الاستحقاق في هذه الظروف المعقدة العربية والاقليمية وتحديداً بين السعودية وايران.
كما ان الرئيس نبيه بري لن يعطي المسيحيين على الطاولة ما يطالب به العماد عون والدكتور جعجع لجهة اقرار قانوني الانتخاب واستعادة الجنسية، فيما القوى المسيحية، وبالتحديد عون وجعجع يرفضان ما يطالب به بري والحريري وجنبلاط بعودة التشريع ودعم الحكومة دون اقرار القانونين.
من هنا تبدو الامور مستعصية على الحل، وبالتالي لبنان يعيش ازمة نظام حقيقي لان طاولة الحوار عاجزة عن ايجاد الحلول. لكن عامل الضغط الحقيقي الذي استمر هو «الحراك الشعبي» الذي اقلق السياسيين، وربما دفعهم الى التنازل جراء نقمة الناس الحقيقية، فالتقط «الاستاذ» البارع في التقاط اللحظات الحرجة، وجعل من مأزق الطبقة السياسية جراء نقمة الشارع مدخلا للحوار برئاسته، لكن النتائج لن تأتي بشيء، الا اذا قام بري بتدوير الزوايا، عبر اخذ التشريع مقابل وضع قانون الانتخابات واستعادة الجنسية على جدول الاعمال، كونهما اولوية عند المسيحيين فيما اولوية بري التشريع والحكومة وارضاء المسيحيين بوضع القانونين على جدول الاعمال. وبالنسبة لآلية الحكومة سيتم ارضاء العماد ميشال عون، عبر مبادرة اللواء عباس ابراهيم والنائب وليد جنبلاط في تمديد الخدمة لضباط معينين او ترقيتهم الى رتبة لواء.
اما تيار المستقبل فموقفه معروف، لجهة دعم بري بالتشريع ودعم الحكومة. ويلاقيه في موقعه جنبلاط وحزب الله. وبالتالي فان تيار المستقبل وجنبلاط يدعمان بري في خطواته للتوازن بينه وبين العماد عون، اذا حصل عون على ما يرضيه في عمل آلية الحكومة.
وبالنسبة لحزب الله فهو مرتاح للحوار ويدعم بري في التشريع، وسيقف الى جانب عون في شأن آلية الحكومة، وموضوع صهره العميد شامل روكز. لكن حزب الله سيكمل سياسته في الداخل اللبناني كما حصل حاليا، والتأكيد على التحالف مع نظام الرئيس بشار الاسد.
فيما الرئيس نجيب ميقاتي سيطالب بالوحدة الوطنية وبالاسلام المعتدل والوقوف ضد الارهاب. اما بقية الاطراف فسيصرون على مواقفهم المعروفة.

 

 

 

ميشال المر تلقى دعوة بري

فقد تسلم الرئيس النائب ميشال المر دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى طاولة الحوار من الوزير السابق ياسين جابر وقال المر: «ان الرئيس بري صاحب المبادرات والتوازنات الوطنية»، اضاف: «كما تمنيت على الجنرال ميشال عون الحضور شخصياً».

 

 

 

كيف كان الحراك المدني؟

الحراك المدني تمدد وتطور امس وأخذ اشكالاً نضالية مختلفة، يبدو انها لن تتوقف حتى استجابة الحكومة للمطالب، واولها استقالة وزير البيئة نهاد المشنوق ومحاسبة المسؤولين عن اطلاق النار على المتظاهرين وصولاً الى تحقيق المطالب خطوة خطوة. لكن اللافت ان هيبة السلطة بدأت تتراجع امام شباب الحراك المدني الذين اكدوا بكل مكوناتهم على استمرار الحراك وعدم التراجع امام الحكومة والطبقة السياسية الفاسدة. ونفذوا امس سلسلة تحركات في عين المريسة وامام وزارتي الداخلية والعمل. وقد واجهت القوى الامنية شباب الحراك المدني في عين المريسة بالقوة واعتقلت بعض الشباب ورد زملاؤهم باعتصام امام وزارة الداخلية فضّ ليلاً بعد اطلاق الموقوفين من قبل القضاء اللبناني.
اما الناشط طارق الملاح من «طلعت ريحتكم»، فأكد ان الخطوات ستبقى تفاجئ الحكومة في اي لحظة، وأكد ايضا ان منظمة «طلعت ريحتكم» لن تشارك في اي تظاهرة تحت غطاء اي حزب. اما بالنسبة الى اعتصام 9 ايلول، فان حركة «طلعت ريحتكم» تدرس المشاركة وستعلن موقفها قريباً والارجح «اننا سنشارك وهناك تنسيق مع المنظمات الشبابية الاخرى».