لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والستين بعد الأربعمئة على التوالي.
برغم الآمال التي يعلقها البعض على «العناصر الصحافية» التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي، ولا سيما الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، فان اللافت للانتباه أن منسوب القلق على الاستقرار اللبناني بدأ يرتفع داخليا وخارجيا، في ضوء الأزمة السياسية ـ الدستورية المفتوحة من جهة، والحراك المدني غير الطائفي الذي يمثل شريحة واسعة من كل الطبقات والمناطق في لبنان من جهة ثانية، على حد تعبير ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ.
لقد كان واضحا منذ الساعات الأولى لانطلاق شرارة «الحراك» أن هناك بعض أهل السلطة قد قرروا التعامل معه بشيء من الاستهتار والخفة السياسية، فيما بدا فريق آخر أكثر تهيبا، من دون إغفال واقع أننا أمام سلطة بمنازل كثيرة، بعضها اتهم المتظاهرين بأنهم يصادرون شعاراته والبعض الآخر وضع نفسه مباشرة في مواجهة الشعارات والكتلة المحتجة على حد سواء!
ولعل الرئيس نبيه بري كان من القائلين بأن هذا الحراك له ما يبرره وبالتالي لا بد من محاولة احتوائه عبر كسر حلقة المراوحة السياسية، وعلى هذا الأساس، طرح سؤالا محددا على الايرانيين والسعوديين حول مباركتهما لفكرة الحوار، فجاءه الجواب ايجابيا من طهران والرياض، وكرر الأمر على مسامع عدد من سفراء الدول الكبرى، فأتى الجواب ايجابيا أيضا.
ينعقد الحوار في بيروت في التاسع من أيلول وتنعقد مجموعة الدعم الدولية على مستوى وزراء الخارجية ورئيس الحكومة تمام سلام في نيويورك في الثلاثين من أيلول المقبل، وثمة قواسم مشتركة في جدول أعمال الاجتماعين وخصوصا مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وبين هذا وذاك، وتحديدا في الثالث والعشرين من ايلول، يفترض أن يعقد في نيويورك الاجتماع الأول من نوعه بين الايرانيين وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، ومن غير المستبعد أن يكسر السعوديون تحفظهم عن فكرة الحوار التي أطلقها وزيرا خارجية قطر وسلطنة عمان، فينضموا الى الاجتماع، وهي مسألة تبقى رهن ما ستفضي إليه القمة الأميركية ـ السعودية في البيت الأبيض صباح اليوم بتوقيت واشنطن.
في غضون ذلك، بينت مجريات الجلسة التي عقدها مجلس الأمن والتي ناقش خلالها الوضع اللبناني من خارج جدول الأعمال، أن معظم العواصم الدولية تقيّم الحراك بشكل ايجابي، لكنها تلتقي على نقطة واحدة وهي أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فالفرنسيون عبروا خلال الاجتماع عن بالغ قلقهم من العنف الذي رافق المظاهرات الأخيرة، واعتبروا ان الفراغ الرئاسي يقع في صلب الازمة الرئاسية، وكرروا دعمهم لجهود رئيس الحكومة، ودعوا مجلس النواب للانعقاد لانتخاب رئيس «في اقرب فرصة ممكنة»، وهي الصيغة نفسها التي اعتمدها مجلس الأمن في «العناصر الصحافية» التي تم الإدلاء بها أمام الصحافة في الأمم المتحدة.
أما بريطانيا، فقد عبرت بلسان مندوبها عن قلقها من انزلاق الوضع الحالي الى ازمة دستورية، وشددت على ضرورة المحافظة على الطابع السلمي للتظاهرات، ونوهت بالدعوة للحوار.
ورأى ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن ان التظاهرات الأخيرة تعبر عما اسماه «احباطاً مبرراً» لدى المجتمع المدني اللبناني، واكد دعمه لرئيس الحكومة ولا سيما لجهة مطالبته بمحاسبة مرتكبي المخالفات، وشدد على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون مزيد من التأخير في ضوء تزايد المخاطر الامنية على لبنان.
وعبرت روسيا بلسان مندوبها عن قلقها من تدهور الاوضاع في لبنان، وشددت على اهمية المحافظة على الاستقرار، واكدت ان لا بديل عن الحوار، ودعت الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. أما الصين، فقد شدد مندوبها على اهمية حماية الاستقرار، ودعا البرلمان اللبناني الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية «في اسرع وقت ممكن».
وبين التحذيرات الدولية من انزلاق أو تدهور الأوضاع اللبنانية من جهة، وعجز الحكومة اللبنانية عن القيام بأمر ايجابي يؤدي الى تنفيس الاحتقان المتزايد من جهة ثانية، فان الواقع الراهن يدل على أن الجميع في مأزق: السلطة بمكوناتها كافة لا تملك سوى وصفة الهروب إلى الأمام.. وفي المقابل، ثمة شارع مهدد بأن يتحول إلى «شوارع»، من دون أن يكون واضحا أمام جمهوره سقف مطالب الحد الأدنى الآنية بطبيعة الحال، أو تلك البعيدة المدى.
ولا يختلف اثنان على أن ثمة حيوية في الشارع يفتقدها لبنان، أقله منذ زمن الحرب الأهلية حتى الآن. حيوية أدت إلى تحريك كتل اجتماعية من مشارب مختلفة، يسجل لها أنها تلتقي على رفض تدجين اللبنانيين، وعلى كسر «المحرمات» بحيث لا بد وأن تخضع كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية للمساءلة منذ الآن فصاعدا، وخير دليل على ذلك رفض تمرير «تهريبة النفايات» وغيرها من «التهريبات» وخصوصا في قطاع الكهرباء.
وإذا كان الحراك المدني قد تجاوز على مدى أكثر من أسبوعين تحدي الاستمرارية والجاذبية والوحدة، فان مشهد ساحة الشهداء، اليوم، سيشكل اختبارا لمدى قدرة «التيار الوطني الحر» على اجتذاب شريحة شعبية تتجاوز أولا الماكينة الحزبية (17 ألف منتسب) وثانيا البيئة المسيحية، والأهم من ذلك، تغليب الشعار الوطني والاجتماعي على الشعار الفئوي، وهو امتحان يفترض أن يسري على كل تشكيل سياسي يريد للساحات أن تتوحد، وبالتالي أن تفرض موازين قوى تستفيد من التناقضات داخل البنية السياسية الحاكمة وصولا الى تحقيق خرق سياسي ما.
ولن يكون نزول «التيار الحر» الى الشارع اليوم معزولا عن مشهد ساحتي رياض الصلح والشهداء في الأسبوعين الماضيين ولا عما سيكون عليه حراك التاسع من أيلول بالتزامن مع جلسة الحوار الأولى التي دعا اليها الرئيس نبيه بري.
كذلك لن يكون معزولا عن الصورة التي تريد «القوات اللبنانية» تثبيتها في قداس معراب، غدا، لمناسبة يوم شهداء «القوات»، خصوصا وأن رئيسها سمير جعجع اتخذ قرارا بمقاطعة جلسات الحوار الجديدة، وهو صارح بعض مكونات «14 آذار» بأنه يرفض استمرار «سياسة البصم» على قرارات متسرعة يتخذها حليفه الرئيس سعد الحريري من دون العودة اليه، خصوصا وأنه كان قد تلقى مؤشرات بأن الحريري لن يتجاوب مع أية دعوة جديدة للحوار خارج اولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وعلمت «السفير» أن الرئيس بري تبلغ من جميع مكونات الحوار، تجاوبها مع دعوته باستثناء «القوات»، علما أن تحديد مكان جلسة الحوار الأولى قد يخضع للتعديل (يدرس احتمال نقله الى عين التينة)، لتفادي أية مواجهات محتملة مع الحراك الذي بدأ الحشد لتظاهرة التاسع من أيلول، على أن تسبقها تحركات مناطقية انطلقت، أمس، من أمام وزارة العمل في الضاحية الجنوبية وينتظر أن تتوسع جنوبا وشمالا وبقاعا وجبلا في الأيام المقبلة.
وتزامن ذلك مع اعتصام اقيم مساء أمس أمام وزارة الداخلية في الصنائع، بدعوة من مجموعة «بدنا نحاسب» احتجاجا على اعتقال ناشطين كانا يحتجان على تركيب عدادات البدل المالي لقاء الوقوف على جانبي الطريق في محلة كورنيش المنارة ـ عين المريسة.
يذكر أن «كتلة الوفاء للمقاومة» أصدرت، أمس، بيانا أكدت فيه وقوفها إلى جانب المطالب الشعبية، وشدّدت على «حرية التظاهر والتعبير السلمي، وضرورة حماية الاستقرار ورفض الفوضى والتعرض للأملاك العامة والخاصة».
واعتبرت «الكتلة» أن «صرخة المواطنين بوجه الفساد والعتمة والبطالة هي حقٌّ مشروع، وتعبير عن الوجع المؤلم جراء الحال التي وصلت إليها البلاد، بسبب تخلي الدولة عن مسؤولياتها، وتراكم الأزمات الناجمة عن سياسة تدمير الدولة التي اعتمدها الفريق الذي أدار ماليتها واقتصادها على مدى عقود».
وإذ أشارت إلى «اننا كنَّا على الدوام في موقع المعترض على السياسات المالية والاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم»، جددت «الكتلة» التأكيد على ضرورة «وضع حدٍّ لهذه السياسات من خلال عملية إصلاح شاملة، مدخلها الطبيعي قانون انتخابات عادل قائم على اساس النسبية»