لعل الصورة الصادمة واقعياً التي واكبت الجلسة الـ28 لانتخاب رئيس الجمهورية ولم تحز اهتمام الاضواء الاعلامية المسلطة على تطورات المواجهة المتصاعدة بين هيئات التحرك الاحتجاجي والحكومة والتي من شأنها ان تثير مزيدا من القلق من هذه المواجهة تمثلت امس في اكتمال "ستار حديد" واقعي حول مجلس النواب بالإضافة الى الستار الحديد الشائك الذي اقيم بين السرايا وساحة رياض الصلح قبل يومين. لم يكن تحصين مجلس النواب بالستار وببوابات حديد أنشئت على عجل وقننت العبور من الشوارع المحيطة بساحة النجمة الى قلب الساحة حيث مبنى المجلس سوى نذير استعدادات امنية لمرحلة طويلة من موجات الاحتجاجات والتظاهرات خصوصاً وسط العد التنازلي لموعد 9 ايلول. فوقت استكمل موفدو رئيس مجلس النواب نبيه بري ابلاغ المدعوين الى طاولة الحوار الجديدة في هذا الموعد كانت "لجنة المتابعة لتحرك 29 آب" تسارع الى دق النفير لاعتصام حاشد في بيروت في اليوم نفسه "احتجاجا على حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة" وقرنت ذلك بالدعوة الى اعتصامات اليوم في طرابلس وعكار وغداً في الجنوب والنبطية.
وعلى رغم الهدوء الذي طبع بعض التحركات الاحتجاجية غداة اقتحام متظاهرين مكاتب وزارة البيئة لم تغب أجواء المواجهة المتصاعدة وآفاقها عن المواقف المتصلة بتداعيات ما جرى اول من امس وكذلك بتداعيات الصدام الذي حصل في ساحة رياض الصلح في 22 آب من خلال وقائع التحقيقات التي اعلنها وزير الداخلية نهاد المشنوق وردود بعض الهيئات المنخرطة في التحرك الاحتجاجي عليه.
وزير الداخلية
وفي موقف يكتسب دلالات لم يفصح عن تفاصيلها، ذهب الوزير المشنوق الى التحذير عبر "النهار" من "أن هناك من يريد أن يدفع لبنان الى الدم". اما في المؤتمر الصحافي الذي عقده امس في الوزارة لإعلان نتائج التحقيقات في أحداث 22 آب الماضي والمسؤوليات التي تحددت بموجبها، فقال: "إن أي احتلال او اعتصام او اعتداء على مؤسسة عامة سيتم حسمه من اللحظة الاولى تحت سقف القانون وبالقوة اذا لم يستجب المحتلون او المعتصمون". وإذ أقرّ بأنه "حصل إفراط في استعمال القوة" في أحداث 22 آب، وأعلن أن تقرير التحقيق القضائي بلغ 78 صفحة و تقرر بموجبه "تحويل ضابطين على المجلس التأديبي وستة عسكريين بعقوبة مسلكية لقيامهم بالتصرف بشكل تلقائي من دون العودة الى رؤسائهم وتوجيه تأنيب الى الضباط لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم". وفي المقابل، قال وزير الداخلية "ان عدد الموقوفين تجاوز المئة بقي منهم حتى الآن 18 موقوفا بينهم قصّر و سوري وسوداني"، معتبرا ان "سياسة شيطنة قوى الامن هي جريمة فهي من الناس ومن يراها في غير هذا الاطار مصاب بعمى وطني".
وفي المقابل، نظمت حملة "بدنا نحاسب" تجمعاً هادئاً عصراً في ساحة رياض الصلح وردت على الوزير المشنوق فاتهمته "بقلب الحقائق"، كما حملت على "قمع القوى الامنية وتعديها على المعتصمين داخل وزارة البيئة وخارجها"، ووصفت الدعوة الى جلسة طارئة لمجلس الامن حول لبنان بأنها "مشبوهة ومرفوضة وتشكل تدخلا سافرا في شؤون لبنان الداخلية".
وفي مسار احتجاجي آخر، نظم "التيار الوطني الحر" مواكب بالسيارات جابت بعض المناطق استعدادا للتظاهرة التي دعا اليها العماد ميشال عون انصاره بعد ظهر غد في ساحة الشهداء. ورفعت المواكب شعارات تطالب بأولوية انتخاب رئيس "قوي" وأقفل أحد المواكب الطريق المؤدية الى القصر الجمهوري في بعبدا.
شهيب
في غضون ذلك، علمت "النهار" ان وزير الزراعة اكرم شهيب قطع شوطا متقدما نحو انجاز المهمة التي كلفه القيام بها رئيس الوزراء تمام سلام لوضع تقرير مع الخبراء عن حل لازمة النفايات. وفي المعلومات ان شهيب الذي يعمل بوتيرة كثيفة التقى الجمعيات البيئية والاهلية كما التقى فريقا من التحرك الاحتجاجي وناقش معه الخطوط العريضة لخطة الحل من باب احترام رأي المحتجين واشراكهم في الحل. وعلمت "النهار" ان ثمة اتجاها الى اعطاء البلديات صلاحيات واسعة في الحل المقترح على اساس اللامركزية الادارية والانمائية وان الوزير شهيب سينجز التقرير غداً ويسلمه الى الرئيس سلام.
مجلس الامن
وطبقا لما أوردته "النهار" امس، أفاد المراسل في نيويورك علي بردى ان مجلس الأمن جدد أمس التعبير عن وحدة المجتمع الدولي ودعمه لاستقرار لبنان، مطالباً النواب اللبنانيين بانتخاب رئيس جديد للجمهورية "في أسرع وقت" من أجل "وضع حد لانعدام الاستقرار الدستوري". بينما رأى مسؤولون في الأمم المتحدة "ايجابيات" في التحركات الشعبية الأخيرة لأنها "أظهرت قطاعاً علمانياً" عابراً للطوائف في المجتمع المدني.
وكشف مسؤول في الأمم المتحدة لـ"النهار" أن المجموعة الدولية لدعم لبنان ستعقد اجتماعاً رفيعاً بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون ورئيس الوزراء تمام سلام. وتوقع حضور وزراء الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والفرنسي لوران فابيوس والبريطاني فيليب هاموند والصيني وانغ يي، من أجل "توجيه رسالة موحدة من المجتمع الدولي، وتكريس اجماع أعضاء مجلس الأمن على ضرورة إحلال الاستقرار في لبنان ودعم مؤسساته الوطنية، وخصوصاً الجيش والقوى الأمنية الأخرى، والدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية من دون أي مزيد من الإبطاء". وكرر أن "الديبلوماسية الوقائية كانت هدف طلب الأمانة العامة للمنظمة الدولية ودائرة الشؤون السياسية فيها الاستماع الى احاطة من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ".
وكشف ديبلوماسي حضر الجلسة التي عقدت خارج جدول الأعمال أن كاغ ركزت في إحاطتها على "الجمود السياسي"، وما قد ينجم عنه من "خطر على ثقة الناس". وتطرقت الى التظاهرات والاحتجاجات التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة. ونقل عنها ديبلوماسي معني بملف لبنان أن "هناك تطورين ايجابيين محتملين: الأول يتعلق بأن حركة المجتمع المدني أطلقت نقاشات متجددة حول القضايا السياسية العالقة، والثاني يرتبط بظهور قطاع علماني عابر للطوائف في المجتمع المدني". وتحدثت عن "احباط قد يتنامى من الحكومة بسبب عدم احراز تقدم"، معلنة أن المجتمع الدولي "متشجع من انخراط المجموعات السياسية مع جماعات المجتمع المدني".
وإثر هذه الإحاطة من كاغ، أصدر مجلس الأمن عناصر بيان للصحافة تلاه رئيسه للشهر الجاري المندوب الروسي فيتالي تشوركين عن الوضع في لبنان. وأشار في المستهل الى أن الإجتماع لم يكن طارئاً بل من خارج جدول الأعمال، وقال إن أعضاء المجلس توصلوا الى "اتفاق على إصدار عناصر بيان للصحافة" تعبيراً عن أنهم "سيواصلون المتابعة والمراقبة عن كثب للتطورات دعماً لوحدة لبنان وسيادته واستقراره واستقلاله ودعماً لشعبه". وأضافوا أنهم "يعبرون عن تأييدهم للحكومة اللبنانية ورئيس الوزراء تمام سلام"، وأنه "بناء على البيان الرئاسي الذي أصدر في 19 آذار 2015، هناك ضرورة لانعقاد مجلس النواب اللبناني وانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن من أجل وضع حد لانعدام الاستقرار الدستوري". وخلصوا الى أنهم يتطلعون الى الإجتماع الرفيع المستوى للمجموعة الدولية لدعم لبنان خلال الدورة المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وأكد تشوركين لـ"النهار" أن مجلس الأمن لا يزال متحداً في مواقفه من لبنان.