تتأرجح الأسباب بين انعدام الثقافة الصحية والاشمئزاز. الخوف من انتقال العدوى اليهم يدفعهم الى تجنب الاقتراب واللمس والنظر. حتى الذين يعلمون انه ليس بمرضٍ معدٍ، يفضلون الانسحاب من الميدان عندما يلتقون باحد المصابين به، وان كان في مراحله الاولى. الطب يعنونه بالبهاق ويعتبره مشكلة جلدية لها اسبابها لكنها ليست بمعدية. فما هي الدوافع الكامنة وراء نبذ مرضاه دون رحمة؟
انسحاب جماعي
المشكلة في عدم تقبل هذا النوع من المشاكل الجلدية، تظهر خصوصاً في الاماكن العامة حيث يرغب الجميع في تفادي حالات كهذه مع عدم تحبيذ النظر اليها. ما حصل مع مروى كان اقصى مراحل رفض الاختلاف. تقول: "قصدت (سناك شاورما) شهير في بيروت رغبةً في شراء سندويتش، فكان المكان مكتظاً بالزبائن، واذا بالجميع ينتظر دوره في الزحمة للحصول على (السندويتش) بعدما تقدمت بالطلب ودفعت المال. لم اتفاجأ بردة فعل الناس الذين ابتعدوا عني عندما لاحظوا كثرة البقع البيضاء الكبيرة على يدي ووجهي. احداهن اقتربت مني عفوياً واصطدمت بجسمي من دون معرفتها بحالتي، وحين شاهدت البقع صاحت وانفعلت ثم انسحبت مشمئزة. كذلك فعل الذين كانوا يأكلون بالقرب مني، فمنهم لم يكمل طعامه وآخرون همّوا بالابتعاد، حتى ان اؤلئك الذين قدموا من بعدي للشراء، لاحظت انهم عادوا ادراجهم وركبوا سياراتهم وغادروا حين نظروا الي".
وتعتبر "ان ما حصل لم يؤثر علي نفسياً لانني اعتدت هذه التصرفات سابقاً، حتى من اقرب المقربين الي الذين يتجنبون لمسي. لكن ما جرحني هو تصرّف صاحب السناك الذي لاحظ ردة الفعل السلبية تجاهي فبادر بالاقتراب مني والقول (هربتيلنا الزبائن يا عمو). عندها شعرت انه لا يحق لي حتى ان اشتري قوتاً وكأنني مقموعة او مضطهدة، لكن كل هذه المشاكل التي اصادفها تساهم في تقوية عزيمتي بدلاً من تحطيمها". وتضيف: "لم انسحب بل على العكس اشتريت الشاورما لكنني لم آكلها حينها، بل استغرقت وقتاً كي اتقبل ما حصل واعود الى طبيعتي".
وتقول: "أواظب على العلاج بشكلٍ مستمر، رغم تقدّم مراحل المشكلة الجلدية لدي والتي لازمتني منذ صغري، الا ان ذلك لم يعد يشكل عاملاً سلبياً يقف في طريقي لانني اعتدت الأمر".
الاختلاف خلاف
تؤكّد الاختصاصية في الامراض الجلدية الدكتورة سلام عيتاني على ان " البهاق مشكلة جلدية مناعية تدخل في خباياه العوامل الوراثية حيث غالباً ما يكون قد اصيب به احد افراد العائلة، او احد من الاجيال السابقة، كما يعزز التوتر والقلق الدائمين في عملية ظهوره وهو بالتالي وليدٌ لانصهار هذين العاملين معاً في بوتقة واحدة. وتضيف: "انه عبارة عن عملية قتل للخلايا المناعية الملوّنة للجلد، وهو ليس بمعدٍ على الاطلاق، رغم ان البعض يخال ذلك نتيجة انعدام الثقافة الصحية لديهم في هذا الموضوع".
وتشير الى ان "الانسان غالباً عدو ما يجهل، كما ان العقلية اللبنانية بشكلٍ عام لا تتقبل الاختلاف، بل ان كثيرين يرفضون الاحتكاك مع هؤلاء المرضى نظراً لاختلافهم عنهم، فهم يعتبرون ان كل اختلافٍ يولد خلافاً، لذلك من الصعب عليهم في ظل تركيبتهم المجتمعية ان يتقبلوا التكيّف مع من لا يشبههم حتى في الشكل. كما يجب التنبه الى دور وسائل الاعلام ومواقع تواصل الاجتماعي السلبي الذي زاد من حدّة هذه المشاكل، خصوصاً وانهم يحاولون ابتكار الجمال وخلقه، فنحن اليوم في عصر الصورة والفوتوشوب حيث ما نراه خلف الشاشة لا يعكس الحقيقة، الا ان الجميع يريد التحلي بمزايا جمالية معيّنة، رغم اننا جميعنا جميلون في اختلافاتنا".
الشفاء
تلفت الدكتورة عيتاني الى ان "الشفاء من البهاق لم يعد مستعصياً، لكن المهم هو اللجوء الى الطبيب في المراحل الاولى منه، وليس بعد تفاقم المشكلة. وجهات العلاج تتعدّد، بين (الفوتوتيرابي)، الاستفادة من حرارة الشمس في الصباح او بعد الظهر للمساهمة في عملية اعادة اللون الى الجسم عبر تحفيز الخلايا، الا ان اللجوء اليها ظهراً سيؤدي حتماً الى حرق البقع البيضاء بدلاً من معالجتها. كما يساهم (الكريم) في عملية العلاج، شرط استخدامه بانتظام".
وتعتبر ان "الابتعاد عن مظاهر اليأس و الاحباط ضروري خلال عملية العلاج، كي لا تعاود البقع البيضاء الظهور مجدّداً، وهنا قد نستخدم الادوية المهدئة للاعصاب، اضافةً الى علاج نفسي مرافق، الا ان اللجوء الى هذه الطرق مرهونٌ بالحالة النفسية المتفاقمة للمريض. اما في حال خسارته لجزء كبير من اللون، الاسهل هنا هو الاستعاضة عن تحفيز الخلايا الميتة بقتل الخلايا الملونة الحية لتوحيد اللون الابيض".
نصائح هامة
تشدد الدكتورة عيتاني "على ضرورة تحلّي الاشخاص المصابين بالبهاق بالصبر لان عملية العلاج قد تطول"، وتحثّهم "على ضرورة التحلي بالثقة فهم ليسوا بمرضى بالمعنى الحقيقي للكلمة، وما حلّ بهم لا يؤثّر على اي عضوٍ من اعضاء جسمهم ولا يؤذي، بل يجب عليهم تقبل اختلافهم والسير بحزم نحو العلاج دون يأس لان ذلك سيساهم في تفاقم حالتهم. كما تنصح من لا يقبل هذا الاختلاف "بالتمثل بالمجتمعات المتطورة حيث هناك عارضات ازياء ونجوم عالميين كـ(مايكل جاكسون) اصيبوا بهذا المرض وكانوا قدوة للناس، فتقبلهم الجميع واعتبروهم جزءاً لا يتجزأ منهم".
"ويني هارلو" النجمة
من ابرز المشاهير الذين شكلوا جدلاً في الاونة الاخيرة، كانت عارضة الازياء العالمية، الكندية "ويني هارلو" والتي لم تستسلم نتيجة اصابتها بالبهاق بل عبّرت بشجاعة عن وجهٍ جديد من وجوه جمال المرأة، معتبرة ان لا احد يستطيع احتكار مفهوم الجمال. كما كان لمواقع التواصل الاجتماعي الفضل الاساسي في شهرتها بعدما تفاعل الناس معها في موقع إنستغرام وحصدت مئات الالاف من المتابعين، وها هي اليوم عارضة بمقاييس عالمية ومن اشهرهن على الاطلاق.
الخلاصة تكمن في ضرورة محاربة الاختلاف وتقبّله. لا بد هنا من الاشارة الى عبارةٍ كتبتها ويني في انستغرام، ترافقت مع عرض صورتها وهي طفلة، حيث نقلت في خضمها المعاناة الكبيرة التي كانت تعانيها في صغرها، والتي تشكّل رسالة الى كل من احتاج إلى الامل بالحياة: "اتمنى لو انني أستطيع العودة بالزمن الى الوراء كي أقول لهذه الطفلة أن كل شيء سيكون على ما يرام".