تتزايد الدلائل على ارتفاع ضغوطات العمل في عالمنا المتسارع اليوم. في مقالها في صحيفة "النيويورك تايمز"، نقلت كريستين بوراث واقع قلّة اللُّطف والأخلاق في مكان العمل، وكتبت في بدايته إن المديرين السيئين كانوا سيقضون على حياة والدها.
وفقاً لبحثها، ترتفع هرمونات #الإجهاد (Stress Hormones) ويُفتَح المجال أمام مشكلاتٍ صحية، جرّاء الضغوطات المتناوبة في العمل، مِثل اختبار أمور فظّة، أو حتى إعادة التفكير بها.
ونقلت بوراث أن المديرين يُضعِفون معنويات الموظّفين في غالبية الأحيان، عبر لَومهم والتعامل معهم بفظاظة والسخرية منهم وتشويه سمعتهم. عندما طرحَت الموضوع على عددٍ من المديرين، أكثر من نصفهم أكدوا أنهم مُثقَلون بالواجبات ولا وقت لديهم ليتصرّفوا بلُطف. وكشف بعضُهم عن خوفهم من أن يصبحوا في مرتبة أقل من #المدير القائد أو من أن يتم استغلالُهم، إذا ما تصرّفوا بلُطف.
أما الدكتورة ستايسي تاي-ويليامز، فذكرت في بحثها عن التسلط وقلة الأخلاق في مكان العمل، الذي نشر موقع Psych Central جزءاً منه، أن 35% من الموظّفين في الولايات المتحدة الأميركية أكدوا لها تعرّضهم للتسلط والفظاظة خلال مسيرتهم المهنية.
التأثير السّام لهكذا تصرّفات في مكان العمل هو موضوع دراسة حديثة وجدت أن المرء ينجرّ وراء التصرفات السلبية، أي إن هناك نوعاً من "العدوى"، فيصبح الشخص الذي اختبر تجارب فظّة تستهدفُه، فظّاً بدوره.
ما يثير كمّاً كبيراً من القلق هو أنه على الرَّغم من الفظاظة والتسلط وقلة الأدب، يتحمّل معظم الموظفين الأمر ويدفعون الثمن على الصعيدَين العاطفي والجسدي. فكما كتبت تاي-ويليامز: "يظلّ الناس في الوظيفة لأن هناك فواتير عليهم تسديدها".
كيف يمكن أن أقضي على الفظاظة وقلة الأدب والتسلط في العمل؟ وفقاً للخبيرة بـ"الوعي الذهني" شارون سالزبرغ، يتعلّق رضانا عن وظيفتنا بتجربتنا فيها لحظة بلحظة، أكثر ممّا يتعلق بهيبتنا ومركزنا وأجرِنا، كما أوضحت لـPsych Central. قد لا نتمكن من تغيير الوظيفة أو بيئة العمل ولكن يمكننا أن نغيّر ردّ فعلنا عليهما. يتعلق الوعي الذهني بالأمر، فحتى يكونَ المرء متنبّهاً، عليه أن يكون موجوداً في الحاضر.
لا يمكننا أن نغيّر فظاظة الأمس من مدير ولا يمكننا أن نسيطر على المستقبل عبر التفكُّر والقلق، فالجهتان تُبعداننا عن تركيزنا. من هنا، يمكننا أن نتعلّم كيفية استغلال المكان والزمان الحاليَّين وامتلاك لحظات قرار.
فاقترحت سالزبرغ أعمالاً لطيفة كأسهل خطوة. افتح باب المصعد، قدّم إطراء، شارِك نكتة أو تعليقاً طريفاً، تمنّى يوماً جيداً لمن لا يتوقع ذلك منك.
مهما بدت هذه التصرفات غير مناسبة، أو بسيطة، هي فعّالة ومهمة في مكان العمل. إذ هناك دلائل أن الكرَم يغيّر مزاجَنا ويجعل الآخرين كرماء أيضاً. وأظهرت البحوث أن من يختبرون أفعالاً لطيفة هُم أكثر عُرضة للتصرف بلُطف وكرم واحترام مع غيرهم.
وفي بحثها، وجدت بوراث أنه على الرَّغم من "خوف" الناس من أن يكونوا لطيفين ومُساعِدين بشكلٍ كبير، أدّى تصرّفُهم بأخلاقٍ عالية إلى النجاح. وفي دراسةٍ لإحدى شركات التكنولوجيا الحيوية، تبيّن أن من يُعتبَر ذو أخلاق عالية، يُنظَر إليه نظرة القائد مرّتَين أكثر.
وأكّد الأمر الدكتور توم كلارك بما أنه اختبر تجارب في شركات عدّة على مدى سنوات، إذ لفت إلى أن اللُطف والتعاطف مع الغير ليسا متضاربَين مع واقع العمل. فالمدير المضطر أن يقلّص عدد العاملين ولكن يُظهِر احترامه لهم واهتمامه بمستقبلهم، يؤمّن جوّاً من الثقة المستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أن في بحثها، وجدت تاي-ويليامز أن أكثر حلّ للفظاظة قابلٍ للتحقيق هو إظهارُ الموظف اهتماماً بموظّفين آخرين ولُطفاً في التعامل معهم، حتى لو بطرقٍ بسيطة.