يبدو وكأنّالبلد دخل مرحلة الإحتضار وهو في حالة نزاع مع الموت بعد تدهور حالته الصحية مع تفاقم عمل الخلايا السرطانية في الجسم المترهل أمام ضعف عام في جهاز المناعة لديه وعجز أطباء الداخل عن إيجاد الدواء الناجع للمعالجة وانشغال أطباء الخارج بمن فتكت بهم أمراض الربيع العربي وبمن أصيبوا بعدوى الصراعات المذهبية ليتراجع لبنان إلى أواخر سلم الإهتمامات الإقليمية والدولية.
من هنا جاءت دعوة الرئيس نبيه بري الجديدة إلى الحوار على شكل استغاثة وتحت عنوان معبر وصارخ /محاولة للتوافق ونداء استغاثة / وليفتح من خلالها ثغرة في جدار الإحتقان الخطير الذي يهدد بإنزلاق البلد إلى الفوضى بعد بروز الفشل المريع للطبقة السياسية في إدارة الحكم والذي طفا على سطح المشهد اللبناني ، ذلك أنّ كرة ثلج الحراك الشعبي المدني المتدحرجة في الشارع بدأت تكبر وكانت محطتها يوم أمس في أروقة وزارة البيئة وعلى مداخلها وفي الساحات المحيطة حيث تجمع مئات من الشبان المطالبين باستقالة الوزير بذريعة فشله أو عجزه عن إيجاد حل لمشكلة النفايات .
وفي سياق معالجة الإعتصام في محيط وزارة البيئة فقد أتهم وزير الداخلية نهاد المشنوق حملة طلعت ريحتكم بارتباط تحركها بدولة عربية حيث بدأت ترتسم صورة ضبابية حولها ، ممّا أثار بعض الشكوك لدى البعض من الرأي العام اللبناني في ضفتي 8 و14 آذار في مسار التحرك وأهدافه أو تحوّله عن الموضوعات التي كانت في أساس انطلاق الحملة إضافة إلى تهويل الطبقة السياسية على المواطنين بالفوضى التي بدأ يسببها الحراك خوفاً من انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة في ظلّ اتفاق داخلي ورعاية خارجية للإستقرار اللبناني والمحافظة عليه.
وإذ توقعت أوساط وزارية استمرار الحركة المدنية الإحتجاجية وربما تصاعدها لمحّت إلى أنّ موضوع إعلان حال الطوارىء مطروح للبحث .
وأشارت إلى أنّ الأمر مرهون بالتطورات والمشاورات بين أعضاء الحكومة.
لا شكّ أنّ الرئيس نبيه بري يدرك جيداً مدى الصعوبات التي تواجه دعوته الحوارية ، سيما وأن الوسط السياسي والحزبي منقسم بشكل حاد وكل يغرس أقدامه في متراسه المذهبي والطائفي والمرتبط بشكل أو بآخر بالصراعات الإقليمية وبالحروب المشتعلة من المحيط إلى الخليج .
وكذلك فإنّ بري يرى بأم العين تراكم الأزمات والمشاكل ونحن على أبواب عام دراسي وسط وضع اقتصادي خانق ومع مؤشر مخيف للإفلاس ، وعلى أبواب شتاء سيجرف النفايات إلى داخل القصور وقد ينجم عن روائحها وتفاعلها مع الطبيعة أوبئة تهدد اللبنانيين بأمراض لم تعد موجودة حتى في الدول المتخلفة والشعوب البدائية.
من هنا كانت دعوته للحوار مع حرص واضح على وضع النقاط على الحروف عندما قال بكل صراحة /إن العلة في النظام والعلة في الطائفية والحرمان ولا يمكن الإصلاح مع الطائفية / وقد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال /إنّ الطائفية أقوى من إرادتي ومن إرادة مجلس النواب /.
وفي معرض الردود على دعوة الرئيس بري الحوارية فإنّ ترحيب حزب الله وتيار المستقبل واللقاء الديمقراطى ليس كافياً ، بل لا بد من حوار صادق وإيجابي ومسؤول ومثمر وعلى مستوى التحديات الكبرى التي تواجه البلد نتيجة الأزمات والمشاكل المتراكمة والمتفاقمة التي يغرق فيها ، خصوصاً بعد مسلسل طويل لجلسات الحوار كانت عقيمة ودون نتائج ملموسة.
وإذا كانت الحكومة لا زالت الخشبة التي تسبح في بحر الأزمات والتي يتمسك بها اللبنانيون خوفاً من الغرق ، فعلى القوى السياسية المسارعة فوراً ودون إبطاء إلى حوار جدي وفاعل والاهتمام بالشأن الداخلي دونما الإنشغال بالصراعات الإقليمية .
وذلك قبل فوات الأوان وقبل انهيار الهيكل على رؤوس الجميع. (ومن طلع الحمار عالشجرة عليه هو أن ينزله عنها) .