بدون أية مبالغات يمكن وصف الحراك الشعبي الحاشد الذي جرى يوم السبت في 29 آب 2015 بالإنتفاضة الشعبية المستقلة ضد الفساد والطائفية والمذهبية والنظام السياسي القائم في لبنان .
هذه الإنتفاضة المستقلة والتي بدأت بحراك متواضع من قبل مجموعة شبابية باسم " طلعت ريحتكم" من أجل معالجة ملف النفايات تحولت إلى حراك شعبي وسياسي واسع انضمت اليه عشرات المجموعات الشبابية المستقلة، كما انضم إليه بعض الاحزاب السياسية، إضافة لآلاف المواطنين الذين جاؤوا من بيئات مختلفة مناطقية وسياسية ومذهبية وطائفية مختلفة، وكل مواطن يحمل قضية معينة تهمه بشكل خاص ، إضافة للهموم المشتركة من قضايا النفايات والكهرباء والمياه والبطالة، في حين أنّ البعض يريد تغيير النظام السياسي وإقامة دولة العدالة والمواطنة أو الدولة المدنية.
وقد تنوّع المشاركون في الحراك الشعبي على المستوى الإجتماعي والتعليمي والمهني ولم يكونوا من فئة معينة والبعض منهم حمل أولاده معه للتأكيد على أنّ ما جرى يمس كل المواطنين.
ومع أنّ بعض القوى السياسية والحزبية قد تعاطفت أو شاركت في هذا الحراك الشعبي فإنّه يمكن الـتأكيد بأنّ هذا الحراك كان مستقلاً ولا يمثل أي حزب أو حركة سياسية وهو تحرك وطني حقيقي ولا علاقة له بالسفارات أو قوى خارجية.
والأهم من كل ذلك أن هؤلاء المشاركين في هذا التحرك أثبتوا أن هناك قوة شعبية لبنانية مستقلة من خارج قوى 8 و14 اذار وأن البلد لم يعد منقسماً فقط بين اتجاهين سياسيين .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ما جرى: إلى أين نحن سائرون؟ وماذا بعد 29 آب؟ فلقد حدد بعض المشاركين وخصوصاً مجموعة " طلعت ريحتكم" مطالب معينة ووضعوا مهلة محدد للتنفيذ وتنتهي مساء يوم الثلاثاء، فهل تستجيب السلطة لمطالب المتظاهرين؟ وماذا لو لم تستجب؟
على الاغلب أنّ الحكومة اللبنانية لن تستجيب للمطالب ضمن المهلة المحددة مع إنّها قد تتخذ خطوات محدودة لتنفيس حالة الاحتقان، كما أنّ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد طاولة للحوار الوطني قد تفتح الباب أمام بعض الحلول السياسية للأزمة القائمة .
لكن في المقابل فإنّ المطلوب من الذين تبنوا هذا الحراك الشعبي أن يعيدوا تنظيم صفوفهم وأن يواصلوا التحرك بشكل منظم وأن يستفيدوا من هذه الفرصة التي وفرتها لهم هذه الإنتفاضة الشعبية في 29 آب من أجل أن يتجمعوا ويتعاونوا فيما بينهم وأن يضعوا خططاً بعيدة المدى فالمعركة طويلة وتحتاج لنفس طويل وخطة عمل والنظام اللبناني يتمتع بقوة كبيرة ولن يكون من السهولة تغييره أو تطويره .
لكن مهما حصل لاحقاً فإنّه يمكن القول أنّ ماجرى في 29 آب كان انتفاضة شعبية لبنانية حقيقية وهي ستفتح الباب أمام التغيير في المستقبل وتعطي الأمل بوجود قوة شعبية جديدة وحقيقية في لبنان .