منذ انطلاق الحراك الشعبي على خلفية أزمة النفايات، نظر أركان السلطة إليه بعين الريبة. لكلّ من القوى الكبرى روايته. الاتهامات انهالت عليه: السفارات تحرّكه، أجهزة استخبارات تستخدمه، حزب الله يقوده... كان منسوب القلق يرتفع كلما ازداد مستوى العنف في قمع المتظاهرين في ساحة رياض الصلح. أكثر الخائفين من الحراك كان تيار المستقبل.

التيار يعاني مشكلة مع جزء كبير من جمهوره، على خلفيات مالية وتنظيمية وسياسية أيضاً، توّجتها أزمة النفايات في بيروت وإقليم الخروب وعكار. كلما توسع الحراك، كان التيار يرى نفسه المستهدف الأول بالحراك: ملف النفايات مستقبلي بالدرجة الأولى، الحديث عن الفساد في السلطة يصيبه، شعار إسقاط النظام يمسّ بما يراه حقاً له بعد اتفاق الطائف. خلاصة الأمر أن التيار نظر إلى ما يجري بالكثير من القلق والريبة. العقل «المؤامراتي» الذي يحكم خطاب جزء كبير من التيار رأى في الحراك نشاطاً يديره حزب الله بهدف إسقاط الحكومة بواسطة «الشغب» الذي يمارسه «مندسّو الحزب». الرواية الزرقاء تضيف إن الهدف من الشغب هو الدم الذي سيحرج الرئيس تمام سلام ويدفعه إلى الاستقالة. واستقالة الحكومة تعني بنظر «المستقبل» فتح الباب أمام المؤتمر التأسيسي. تضاعف قلق الحريريين عندما اقترح الرئيس نبيه بري عقد طاولة الحوار. ردة الفعل الأولية على هذا الاقتراح كانت سلبية للغاية. وبوضوح قال فريق عمل الرئيس سعد الحريري: هذه دعوة مقنعة لمؤتمر تأسيسي تواكب تحريك الشارع.
الاتصالات السياسية والمعلومات الأمنية خفّفت من توتر المستقبليين، إلا أنهم بقوا خائفين من تظاهرة السبت. توقعوا حشداً جماهيرياً كبيراً، يضم أعداداً كبيرة من الذين ليس بإمكان المنظمين السيطرة عليهم. أتت التظاهرة لتطمئن جزءاً كبيراً من أصحاب القرار في التيار الأزرق. لم يرفد حزب الله التظاهرة بعشرات الآلاف. ولا المنظمون رفعوا شعارات «انقلابية». أما أعداد المشاركين، فطمأنتهم بشأنها تقديرات الأجهزة الأمنية. الجيش تحدّث عن أقل من 10 آلاف متظاهر، وكذلك فرع المعلومات الذي أكّد أن العدد لم يتجاوز في لحظة الذروة الـ 15 ألف متظاهر. سريعاً، انتقى المستقبليون 3 بنود من مطالب الحراك، ليقولوا إن فيها ما يجب تحقيقه بطريقة أو بأخرى: استقالة وزير البيئة محمد المشنوق (يقول مسؤولو «المستقبل» بوجوب تقديم تنازل ما في هذا الجانب)، محاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق (يرى المستقبليون أن نتائج التحقيق ستفي بالغرض)، وانتخاب رئيس للجمهورية (يزايد التيار في هذا المطلب، معتبراً أنه أول الداعين إليه). الهدوء الذي عممه الحريريون منذ ليل السبت الفائت لا يخفي قلقاً من نوع آخر. صحيح أن الأجهزة الأمنية ترى أن تظاهرة السبت هي «السقف الشعبي للحراك»، إلا أن مسؤولين بارزين، بينهم رئيس الحكومة تمام سلام، يتوقعون توسّع الاحتجاجات إذا لم تُلبّ المطالب. يُضاف إلى ذلك كلام واضح لدى جميع أركان السلطة: لا يمكننا بعد اليوم الاستمرار في نهج الإدارة السابقة ذاتها، ويصعب علينا تجاوز الموجودين في الشارع، بصرف النظر عن أعدادهم.