تقول أوساط سياسية متابعة لحراك اليوم إنّ اللعب في الشارع وافتعال الثورات ليس بالأمر البريء، وقد تكون الأهداف الظاهرية للشباب والحركات الداعية الى التحرك بريئة ومحقّة غير أنّ الوقائع أثبتت أنّ هؤلاء لم يتنبّهوا لخطورة استحضار شعارات الثورات العربية واستنهاض الشارع بعدما لبّى نداءهم الآلاف.

في معلومات “الجمهورية” أنّ عدد المشاركين قد يتخطى اليوم الـ50 ألفاً، فيما يُحذّر منظّمو تحرّك “طلعت ريحتكم” من غضب الناس، “إذ لا يمكن لأحد منع الناس من إظهار غضبهم، وحتى نحن”.

وفي المعلومات أنّ المتظاهرين قد يحاولون مجدداً التوجّه إلى السراي الحكومي، ولا أحد يضمن عدم وقوع مواجهات مع القوى الامنية، خصوصاً أنّ عروضاً كثيرة انهالت على مؤسّسي تحرّك “طلعت ريحتكم” الذين فوجئوا بهذه العروض التي شملت سياسيين وبعض الأحزاب.

وفي المعلومات أيضاً أنّ تحرّك “طلعت ريحتكم” لن يدعو الى إسقاط النظام او الحكومة في تحرّكه اليوم بل سيلجأ الى تحديد مطالبه عبر إطلاق شعارات متعددة، لكنّه لا يضمن أن ترفع بقية المنظمات المشاركة هذه الشعارات، في وقت يخطّط تحرّك “طلعت ريحتكم” مستقبلاً لخطوات تصعيدية قد تشمل احتجاز الوزراء والنواب في منازلهم وإقامة حواجز قسرية أمامها، وحتى الاستعانة بالنفايات لصنع تلك الحواجز بغية منعهم من الخروج.

وعلمت “الجمهورية” أنّ التحرّك حَضّر 4 آلاف علم لبناني للاستعانة بها اليوم، وهو ما زال متمسّكاً بضرورة استقالة كل وزير ونائب يفكّر بالنزول الى الساحة للمشاركة معهم في التظاهرة، خصوصاً أنهم هزئوا بكلام رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون في مؤتمره الصحافي أمس لجهة اتهامهم بسرقة شعاراته، مُنتقدين تردّده وتخبّطه في قرار المشاركة بالتظاهرة أو عدمه.

مَن هم “طلعِت ريحتكم”؟

مؤسسو حملة “طلعت ريحتكم” لا يتجاوزون العشرة أشخاص، أبرزهم: عماد بزي، اسعد ذبيان، علي سليم، فرح الشاعر، لوسيان ابو رجيلي، مروان معلوف، كلود جبر، طارق الملاح. علماً أن لا قيادة واحدة ومحدّدة حتى الساعة إنما تقدّمت أخيراً لمساندتهم مجموعة محامين واستشاريّين سيشارك بعضهم في التحرّك اليوم.

أمّا الجمعيات المشاركة فهي: “الحركة البيئية”، “بدنا نحاسبط، “حلّوا عنّاط ومجموعات كبيرة. امّا “المفكرة القانونية” فهي تدعم التحرّك قانونياً، وقد شكّلت نخبة قانونية تضمّ 15 محامياً للدفاع عن الموقوفين وللمتابعة”.

عماد بزّي

وفي وقت أشارت المعلومات الى أنّ عماد بزي ينتمي الى المنظمة الصربية CANAVAS، وهي حركة تسعى الى تنظيم الثورات وإطاحة الأنظمة والتخطيط للثورات. وقد أطلق على ثوراتها لقب “الثورات الملوّنة” بعدما عمد أتباعها خلال التظاهر إلى الرشق بالألوان واستعمالها، وهذا ما قد يُبرّر استعمال المتظاهرين أعضاء تحرّك “طلعِت ريحتكم” البيض الذي يحوي مواد ملوّنة لرَشق القوى الامنية بها، وهذا ما يعزّز الشكوك حيال إمكانية انتماء بزّي أو رفاقه الى هذه المنظمة.

وأفادت المعلومات أنّ بزّي هو أحد تلامذة منظمة “اوتبور”، وتعني المقاومة الشعبية الصربية، وهي منظمة مرتبطة بمعهد السلام الاميركي USIP التي نشطت في عملية إسقاط الرئيس ميلوسوفيتش في صربيا ودرّبت مئات الناشطين من أكثر من 37 دولة في العالم على قيادة الانقلابات والثورات “الناعمة والملونة” وإدارتها من خلال تحريك الاحتجاجات المدنية والسلمية في مركز CANAVAS في بلغراد تحت إشراف المدرب سيرجيو بوبوفيتش. وقد يُبرّر استخدام قادة “طلعِت ريحتكم” الألوان في التظاهرات في حال كان هذا الكلام صحيحاً.

طارق الملاح

هو ناشط مدني تداول اسمه أخيراً لجهة إمكانية انتمائه الى “سرايا المقاومة” بعد اتهام وزير البيئة محمد المشنوق له بالانتماء اليها مع زُمرة من الشباب، فأقام الملاح دعوة ضده.

الملاح، وفي حديث الى “الجمهورية”، نفى أن يكون منتمياً إلى “سرايا المقاومة”، قائلاً: “هذه الإشاعات تُطلق لاستهدافنا فرداً فرداً وأنا لا أنتمي الى السرايا ولا أعرفها حتى”. ونفى أيضاً أن يكون زميله عماد بزّي ينتمي الى منظمة CANAVAS”.

وعن تحرّك اليوم، كشف الملاح أنّ كل الجمعيات ستشارك معهم. أمّا بالنسبة إلى الأحزاب، فقد أبدى امتعاضه من كلام العماد عون خلال مؤتمره الصحافي، قائلاً: “بعد سماعنا تصريحه نستغرب حيرته، وهو لا يعلم في الحقيقة على “أيّ خازوق بَدّو (…) !”. ساعة يقولون إنهم سينزلون بأعلامهم معنا، ومرة أخرى يقولون انهم سينزلون منفردين. امّا المُضحك فكان اتهامنا بأننا نسرق شعاراته! فهل اصبحت الشعارات الوطنية التي تُندّد بالفساد وبوجوب قمعه حكراً عليه وعلى شارعه؟”.

واضاف الملاح: “قلنا سابقاً وما زلنا نُردّد أنّ كل علم يشارك معنا هو مَكسب لتحرّك “طلعِت ريحتكم” ومُرحّب به، لكن أن يحاول عون أو غيره ركوب الموجة فهذا لن يحصل، ونعتقد أنّ عون لن يفعلها وهو أذكى من أن يفعلها”.

ولفت إلى “أننا سنكون غداً (اليوم) في ساحة الشهداء، وهناك اتجاه للتحرّك أيضاً في رياض الصلح، ولن نكذب لنقول إننا نعلم مُسبقاً مجريات الصورة التي سيحدثها تحرّكنا، ولا نجزم بأنّه لن يكون هناك شغب أو اعتقالات”.

وكشف أنّ “حركة «طلعِت ريحتكم” باتت تضمّ نحو 240 شخصاً، وهناك لجنة مسؤولة عن هؤلاء”، مشيراً إلى أنّ “هذه اللجنة مخصّصة فقط للمتطوّعين في حركة “طلعِت ريحتكم” التي ستعمل كل ما بوسعها لضبطهم، لكنها لا تستطيع ضبط 50 ألف مواطن”.

مَن يُموّل الحركة؟

ينكر الملاح أن تكون أيّ جهة داخلية أو خارجية تموّل “طلعت ريحتكم”، مؤكداً أنّها “عبارة عن 10 أشخاص أنشأوا فكرة هذا التحرّك، وحين نزلنا في المرة الاولى كنّا 20 شخصاً فقط. وفوجئنا بالعروضات التي انهالت علينا من الاحزاب وغيرها للقول “شو بَدكن نحنا حَدّكن”.

لكننا رفضنا رفضاً قاطعاً، ويمكنكم الاطلاع على صفحاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتروا كيف نتهجّم ونُهاجم كل مَن يحاول استغلالنا او ابتزازنا، لكي لا يقال إننا نتقاضى الاموال من اجل مطالب نؤمن بأهميتها، ولا نريد التوغّل أكثر في هذا الموضوع”.

لا لإسقاط النظام

وعن إسقاط النظام، أوضح الملاح أنهم طالبوا بإسقاط الحكومة «عفوياً عندما اعتدَت علينا عناصر الامن، ونادَينا بسقوط وزير البيئة لأنّه مطلب محقّ، ولأنه فشل في مهمته في ملف النفايات، وكذلك وزير الداخلية لأنّه حصل إطلاق نار حيّ”، جازماً أنه “لا يحقّ لأيّ دولة من الدول إطلاق النار الحيّ على المتظاهرين، فساحة المجلس هي ملك الناس وليست ملك السياسيين”، داعياً القوى الامنية “الى السماح لهم بالدخول لأنّ ساحة المجلس هي أملاك عامّة، وهي ملك الشعب”.

وأكد أنّ “التحرك ليس تابعاً لأحد، وفي حال حضرت اعلام كثيرة ومتعددة سنطالب عبر مكبّرات الصوت بتسليمنا إيّاها وسنصادرها، وإلّا المغادرة فوراً. واذا لم يلبّوا نداءاتنا فهؤلاء هم الناس الذين يجب محاسبتهم لأنهم ينزلون للتخريب”.

وإذ اعترف بأنهم أخطأوا في مكان ما، جزم أنّ الخطأ ممنوع اليوم ولا اتجاه لتسمية رئيس لحركة “طلعت ريحتكم”، لا من السياسيين ولا من غيرهم.

تمويل شخصي

وكشف الملاح أنه لا ينام في منزله “لأنني مهدّد، وأنا أدفع من مالي الخاص لهذا الحراك ومن المعيب الحديث بهذا الامر”.

وأشار الى “أننا ننسّق مع “بَدنا نحاسِب”، ولكل حركة الحرية في إطلاق شعاراتها، ولا يمكننا تسميتهم مُندّسين، ولهم الحق في أن تكون لهم شعاراتهم الخاصة، وسيكون هناك شعارات في المظاهرة لإسقاط الحكومة والنظام لكنها ليست شعاراتنا، و”الساحة بِتساع”.

وأعلن: “إننا مستمرون في الساحات ومسرورون لأننا بكلمة واحدة أصبحنا قادرين على إنزال 10 آلاف مواطن إن لم يكن أكثر، ولن نكشف عن تحركاتنا المستقبلية”.

ونفى الملاح وجود تنسيق مع قوى الامن الداخلي، قائلاً: “ليَقم كل واحد بواجباته ويهمّنا تصويب البوصلة، فنحن ضد الاستعمال المُفرط للعنف”، لافتاً إلى “أننا لا نعلم مَن أطلق الديناميت وقنابل المولوتوف على القوى الامنية، ولا نستطيع الاجابة عن هذا السؤال”.

وباسم الحملة، أكّد الملاح: “ممنوع المَسّ بعناصر الامن، فهم “منّا وفينا” وأهلنا وأحبابنا. وسنرمي الحجارة على المسؤولين عن الازمة، ولا نقبل التعدي على القوى الأمنية ولسنا مسؤولين عن غضب الناس”.

وتحدث عن “آلاف الرسائل التي تصلهم يومياً مطالبة بالانضمام الى الحملة، فيما نفاجأ يومياً بعدد هؤلاء ونسعى للتواصل مع اكبر عدد ممكن لأخذ آرائهم او لدعم تحرّكنا»، داعياً اللبنانيين الى النزول جميعهم “بعدما طاوَلت القمامة أبواب منازلهم»، مؤكداً أنّ “نَزلتنا صرخة ضدّ الحكومة العاجزة عن اتخاذ قرارات واضحة وحازمة». وختم الملاح بالقول: “إنّ السياسيين لم يصدقوا أنّ عشرة أشخاص فقط يمكنهم قَلب مقاييس الساحة الشعبية”.

في المشهد العام، سئم الناس العجز السياسي وسوء الإدارة والفساد المسبّب للفقر والقهر، واغتصاب حقوقهم وأبسط متطلّباتهم الحياتية والمعيشية. وهم شاركوا عفوياً في هذا الحراك، تعبيراً عن غضبهم الذي يُهدّد بإنفجار، غير أنّ بعض المجموعات المشبوهة قد يدفع الى ضرب المطالب المحقة من خلال أعمال الشغب والاعتداء على رجال الامن وإحداث الفوضى، لحسابات سياسية، خصوصاً أنّ هناك من يَدعم الحراك من الأبواب الخلفية وغرف العمليات بالمال والمواقف السياسية والإمكانات الإعلامية، وكذلك في ضوء ما تردَّد عن انضواء بعض منظمّي التظاهرات وقياداتها إلى منظمّات كالـ”أوتوبور” و”الكانافاس”، و”ناضَل” في صربيا ومصر واليمن وليبيا.

ليُطرح السؤال الخطير: هل يقود الحراك المدني هذا الشعب من ساحة الشهداء الى واد آخر؟