عدم القدرة على تقويم ما يجري اليوم من طرفي السلطة والمتظاهرين، يقلق الشارع اللبناني بكل مكوناته رغم ان المسؤولية تقع على السلطة السياسية التي لم تحاك حتى الان الحراك الشعبي بالايجابية المطلوبة لا بل انها سلكت طريق المواجهة والقمع تحت ستار المندسين.
السلطة «متلهية» في صراعاتها وتجاذباتها فيما بينها، وكانت مجمعة بمعظم اطيافها على عنصر واحد يتمثل بكيفية مواجهة هذا التحرك الشعبي ولو بالقوة دون اللجوء الى البحث الجدي في استيعاب ما يجري في الشارع واخذ العبر مما جرى في الوطن العربي وفي الساحات العربية ونتائج ما رتبه الربيع العربي من فوضى وعدم استقرار واذا دخل لبنان في هذا النفق فلا امل بالحل.
المشكلة ما زالت في السلطة التي تدير وجهها عن مطالب الناس ولم تلجأ الى معالجة اسباب المشكلة. واللافت ان ما يجري في لبنان بات تحت المجهر الدولي والسفارات الغربية التي تطرح اسئلة عديدة عن المخارج مكتفية بالمراقبة مع قرار واضح برفض استخدام العنف لقمع المتظاهرين وانذار اركان السلطة بهذا الامر.
الحراك المدني العفوي كشف السلطة السياسية وهزالتها واركانها امام تحركات بدأها عشرات الشباب وكيف ستكون اوضاعهم اذا كبر الحراك جراء التضامن الشعبي.
الحراك المدني هزّ الاحزاب السياسية واعمدة النظام السياسي فتداعوا جميعا للحل وقفزوا فوق خلافاتهم لايجاد مخارج للمأزق الذي اوصلوا البلد اليه، جراء فسادهم وعهرهم السياسي.
«الحراك المدني» كشف اركان النظام وامتيازاتهم ولن يحميهم كل ما فعلوه في البلد امام غضب الناس، فسرقوا ونهبوا واوصلوا الديون الى 77 مليار دولار، وراكموا النفايات وصادروا كل امل بالتغيير بالتزامن مع ابشع اعمال القمع لكل «صوت» تجرأ وقال «لا» لهذه الطبقة السياسية.
«الحراك المدني» كشف عورات الطبقة السياسية وأن كل اموال الدنيا والوزارات والسمسرات لن تستطيع حمايتها امام غضب الشارع وثورته، الذي بدأ تحركاته الشعبية امس ونظم اتحاد الشباب الديموقراطي مسيرة سلمية من رياض الصلح الى وزارة الداخلية، طالبت «المشنوقين» بالاستقالة ومحاسبة من يتصدى للمتظاهرين ومن اخذ القرار ومحاربة الفساد ودعا الى المشاركة بتظاهرة اليوم.
كما دعت حركة «طلعت ريحتكم» اللبنانيين الى المشاركة بالتظاهر عصر اليوم وكذلك حركة «بدنا نحاسب». كما دعا العديد من الفنانين والموسيقيين واساتذة الجامعات النقابات الحرة الى المشاركة بالتظاهرة الحاشدة في ظل دعوات ايضا من المناطق اللبنانية، كما ان العديد من الشباب رفضوا مغادرة ساحة رياض الصلح حتى موعد التظاهرة وقاموا برمي النفايات على الحاجز الفاصل بين ساحة رياض الصلح والسراي، واللافت ان شعارات المتظاهرين حملت مطالب سياسية بالدعوة الى قانون انتخابي جديد ورحيل هذه الطبقة السياسية.
وفي المقابل رفعت القوى الامنية نسبة جهوزيتها الى الدرجة القصوى (100 %) حرصا على الاستقرار حيث كانت الاوضاع ليل امس اشبه بحالة طوارئ وسط تخوف المواطنين جراء اعلام السلطة الذي اشاع اجواء عن وجود مندسين وعمليات فوضى تخريبية لن تسمح بها القوى الامنية.
من جهته، اكد قائد الجيش العماد جان قهوجي انه لن يسمح للخارجين على القانون باستدراج التظاهرات الى الفوضى وتعريض مسيرة السلم الاهلي للخطر. كما اكد وزير الداخلية على تأمين الحماية للتظاهرة لكنه اعطى قرارا واضحا للقوى الامنية بالتصدي لاعمال الشغب وحماية الممتلكات العامة.
واشار الى وجود 7 موقوفين شاركوا بالتظاهرات الاخيرة متهما اياهم بتناول المخدرات، وقال هناك 3 جهات اطلقت النار والتحقيقات جارية لتأكيد من اطلق النار، الجيش اللبناني او قوى الامن الداخلي او شرطة مجلس النواب. وهذا ما دفع شرطة المجلس الى الرد على وزير الداخلية ونفي اطلاق النار وترك الامور للتحقيقات. وهذا ما ادى الى استغراب المشنوق لجهة انه لا يحق لشرطة المجلس الرد على وزير.

ـ التحركات السياسية ـ

وعلى الصعيد السياسي فإن الحراك المدني ربما دفع الطبقة السياسية الى محاولة جمع صفوفها وترتيب اوراقها في ظل دخول الرئيس نبيه بري على خط الاتصالات وبقوة، مدعوما من النائب وليد جنبلاط وتجاوب الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون مع هذه المبادرات وتُرجمت فورا باعلان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس المقرب من الرئىس سلام، ان رئيس الحكومة لن يدعو لاجتماع لمجلس الوزراء وهو اعطى فرصة للحلول والحرص على مشاركة جميع مكونات الحكومة في اجتماعات مجلس الوزراء. وقد بادر الرئيس سلام الى تجميد المراسيم السبعين وعدم نشرها في الجريدة الرسمية. وقد رد العماد عون على هذه الخطوة بأفضل منها خلال مؤتمره الصحافي، حيث افسح في المجال للحلول عبر تأجيل الحراك الشعبي الى نهار الجمعة المقبل دون الاعلان عن شكل التحركات، فيما لم يتضمن مؤتمر العماد عون نبرة عالية مع التأكيد «اننا لن نستقيل من الحكومة لان لا امكانية لتشكيل اخرى». مشيرا الى ان العمل جار على معالجة بعض المراسيم والتأكيد على الاستقرار. واعلن خارطة طريق للوصول الى حل عادل يبدأ بانتخاب رئىس للجمهورية من الشعب مباشرة واقرار قانون انتخابي وفقا للنظام النسبي واجراء انتخابات نيابية شفافة وصولا لانتخاب رئيس من مجلس النواب الجديد وتأليف حكومة اصلاحية.
هذا الحراك للرئيس نبيه بري سيتوجه باطلاق مبادرة في خطاب ذكرى تغييب الامام موسى الصدر غداً الاحد عبر دعوة الافرقاء الى طاولة حوار جديدة شبيهة بطاولة حوار 2006 للوصول الى مخرج شامل للحل.
فيما النائب جنبلاط دخل على خط الحلول رافضا اقصاء العماد ميشال عون متفهما وجهة نظره بالنسبة للمراسيم. واكد جنبلاط ان لا بديل عن الحوار بين المكونات السياسية، وبعد ان اتصل جنبلاط بالعماد عون اوفد وزيره وائل ابو فاعور الى الرابية مساء امس للوقوف على رأي الجنرال عون والتأكيد على الحوار. وعلم ان الاتصالات شملت بري وجنبلاط والرئىس الحريري والعماد عون ولم يكن بعيدا عنها الرئيس تمام سلام.
تحرك جنبلاط باتجاه العماد عون هدفه انعاش الحكومة والوصول الى مبادرة حل متكاملة تحصن البلد للخروج من المأزق. ولكنّ وزيراً سابقاً اشار بعد سلسلة لقاءات عقدها امس الى أن الاجواء ما زالت قاتمة والجميع في مأزق ورغم ان العماد ميشال عون اعطى فرصة للحلول، لكن الخلافات ما زالت على الآلية والتعيينات ولا تقدم في هذين المجالين حتى ان دعوة الرئيس بري لعقد طاولة حوار بين الاطراف السياسية لا يمكن البناء على نتائجها رغم ايجابياتها وهل ستحضر الاطراف المسيحية في ظل غياب رئيس الجمهورية؟
الاتصالات قائمة فهل ينجح بري بالخروج من المأزق والامور تبقى مرهونة بحجم التظاهرة وعدد المشاركين، وعندها ربما يتخذ الوضع السياسي مسارا جديدا لن يستطيع النادي السياسي الخروج منه سليماً ومعافى.