انتقل الرئيس تمام سلام من التهديد بالاستقالة الى الرضوخ للتسوية، وانتقل الرئيس نبيه بري من الاصرار على شروطه الى القبول بشروط المسيحيين، بعد تظاهرات «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب» او التظاهرة التي سيدعو اليها العماد ميشال عون في ساحتي رياض الصلح والشهداء والسراي الحكومي. ذلك ان الرئيس تمام سلام متخوف جداً من سقوط قتلى وجرحى، واعتبر ان ارث صائب سلام لا يسمح له بان يشرف على حكومة توصل البلاد الى قتلى وجرحى. كذلك خضع الرئيس سلام للانذار الاميركي بعدم التعرض بالعنف والرصاص للمتظاهرين، والتقط الرئيس نبيه بري الاشارة ايضا بعد ان تم تكسير وتحطيم المتاجر في ساحة الشهداء بالاضافة الى اعمال الشغب التي حصلت.
تقرر العمل على التسوية، واقتنع الرئيس سلام بعدم دعوة الحكومة في ظل مقاطعة وزراء حزب الله والتيار الوطني والطاشناق والمردة. وحذر الرئيس بري من ان الحكومة لا تستطيع الاستمرار في ظل غياب وزراء عون وحزب الله، والتقط الرئيس بري ايضا الاشارة من حزب الله الى اي حد ذاهب بدعم العماد عون وعدم التخلي عنه والقبول بكسره، خصوصاً ان حزب الله اعلن موقفاً واضحاً من هذا الامر، مما دفع الرئيس بري الى اتخاذ خطوة الى الوراء من اجل التسوية. لكن العماد عون الذي زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي واتصل بالقيادات المسيحية من اجل الحفاظ على صلاحيات الرئيس الماروني، دفع مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان الى مواجهة الاخطار بدعوة وزراء ونواب ومفتي الطائفة السنية الى الاجتماع مساء الاحد دعماً لرئيس الحكومة عشية القمة الروحية التي ستعقد في بكركي نهار الاثنين تحت عنوان «انتخاب رئيس للجمهورية».
اما على صعيد التظاهرات، فقد علم المسؤولون جميعا ان الجيش اللبناني غير مستعد لاطلاق الرصاص على المتظاهرين، وانه مستعد لمنع اعمال الشغب، لكن لا احد يضمن كيف ستسير الامور خلال التظاهرات، واذا حصلت اعمال شغب فيمكن ان يطلق الجيش النار ويسقط عشرات القتلى في ظل الفوضى الحاصلة. ولذلك علم المسؤولون ان قضية الشارع قضية خطرة، ولم تعد قضية سياسية، بل اصبحت قصة شارع ينتفض كما حصل في «الربيع العربي» وتم اسقاط الانظمة ومن بعدها دخلت تلك الدول في فوضى، وربما دخول لبنان في فوضى مشابهة لن تنتهي الا مع الازمة السورية.
التسوية التي يعمل عليها بري تقضي بان يتم اقرار مشاريع الضرورة في الحكومة والمجلس حتى انتخاب رئيس الجمهورية، لكن الافرقاء المسيحيين من التيار الوطني الحرّ وتيار المردة والقوات اللبنانية وحزب الكتائب ووزراء الرئيس سليمان يرفضون اي بحث في تشريع الضرورة واقرار مشاريع الضرورة اذا لم يتم اقرار قانون الجنسية وقانون الانتخاب، في حين يصر وزراء الكتائب وسليمان على انتخاب رئيس قبل البحث في اي مشروع. وبالتالي فان التسوية لن يكتب لها النجاح.
وقال الرئيس نبيه بري «انه يستنتج من عدم حضور وزراء حزب الله وتكتل التغيير والاصلاح، انه صب في اطار اتخاذ القرارات الضرورية التي لا بدّ منها في جلسة الحكومة. ويبدو ان الغياب كان محل الحضور»، واوضح انه اتصل بعد الجلسة بالرئيس تمام سلام متمنياً عليه عدم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء. وقال بري: «الرئيس سلام كان متفهماً ومتجاوباً وانه يعمل لمصلحة الحكومة والبلد».
وكشف بري امام زواره، عن جهود جارية لتوقيع كل المراسيم السبعين التي اقرت خلال حضور حزب الله والتكتل. اما المراسيم التي اقرت في غيابهم فهي مراسيم غير ضرورية يمكن ان تنتظر، مثلاً مرسوم ب 56 رخصة صيد. واعطى الرئيس بري توجيهاته للوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر بان تمر القضايا الحيوية في الجلسة، اي الرواتب والهبات وتغذية الجيش.
واوضح ان القضايا الضرورية يجب ان تمر في الحكومة ومجلس النواب الى حين انتخاب رئيس للجمهورية.
كما ان التسوية ايضاً ما زالت تصطدم بموضوع آلية عمل مجلس الوزراء في ظل اصرار العماد عون على البحث في الآلية قبل النقاش في جدول الاعمال، رغم ان جهود بري اثمرت بتجميد المراسيم السبعين من قبل سلام وعدم نشرها في الجريدة الرسمية. وايضا ما يعيق التسوية هو موضوع التعيينات العسكرية اذ يتم البحث في اقتراح قدمه وزير الداخلية نهاد المشنوق برفع سن التقاعد لـ 12 عميداً، من بينهم العميد شامل روكز وضباط امنيون، لكن هذا الاقتراح يواجه بمعارضة.
كما ان ما يعيق التسوية هو الرفض لـ «الشراكة» من قبل رئيس الحكومة وتيار المستقبل وتجاهل المكوّن المسيحي الاساسي، كما يقول التيار الوطني الحر سيرد عليه العماد ميشال عون خلال مؤتمر صحافي سيعقده قبل ظهر اليوم، وسيعلن فيه النزول الى الشارع الاسبوع المقبل، ودعم التحركات المطلبية الشعبية، خصوصاً ان حملة «طلعت ريحتكم» اعلنت عن تظاهرة حاشدة عند الساعة السادسة من مساء غد في ساحة الشهداء، ودعت الجميع للمشاركة فيها، رفضاً لسياسات الحكومة. المشاركة ستكون حاشدة وقد رد مجلس الوزراء على الدعوة بوجوب اتخاذ كل الاجراءات الضرورية لمنع حالات الشغب والاعتداءات، وعلم ان التظاهرة ستكون حاشدة وسط مشاركة كثيفة من منظمات المجتمع المدني.
واللافت ايضا ونتيجة شعور المسؤولين، وتحديداً بري وجنبلاط بخطورة الاوضاع في حال فلتان الشارع، فان جنبلاط اتصل بالعماد عون واكد له على التنسيق والتواصل معه، لكنه تمنى عليه تقدير الظروف المحيطة بالبلاد، وبأن حضور وزراء الحزب الجلسة في غياب التيار ليس موجهاً ضد العماد عون، بل لاقرار المشاريع الضرورية في البلاد، حتى ان وزيرا الحزب في الجلسة اكدا على ضرورة حضور كل مكونات الحكومة لمواجهة الاوضاع، كما ان وزير المال علي حسن خليل اشار الى ان القرارات التي اتخذت ليست استفزازية، وهي تتعلق بامور الناس والرواتب وتغذية الجيش وغيرها، حتى ان وزير الثقافة روني عريجي اشار الى ان الغياب عن الحكومة لا يعني الاستقالة ولا الاعتكاف، لكننا لن نحضر هذه الجلسة تفاديا لمزيد من الاحتقان، ولعل المجلس ينجح في اتخاذ بعض القرارات وبعدها نرى ماذا سيحصل مشيرا الى ان المراسيم موضوع الاشكال التي اقرت جمدت ونبحث عن حل لها، اما آلية العمل فما زالت قيد البحث، وهذا ما يؤكد حرص الجميع على التسوية وعدم فرط الحكومة في ظل الاوضاع الامنية في البلاد، لكن ذلك يتطلب نهجاً جديداً في العمل يحاول الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط الوصول اليه.
وعلم ان وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله والمردة والطاشناق عقدوا اجتماعاً قبل جلسة الحكومة، قرروا خلاله عدم المشاركة في جلسة الحكومة ورفض منطق الاكثرية بتجاهل «الشراكة» والمطالب المحقة. واشارت المعلومات ايضا الى ان حزب الله وعبر احد مسؤوليه جال على القيادات السياسية وابلغها موقفاً واضحاً وصريحاً بدعم العماد ميشال عون وعدم «كسره»، وضرورة بحث مطالبه والحوار في شأنها.
واشارت مصادر متابعة الى ان العماد ميشال عون الذي اعطى الفرصة خلال الاسابيع الماضية، للحل وتجاوب مع مبادرة اللواء عباس ابراهيم، قوبل موقفه بالتجاهل وتسفيه خياراته، وتصويره بانه يخوض معارك شخصية او جهوية او طائفية ا و فئوية، وبأن لا علاقة لها بالوطنية والاصلاح وتصويب مسار العمل السياسي في البلاد. وكل ذلك لاضعاف الخيارات السياسية للعماد عون. وتؤكد المصادر ان الحملة على عون ستتصاعد خلال المرحلة المقبلة من اجل «كسره» وتيئيس جمهوره، وبالتالي دفع هذا الجمهور الى التساؤل عن مدى صحة خيارات العماد ومقبوليتها.
وحسب المصادر هذا التوجه الحصاري ضد عون يدركه حلفاؤه، وبالتالي سيقدمون كل الدعم للعماد ولن يتخلوا عنه. وهذا ما ظهر في الجلسات الاخيرة للحكومة، وتحديداً من حزب الله، الذي سيكون الى جانب العماد عون في اي قرار سيتخذه.
ـ جلسة الحكومة والنفايات ـ
واللافت ان قرارات الحكومة لا تصمد كثيراً حسب مصادر متابعة، وهذا ما يظهر بوضوح في التخبط في ملف النفايات، والعجز عن الحل. ورغم استمرار الازمة منذ اشهر، فان الحكومة ما زالت تدرس افكاراً للحل والعودة الى البلديات للمشاركة في المعالجة وتحمل حسب رغباتها مسؤولية معالجة هذا الملف. وان هذه الفكرة تتماشى مع مطالب هيئات المجتمع المدني.
لكن مجلس الوزراء كان واضحاً بان لا حلول في ظل عدم وجود مكبات حتى الآن، حتى ان تجارب البلديات لم تكن كلها ناجحة. هذا الكلام قاله بوضوح سلام في ظل رفض فتح مطمر الناعمة، والاحتجاجات على مطمر عكار. وهذا ما دفع السنيورة الى مناشدة جنبلاط العمل على فتح مطمر الناعمة لستة اشهر، لانه الحل الوحيد حالياً حتى اتمام المناقصات.
وفي ظل هذه الاجواء، فان المواطنين ما زالوا يتحركون عفوياً وبشكل يومي، في ساحتي رياض الصلح والشهداء، حيث المجتمع المدني يصر على رفضه لسياسات الحكومة في انتظار التظاهرة الكبرى غداً السبت في ساحة الشهداء.
وستشهد طرابلس يوم غد السبت الساعة السادسة اكبر تظاهرة شعبية تتزامن مع اعتصام ساحة الشهداء في بيروت تضامنا مع الرافضين للظلم والمنتقدين للسلطة السياسية في لبنان. يقود هذه الحملة التي ستكون تحت عنوان «قرفنا حالنا منكم» رئيس الحالة الشعبية في الميناء احمد الاسمر الدي سبق ان اقام عدة اعتصامات شعبية حاشدة.
ودعا الاسمر كل الرافضين للطبقة السياسية التي تتحكم بمصير البلاد الى المشاركة في هذا الاعتصام السلمي الذي سيقام عند دوار الساعة شارع بور سعيد في الميناء.
وفي ساحة حلبا اقيم اعتصام شعبي حاشد شاركت فيه هيئات شبابية من مختلف قرى عكار ورفع المعتصمون شعار «عكار منا مزبلة» وكان لافتا مشاركة المطران باسيليوس منصور الدي انضم الى المعتصمين رافضا نقل النفايات الى عكار.
اما في ساحة التل في طرابلس فلم تلق دعوات حملة «طفح الكيل» التلبية الشعبية فاقتصر عدد المعتصمين على العشرات الذين حملوا لافتات اكدوا فيها ان اعتصامهم ثورة على النظام واكدوا مشاركتهم في تظاهرة بيروت السبت.
ـ قصر قريطم... وشائعات غير صحيحة ـ
على صعيد آخر، اشيعت على مواقع التواصل الاجتماعي اخبار عن اتجاه لدى الرئيس نجيب ميقاتي لشراء قصر قريطم، قصر الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتبين ان هذه الاخبار غير صحيحة ومجرد شائعات ولا تمت للحـقيقة بصلة.