لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الستين بعد الأربعمئة على التوالي.
عشية التظاهرة الشعبية المقررة غدا لرفع الصوت ضد الفساد بأشكاله المتعددة، من النفايات الى السياسة وما بينهما.. وصلت حالة التعبئة والاستنفار في صفوف هيئات المجتمع المدني والأطر الشبابية الى حدها الأقصى، سعيا الى تأمين أكبر حشد، بأفضل تنظيم ممكن، ما يوحي بأن غدا «يوم آخر»، إذا أحسن اللبنانيون التقاط هذه الفرصة وحمايتها من الانزلاقات الميدانية والسياسية.
في هذه الأثناء، استمر تخبط الدولة في معالجة أزمة النفايات، فتحولت جلسات مجلس الوزراء الى حقل للتجارب الفاشلة، التي يدفع اللبنانيون ثمنها، فيما تجاوزت الحكومة محك مقاطعة وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» و «حزب الله» لجلسة الأمس، بأقل الخسائر السياسية.
ولئن كان غياب وزراء التكتل والحزب قد سهل اتخاذ بعض القرارات الحيوية، من دون إحراج هذين الطرفيـن اللذين يرفضـان مناقشة أي أمر قبـل بت آلية العمل الحكومي على أساس التوافـق، فـإن سيناريو البارحة لا يمكــن تكراره باستمرار، والرئيس نبيه بري الذي تولى تأمين التغطية السياسية والميثاقيــة لقرارات الحكومة أمس، لا يستطيع إبقاء هذه المظلة ممدودة، في ظل غياب وزراء حليفه الاستراتيجي، «حزب الله»، إضافة الى وزراء «التغيير والإصلاح» الذين يمثلون مكونا مسيحيا اساسيا.
وعلى هذا الأساس، تمنى بري على رئيس الحكومة تمام سلام تعليق الجلسات موقتا، الى حين إعادة لم شمل مجلس الوزراء، كما أن النائب وليد جنبلاط دخل على خط احتواء تداعيات الأزمة، مؤكدا ضرورة عدم إقصاء العماد ميشال عون الذي سيعقد اليوم مؤتمرا صحافيا من شأنه أن يوضح المسار الذي سيسلكه الوضع الحكومي والشارع البرتقالي في المدى المنظور.
وإذا كان مجلس الوزراء في جلسته أمس قد اتخذ قرارا بـ«الإيعاز للوزارات المعنية بإنجاز مراسيم توزيع مخصصات البلديات من الصندوق البلدي المستقل بما فيها عائدات الخلوي»، ربطا بإمكانية مساهمتها في معالجة ملف النفايات، فإن هذه الاستفاقة على دور البلديات تبدو متأخرة، قياسا الى الوتيرة المتسارعة للأزمة، لا سيما أن معظم البلديات تحتاج الى وقت وجهوزية قبل أن تصبح قادرة على القيام بما هو مطلوب منها.
إعادة التفاوض؟
وعلمت «السفير» أن هناك اتجاها لتفسير قرار مجلس الوزراء برفض نتائج المناقصات، على أساس أنه يعني رفض الأسعار حصرا، وبالتالي فإن اللجنة الوزارية المختصة قد تعاود التفاوض مع الشركات الفائزة لتخفيض أسعارها قدر الإمكان، بعد إعداد تقرير أظهر أن هناك شوائب في طريقة احتساب الأرقام والأسعار، مع اقتراحات إضافية بتلزيم الجمع والمعالجة وترك الكنس للبلديات، بالإضافة إلى مساعدة الشركات بتأمين المطامر لها!
وقد خلص التقرير الذي أعدته وزارة البيئة، بعنوان «نتائج تقييم العروض المالية الخاصة بمناقصات النفايات الصلبة»، الى الاقتراحات الآتية:
ـ أ التفاوض مع الشركات التي فازت لتخفيض أسعارها قدر الإمكان، بالنظر الى واقع النفايات المتراكمة على الطرقات من جهة، والكلفة الإدارية والمالية للمناقصات التي تميزت بمستوى مهنيتها وشفافيتها من جهة أخرى.
ـ ب تلزيم خدمة الجمع والمعالجة (من دون الكنس الذي يمكن للبلديات توليه).
ـ ج تأمين موقع للطمر الصحي إذا تعذر على الشركات الفائزة تأمينه، على أن يُفسح المجال للبلديات الراغبة في إدارة الموضوع بنفسها أن تقوم بذلك (من خلال تحرير أموالها الموجودة في الصندوق البلدي المستقل) شرط أن تتعهد بتأمين الخدمة المتكاملة ذاتها.
وأشار التقرير الى عدم ضرورة تأمين خدمة الكنس في سائر المناطق اللبنانية من ضمن المناقصات، خصوصا أن العقود الحالية لا تتضمن هذه الخدمة سوى في العاصمة وضواحيها. كما أكد التقرير غياب الجدوى الاقتصادية من تحديد مدة العقود بسبع سنوات (وهي في عقود مماثلة لا تقل عن 12عاما)، ولحظ ضرورة فصل خدمة الجمع عن خدمة المعالجة والطمر أسوة ببلدان العالم كله.
في هذا الوقت، عاود عمال شركة «سوكلين» إزالة النفايات من شوارع العاصمة، بعد العودة عن إضرابهم. وعُلم أنه تم توسيع المكب الموقت في الكرنتينا حتى يتسع للكميات الإضافية من نفايات بيروت، لفترة أسبوع على الأقل. أما في المناطق الأخرى في جبل لبنان فإن بعض البلديات تحاول، كلٌ في نطاقها، إيجاد مواقع موقتة للنفايات التي تتولى «سوكلين» إزالتها، فيما لا تزال مناطق أخرى ترزح تحت ضغط تراكم النفايات في الشوارع من دون أي أفق لحلول قريبة.
وبينما اتسعت الاعتراضات في عكار على محاولة نقل النفايات اليها في مقابل دعمها بـ100 مليون دولار، اعتبر رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أن لبنان بحاجة الى التقاط الأنفاس حتى يعيد دراسة مشكلة النفايات بشكل سليم، متوجها الى النائب وليد جنبلاط بدعوته لاتخاذ موقف وطني سيذكره التاريخ بإعادة فتح مطمر الناعمة موقتاً لكي يلتقط لبنان وكل البلديات الأنفاس حتى تعالج هذه المشكلة.
وتعليقا على مناشدة السنيورة له بإعادة فتح مطمر الناعمة، قال جنبلاط لـ «السفير»: إعادة فتح المطمر ليست واردة، وأنا سأخصص المطمر لوضع خاص، سأكشف عنه من خلال تعليق سأنشره على طريقتي الخاصة عبر «تويتر» اليوم.
الاختبار الحكومي
وفيما تستمر النفايات مادة للتجاذب، انعقد مجلس الوزراء أمس بحضور 18 وزيرا ومقاطعة وزراء «التغيير والإصلاح» و «حزب الله»، واتخذ مجموعة من «القرارات المؤجلة».
وبعد الجلسة، أجرى بري اتصالا هاتفيا بسلام، دعاه فيه الى التريث في الدعوة الى عقد جلسة مقبلة لمجلس الوزراء، حتى لو طال الانتظار بعض الشيء.
وفي المعلومات أن بري توجه الى رئيس الحكومة بالقول: أما وقد جرى اتخاذ القرارات الملحة التي لا تحتمل الانتظار، فأنا أتمنى على دولتك التريث في عقد اجتماع جديد لمجلس الوزراء، الى حين تبيان نتائج الاتصالات التي ستستمر مع «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» لإقناعهما بالعودة الى المشاركة في جلسات الحكومة، لأنه لا يمكن الاستمرار في ظل غياب مكونَين أساسيَّين.
وقد أبدى سلام تفهما لموقف بري الذي أثنى على سلوك رئيس الحكومة، مؤكدا لزواره أن سلام أثبت مرة أخرى أن لديه قدرة استيعابية يُفترض أن تكون موضع تقدير.
وأشار بري الى أنه يستنتج من غياب وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» و «حزب الله» عن جلسة أمس «أن الطرفين أرادا ضمنا تسهيل اتخاذ القرارات الضرورية، بل التي لا بد منها، والمتعلقة بمصالح اللبنانيين، من دون أن يتراجعا عن مطلب حسم آلية العمل الحكومي، وبهذا المعنى فأنا لم أجد في غيابهما رسالة سلبية»، مضيفا: الغياب في محله.. حضور.
وأوضح أن الاتجاه هو نحو إفساح المجال أمام توقيع وزراء الحزب و «تكتل التغيير والإصلاح» للمراسيم العادية التي سبقت الأزمة الحكومية، أما تلك التي تلت انسحاب الوزراء فيمكن تجميدها قليلا، خصوصا أن الكثير من المراسيم تتناول أمورا هامشية، وهناك على سبيل المثال قرابة 56 مرسوما تتعلق برخص الصيد.
وعشية مؤتمره الصحافي اليوم، زار العماد ميشال عون البطريرك الماروني بشارة الراعي، في بكركي على مدى ساعتين، حيث شددا على «ضرورة التواصل مع الأطراف كافة من أجل التوصل الى حلول تصون الوحدة اللبنانية والميثاق الوطني».
كما تلقى عون اتصالا هاتفيا من النائب وليد جنبلاط الذي أبلغه أنه يراهن على حكمته في هذه الظروف.
وقال جنبلاط لـ«السفير»: لا يجوز استبعاد العماد عون، وأنا أتفهم موقفه من مسألة توقيع المراسيم، وأعتقد أنه من الأفضل إقرار بعضها بالتشاور معه، وبالتالي لا يجوز استخدام قضية المراسيم لإقصائه.
وأضاف: لسنا بحاجة الى مزيد من التوتر السياسي، ولا نريد أن نقاطع بعضنا البعض، بل يجب أن نعيد تثبيت مبدأ الحوار، لا سيما في هذه المرحلة.