ما بين تسلّل وجوه سياسية وأحزاب يسارية ونواب ووزراء سابقين من فلول المغانم السلطوية البائدة إبان الوصاية السورية وممن لا يزالون يوالون هذه الوصاية حتى اليوم، وما بين اندساس مجموعات منظّمة من «الزعران» ممن يعرفون بانتمائهم العلني لخلايا «سرايا» الشغب على وقع تصريح لافت مباشر على الهواء من الوزير السابق شربل نحاس أبدى فيه تفهمه وتأييده لأعمال «الزعران» التخريبية واعتداءاتهم على القوى الأمنية، يخشى المواطنون المنخرطون في موجة الاحتجاجات المطلبية المحقة والسلمية المنزّهة من أي نوازع سياسية أن تتحوّل تحركاتهم إلى ما يشبه «حصان طروادة» تمتطيه جهات سياسية وحزبية معروفة وغير معروفة لحرفه عن مسار التعبير الديمقراطي باتجاه دهاليز الأجندات المشبوهة في ارتباطاتها وغاياتها المحلية والإقليمية. وفي حين بيّنت الوقائع أمس أنّ التعطيل الممنهج هو ما يجسد «جدار العزل» الحقيقي والوحيد بين السرايا الحكومية ومطالب الناس، أثبتت الحكومة أمس انحيازها التام إلى أحقية هذه المطالب بعد أن حزمت أمرها متجاوزةً «الجدار» التعطيلي فأقرت حزمة مالية بقيمة 100 مليون دولار مخصصة للتنمية في عكار، ثم تصدت لأزمة النفايات فرفضت نتائج عروض المناقصات لارتفاع أسعارها واتخذت قرار حل الأزمة مرحلياً بانتظار الحلول الجذرية. وفي المقابل جدد «حزب الله» أمس انحيازه التام والمطلق إلى حلفه المعمّد بالتعطيل مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون فانسحب وزيراه مع وزراء التكتل من الجلسة رفضاً للقرارات المتخذة، على وقع التلويح العوني باستخدام «الشارع» وتهديد الوزيرين حسين الحاج حسن ومحمد فنيش بتداعيات و«مسؤوليات» ستترتب عن اتخاذ هذه القرارات.

وليلاً، توغلت عناصر معروفة أمنياً بأنها تابعة لـ«سرايا المقاومة» في شوارع وسط العاصمة، حيث شنّت «غارات» تخريبية على المنطقة المحيطة بالسرايا الحكومية تخللها رمي قنابل مولوتوف حارقة وسط حملة منظمة من أعمال التكسير الممنهجة التي طاولت الممتلكات الخاصة والعامة، قبل أن تتمكن وحدات مكافحة الشغب بمؤازرة القوى الأمنية والعسكرية من إعادة السيطرة على الوضع وصدّ المعتدين.

بري

وإذا كان يصحّ أن يُطلق على جلسة مجلس الوزراء أمس إسم جلسة «التحرير» والتنمية، ربطاً بتمكّنها من «تحرير» الحكومة من قيود التعطيل واتخاذ قرار تمويل تنمية عكار، لا بدّ كذلك من تسجيل وتثمين الموقف الوطني الذي اتخذه رئيس كتلة «التحرير والتنمية» رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال انحيازه العلني والفعلي إلى تأمين مصالح الوطن والمواطنين ومؤازرته الإقدام الحكومي على تعطيل التعطيل والتصويت إلى جانب أكثرية أعضاء مجلس الوزراء لصالح تسيير الشؤون التنموية والحياتية الملقاة على عاتق الدولة. ولعلّ ما قاله الوزير علي حسن خليل إثر انسحاب وزراء «حزب الله» و»التغيير والإصلاح» اختصر وجسّد القول بالفعل لناحية تأكيد وقوف الرئيس بري إلى جانب الرئيس سلام، فقال متوجهاً إلى رئيس الحكومة: «نحن سنبقى مشاركين في مجلس الوزراء وفق الآلية التي ترتئيها دولتكم».

تنمية عكار

وكانت جلسة الأمس الاستثنائية قد انطلقت باستهلالية سياسية أكد فيها سلام أن الغاية من عقدها هي «معالجة أزمة النفايات الكارثية والبحث في نتائج فضّ عروض المناقصات، إنطلاقاً من كون أضرار هذه الأزمة ليست محصورة بطائفة أو منطقة أو فئة أو حزب إنما هي حالة وطنية شاملة تتطلب علاجاً فورياً بعيداً عن كل الصراعات والاختلافات». ثم أثار رئيس مجلس الوزراء أولوية أخرى أمام أعضاء المجلس وهي تأمين تمويل مناسب لتنفيذ مشاريع تنموية ملحّة لمنطقة عكار بقيمة 100 مليون دولار، مع إشارته إلى ضرورة استكمال بحث الملفات ذات الأولوية الملحّة الأخرى، حياتياً ومالياً واجتماعياً، خلال جلسة مجلس الوزراء الدورية غداً.

شائعات.. وتحذيرات

وإذ سارع الوزيران جبران باسيل والياس بوصعب إلى محاولة تحوير أهداف التمويل الحكومي عن مساره التنموي بحجة أنه يأتي بمثابة «رشوة إلى عكار» فاعترضا مع وزيري «حزب الله» على صدور القرار ثم انسحبوا من الجلسة، توالت مساءً الشائعات المتقاطعة في غاياتها التحريضية لأهالي عكار ضد الحكومة، غير أنّ كتلة نواب المنطقة تداعت لتطويق هذه الشائعات معربةً عن تقديرها لقرار مجلس الوزراء الساعي إلى رفع الحرمان المزمن عن عكار، في مقابل دعوتها أهالي المنطقة إلى «عدم الانجرار وراء الشائعات التي تهدف إلى شق الصفوف» وفق ما نبّه النائب معين المرعبي.

وقائع الجلسة

وفي مجريات الجلسة، نقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنه حين فتح سلام المجال أمام المداخلات السياسية بادر باسيل وبوصعب كل بدوره إلى إبداء رفض ما جرى من توقيع رئيس الحكومة و18 وزيراً 70 مرسوماً عادياً، لاعتبارهما أن في ذلك «إساءة لصلاحيات رئيس الجمهورية ولحقوق المسيحيين». ثم انضم إليهما وزيرا «حزب الله»، الحاج حسن الذي رأى في الموضوع «تجاهلاً كلياً» قائلاً: «إذا كنتم تتجاهلوننا فليتحمّل الكل مسؤولياته»، وفنيش الذي تمنى «وقف هذه المراسيم لأنّ تمريرها سيضاعف الأزمة» محذراً: «إذا كنتم ستتجاوزون موقفنا فلا وجوب لبقائنا في مجلس الوزراء وسنتخذ الموقف المناسب».

من ناحيته، لفتت المصادر إلى أنّ الوزير رشيد درباس طالب المعترضين على صدور المراسيم العادية إلى الطعن قضائياً بصدورها أمام مجلس شورى الدولة، وهو طرح أيده فيه رئيس الحكومة مع إبداء استعداده إلى إلغائها إذا صدر حكم قضائي بذلك. ثم طلب باسيل الكلام فأعاد لازمة «انتهاك حقوق المسيحيين وصولاً إلى التعرّض لقداسة البابا خلال الجلسة الماضية» غامزاً من قناة ما قاله درباس حينها عن كونه لم يسمع من البابا ما يشير إلى أنّ حقوق المسيحيين تُنتهك إذا لم تتم الاستجابة للمطالب العونية، فأصر درباس على الرد على باسيل رغم محاولة رئيس الحكومة ثنيه عن ذلك فقال: «هناك تسجيلات في المجلس وأتحداك أن تجد في كلامي كلمة واحدة تتعرض لقداسة البابا.. وأنت (باسيل) لا تمثل المسيحيين ولا تهمني بركتك».

بدوره، توجّه الوزير أشرف ريفي إلى وزراء عون و«حزب الله» بالقول: «كفى كلاماً عن شوارع وأحجام فكل منا لديه شارعه وحجمه، وأنتم سبق أن أسقطتم حكومة الرئيس سعد الحريري أحد أكبر الأحجام الوطنية في البلد من دون أن يرفّ لكم جفن».

من جهته، حذر الوزير أكرم شهيب الوزراء المعترضين على تمرير قرارات مجلس الوزراء من أنّ استمرار النهج التعطيلي سيدفع الوضع في لبنان إلى ملاقاة «المصير القبائلي في ليبيا». فيما دعا الوزير وائل أبو فاعور إلى منح التسويات الجاري العمل على بلورتها «فرصة» لإنقاذ البلد.

إلغاء المناقصات

أما في ما يتعلق بالنقاش الذي حصل حول ملف المناقصات، فأشارت المصادر إلى أنّ عدداً من الوزراء أكد على شفافية المناقصات التي حصلت في ملف نفايات بيروت والمناطق، وتوافق مجمل أعضاء المجلس على كون المشكلة الأساس تكمن في أسعارها المرتفعة بسبب اقتصار مدة التعاقد مع الشركات مقدمة العروض على 7 سنوات، ما يضطر هذه الشركات إلى رفع الأسعار ربطاً بحاجتها الربحية إلى تعويض الأموال التي ستموّل بها استثماراتها من كلفة الأرض وتكاليف المطامر الصحية وإنشاء معامل الفرز.

ولفتت المصادر الانتباه إلى أنّ وزير البيئة محمد المشنوق هو من اقترح إلغاء نتائج فضّ المناقصات، مع تشديده في الوقت عينه على وجوب التوضيح أمام الرأي العام أنّ ذلك يعود حصراً إلى الأسعار المرتفعة منعاً لتسرّب إيحاءات وأجواء تدعي وجود صفقات وسمسرات معينة وراء قرار الإلغاء. الأمر الذي أيده معظم الوزراء الذين توافقوا على ضرورة محاولة تخفيض الأسعار لعدم تحميل خزينة الدولة أعباء مالية إضافية في هذا الملف، وسط إشارة المصادر إلى أنّ الاتجاه في سبيل تحقيق ذلك هو نحو رفع مدة التعاقد مع الشركات من 7 سنوات إلى نحو 15 سنة بغية تمكين الشركات المعنية من تخفيض السعر الذي ستتقدم به في المناقصات الجديدة المزمع إجراؤها.