جدار العزل والفصل الذي أزيل من ساحة رياض الصلح، ارتفع مجددا على طاولة مجلس الوزراء، ومثله جدار النفايات المتراكم على وقع فضيحة المناقصات، إقرارا وإلغاء، ذلك أنه بالجدار والمناقصات بدت حكومة المصلحة الوطنية مرتبكة للغاية، فيما هي متعثرة أصلاً في ظل تعطيل آلية عملها، والتظاهرات التي بدأت تزداد في الشارع، اعتراضاً على كل الاهمال في تعاملها مع الامور الحياتية والمعيشية.
وقبل جلسة المجلس غداً الخميس والتي أكد الرئيس تمام سلام انها ستكون منتجة، يعقد العماد ميشال عون اليوم مؤتمرا صحافيا يدعوه فيه الى سحب المراسيم الـ 70 التي نشرت من دون تواقيع الوزراء الـ 24. ورأى مصدر في "تكتل التغيير والاصلاح" ان ما حصل في مجلس الوزراء أمس انه "تمّت استباحة آخر صلاحية محفوظة لرئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف في غيابه، وهي صلاحية توقيع المراسيم العادية واصدارها وطلب نشرها".
واذا كان وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" والطاشناق انسحبوا من الجلسة التي كانت مخصصة للنفايات، فإن التحدي امام الحكومة سيكون غدا، إذ قال المصدر نفسه: "سنكون أمام خيارين: الاول عدم حضور الجلسة وهذا يعني الاستمرار باستباحة صلاحيات رئيس الجمهورية، وسيكون الرد بحجم التمادي في الانقلاب، بدءاً بالتظاهر وتزخيمه، وصولاً الى خيارات اخرى متاحة من عصيان مدني وسواه، اذاً التصعيد وارد في كل حين، والصراع مفتوح على مصراعيه. اما الخيار الثاني فهو المشاركة في الجلسة وحصول صدام جدي الى حين عودة الرئيس سلام عن هذه المراسيم العادية كلها وأن يعتبرها لاغية فلا يعمد الى نشرها والكف عن هذه الممارسة والعودة الى توقيع الوزراء جميعهم".
ويشار الى ان أحد وزيري حركة "أمل" اتصل بوزراء من "التكتل" و"حزب الله" وبرر لهم عدم خروجه وزميله من الجلسة على رغم اعتراضهما بشدة على مسألة المراسيم العادية وعدم توقيعها من جميع الوزراء. أما وزيرا "حزب الله" فعلم انهما سيحضران الجلسة غدا.
وكان العماد عون اتصل بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس أمين الجميل ورئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية والامين العام لحزب "الطاشناق" أغوب بقرادونيان ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع واطلعهم على "مخالفة اصدار الحكومة 70 مرسوماً من المراسيم العادية بالأكثرية الوزارية وهي من صلاحيات رئيس الجمهورية". وزار أمس النائب ابرهيم كنعان البطريرك الراعي موفداً من العماد عون شاكيا من "ضرب الميثاقية، ووعد البطريرك باجراء اتصالات مع الرئيس سلام والمعنيين بهذا الأمر".
الجلسة الاستثنائية
أما الجلسة الاستثنائية أمس، فقد تمكّن مجلس الوزراء خلالها من تفكيك "لغم" النفايات، بالغاء نتائج المناقصة، والموافقة على دعم انمائي بقيمة مئة مليون دولار لعكار مقسّطة على ثلاث سنوات، في مقابل استقبالها غير المعلن لمطمر النفايات التي سيبدأ رفعها من الشوارع بالاستعانة بشركة "سوكلين". ولم يحدد مجلس الوزراء موعدا لمناقصات جديدة في الملف، مما أوحى بأن ثمة تمثيلية أعدت بعناية لاعادة "سوكلين" الى العمل والاتفاق معها مجدداً.
وفي غياب المعالجة الجدية، الذي مثّل اخفاقا حكوميا جديدا، سجل وزير البيئة محمد المشنوق مفارقة، فبعدما دافع عن نتائج المناقصة والاسعار المقدمة عصر الاثنين، دعا الثلثاء الى عدم قبولها وادخال تعديلات على دفتر الشروط لتكون الشركات المتقدمة أكبر عدداً والاسعار المقدمة أفضل.
ولخصت مصادر وزارية لـ"النهار" ما انتهت اليه جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية امس على النحو الآتي:
أولاً: تجاوز المجلس مشروع التعطيل من خلال اعتماد الاكثرية الواسعة بدل الاجماع.
ثانياً: الموقف داخل الجلسة كان أقوى من استقواء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله".
ثالثاً: تثبيت الوضع الحكومي والدليل أن وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" اختاروا الانسحاب على البقاء للمعارضة فكان صبر الرئيس سلام في محله.
رابعاً: اتخذت الحكومة قرار رفع النفايات من طريق إيجاد مطمر في عكار متخطية كل المزايدات مع إقرار مشروع إنمائي لعكار بـ100 مليون دولار هي في أمس الحاجة اليه بصرف النظر عما إذا كان سيكون فيها مطمر للنفايات أم لا.
بكركي
من جهة أخرى، علمت "النهار" من مصادر كنسية ان لا صحة حتى الآن لما يحكى عن اجتماع سيدعو اليه البطريرك ويجمعه والزعماء الموارنة الاربعة للبحث في ما آلت إليه الأمور. وأوضحت "ان أي لقاء يجب ان يكون مهيأ لاتخاذ قرار انقاذي قبل الدعوة اليه. وان البطريرك يبدي ارتياحه الى أجواء الحوار والانفتاح بين القادة الموارنة، ويأمل في ان تنجح الجهود المبذولة للاتفاق على انتخاب رئيس مدعوم من القاعدة المسيحية الاوسع المتمثلة بالتيار والقوات".
التحرّكات
ميدانيا، تعم الساحة البيروتية حال من الفوضى مع تداعي مجموعات مختلفة الى تحركات مطلبية تكاد تصير يومية، وخصوصا في ظل معلومات عن إمكان قيام "التيار الوطني الحر" مدعوما من "حزب الله" بتظاهرة ترافق انعقاد مجلس الوزراء غداً، او المشاركة الحاشدة في تظاهرة دعت اليها حملة "طلعت ريحتكم" السبت.
وأمس كان اعتصام لحملة "بدنا نحاسب" جمعت شيوعيين ويساريين سيجتمعون مجددا مساء اليوم، وانتهت بوصول المشاغبين الذين اندسوا في الايام السابقة، رافعين ومرددين شعارات مذهبية وسياسية، وقد عمدوا الى تكسير واجهات عدد من المحال التجارية وأمطروا القوى الامنية بوابل من الحجار وعبوات المياه والمفرقعات، مما أدى الى أعمال كرّ وفرّ في اتجاه ساحة الشهداء، قبل ان ينكفئوا قبيل منتصف الليل الى منطقة الخندق الغميق.
وكانت الحكومة قاربت موضوع الاحتجاجات من الباب المطلبي والامني بعيدا من السياسة. وحذر وزير العمل سجعان قزي من محاولات "دعم التظاهرات على حساب الاستقرار من خلال سفارات، بما فيها سفارات صديقة، وهذا أمر مرفوض".