لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن والخمسين بعد الاربعمئة على التوالي.
سريعاً، سقط جدار الفصل والعزل في وسط بيروت، بقرار من الرئيس تمام سلام الذي لم يستطع تحمّل أعباء هذا الجدار الإسمنتي ودلالاته المعيبة.
وفوق أنقاض الجدار، تواصل الحراك الشعبي في ساحة رياض الصلح، حيث استمر مئات من المواطنين في رفع الصوت ضد نهج الحكومة والطبقة السياسية، وكاد الموقف يتطور مجدداً نحو مواجهة واسعة بين المحتجين والقوى الأمنية لو لم تتم السيطرة على الاحتكاكات والصدامات الموضعية التي سُجلت مساء أمس، وأدّت الى وقوع جرحى، فيما ابلغ وزير الداخلية نهاد المشنوق «السفير» أن نتائج التحقيقات في الأحداث التي وقعت يومي السبت والاحد الماضيين، ستنتهي خلال 48 ساعة، ليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه.
وترافق انهيار «جدار العار» مع سقوط «جدار المناقصات» الذي تسلّقه كبار القوم من السياسيين بالتواطوء مع الشركات الفائزة بـ«النفايات»، قبل أن يعود ويتهاوى سريعاً تحت وطأة المحاصصة العلنية والأسعار الخيالية.
لقد كانت المحاصصة، بتركيبتها وكلفتها، فاقعة جداً هذه المرة، الى حد أنه لم يكن بمقدور حتى المنتفعين منها أن يغطّوها، فسارعوا جميعاً الى «الانقلاب» عليها و«التنكّر» لها، قبل صياح الديك، لينتهي الأمر بإلغائها و«طمرها» في مجلس الوزراء.
وإلغاء نتائج المناقصات هو إنجاز يُسجل بشكل أو بآخر للحراك الشعبي الذي لا يزال يُمسك بالمبادرة، مصّراً على «الرقابة والمحاسبة» في الشارع، بعد إقفال مجلس النواب المعني بهذين الدورين.
وربما يصحّ القول إنه لولا انتفاضة 22 آب وهزّاتها الارتدادية المتواصلة، لكانت المناقصات قد مرّت في ليل، شأنها شأن المحاصصات السابقة التي اعتادت على سلوك «الخط العسكري»، من دون أن تتوقف على أي حاجز قانوني او دستوري.
ولئن كان سقوط المناقصات قد منع التمادي في خطيئة الحلول المشوّهة والمشبوهة، فإن التحدي يكمن الآن في التقاط الفرصة الجديدة واستكمال الضغط على الحكومة لتصويب مسار المعالجة، على اساس قواعد علمية وسليمة، يشارك في وضعها الخبراء من أصحاب الاختصاص، بدل حصر هذه المهمة بسياسيين من أصحاب المصالح.
لكن مصدراً وزارياً بارزاً أبلغ «السفير» أنه يتخوف من أن يكون ملف تجديد المناقصات قد طوي حتى إشعار آخر، معرباً عن اعتقاده بأن ما حصل ليس سوى توطئة لإعادة تعويم شركة «سوكلين» وليس لإجراء مناقصات جديدة على اسس صحيحة.
عكار.. والاختبار
ولعل المحك الأدق الذي يواجه الحكومة الآن يتمثل في مدى قدرتها على تنفيذ قرارها باعتماد مكبّ سرار كـ «مطمر صحي» للنفايات، بالترافق مع اتخاذ قرار بمنح عكار 100 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، وهذا قليل مما تستحقه تلك المنطقة المهملة والمحرومة.
والمفارقة، أن المطلوب من عكار ان تستقبل النفايات فوراً، في حين ان المشاريع الانمائية ستنفذ فيها بالتقسيط طويل الأجل، هذا إذا صدقت الدولة في وعودها، وهي المعروفة برشاقتها في الهروب الى الأمام والتهرّب من الاستحقاقات.
وقال الوزير نهاد المشنوق لـ«السفير» إن الإنماء هو حق مشروع لأهالي عكار، بمعزل عن ملف النفايات، مشددا على ضرورة عدم تصوير الامر وكـأنه مقايضة، ولافتا الانتباه الى انه يجري نفض الغبار عن كل المشاريع التي تخص عكار والمنسية في ادراج الادارة. وأضاف: أما في ما خص المطمر، فنحن امام محاولة جدية للاستفادة من المكب المصنّف من قبل الدولة، بعد إخضاعه الى معايير بيئية وصحية ممتازة، ونحن نتشاور بهذا الصدد مع جميع فعاليات المنطقة، والمسألة لم تنته بعد.
في المقابل، رفض العديد من الجمعيات والأوساط العكارية «الرشوة المالية» لعكار، ودعت حملة «عكار منا مزبلة» الى «التصدي لقرار الحكومة الجائر» عبر اعتصام في ساحة العبدة. كما أعلن المجلس المدني لإنماء عكار عن رفضه استقبال أي نفايات من خارج عكار، بينما سجل انقسام في صفوف البلديات بين موافق ومعترض.
وفيما اعتبر الرئيس تمام سلام خلال جلسة الحكومة أنه «إذا باشرنا فوراً باعتماد المشاريع التنموية لتعزيز أوضاع أهلنا في عكار، نستطيع أن نتواصل معهم لمساعدتنا على إيجاد حل سريع لموضوع النفايات»، علمت «السفير» ان وزيري «حزب الله» دعما بشكل كامل منح عكار مبلغ 100مليون دولار، وأكدا ضرورة إعطائها الأولوية الإنمائية في هذه المرحلة.
بري: براء من المحاصصة
وتعليقاً على إلغاء المناقصات، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس، أنه دفع بقوة في هذا الاتجاه نتيجة عدم قناعته بالاسعار المرتفعة التي انتهى اليها فض العروض، نافيا بشدة ان يكون شريكاً في أي محاصصة. وتابع: لقد حاولوا إلباسي تهمة أنا منها براء، وقد أتى قرار مجلس الوزراء ليرفع الشبهة المفتعلة عني.
ولفت الانتباه الى «أنني أعرف معظم رجال الاعمال في الجنوب، وبالتالي فإذا رست أي مناقصة على أحدهم لا يعني ذلك انني شريك فيها». وأضاف: عندما زارني شريف وهبي ( الفائز في الجنوب) قلت له: لا تفرح كثيرا، هذه المناقصة لن تمر.
وأكد بري ضرورة ان تساهم البلديات في معالجة أزمة النفايات.
المشنوق: نراهن على عكار
وقال وزير البيئة محمد المشنوق لـ «السفير» إنه لن يدافع كثيرا عن الأسعار التي انتهت اليها عملية فض العروض، موضحا ان اللجنة الوزارية ستعاود اجتماعاتها لاعادة درس الموضوع بعد رفض مجلس الوزراء نتائج المناقصات. وأشار الى ان الرهان الان هو على خيار عكار كخيار شبه وحيد للخروج من الأزمة.
وأكدت مصادر بيئية لـ «السفير» أن مجلس الوزراء تأخر كثيرا وأضاع الكثير من الوقت في الرهان على هذه المناقصات التي كانت ناقصة منذ اللحظة الأولى، ومخالفة لقواعد ومبادئ استراتيجية تقوم على التخفيف من حجم النفايات عبر الفرز من المصدر، إضافة الى ان الدولة لم تحدد التقنيات المسموحة والأماكن للمعالجة ولا أشركت السلطات المحلية والمؤسسات والأفراد في الحلول.
وشددت المصادر على ان المطلوب ايجاد خطة طوارئ سريعة، تدمج بين الاستراتيجي والآني والطارئ لرفع النفايات المتراكمة منذ اكثر من شهر، بالإضافة الى رفعها من الأماكن المؤقتة التي جمعت فيها قبل بداية موسم الأمطار، لئلا ننتقل من كارثة كبرى الى كارثة اكبر.
الحكومة تهتز
وبينما يعقد العماد ميشال عون مؤتمراً صحافياً اليوم قد ينطوي على فرصة أخيرة لمعالجة الازمة السياسية قبل انفجارها في جلسة مجلس الوزراء الخميس، انسحب وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» الثلاثة ووزيرا «حزب الله» من جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية التي عقدت امس، اعتراضا على تجاوزهم في توقيع سبعين مرسوماً وطلب نشرها في الجريدة الرسمية، وتضامن معهم تيار «المردة» في بيان، نتيجة وجود وزير التيار روني عريجي خارج لبنان.
وأعطى هذا الانسحاب إشارة الى ان تحالف وزراء «التيار الحر» و «حزب الله» و «تيار المردة» و «حزب الطاشناق» يتدرج في خياراته التصعيدية، وأنه يتجه نحو استخدام المزيد من الاوراق في مواجهة فريق «المستقبل» وحلفائه.
وقال الوزير حسين الحاج حسن لـ «السفير» إن انسحابه وفنيش من جلسة مجلس الوزراء هو تعبير عن التمسك بأصول الشراكة وترجمة لتضامن «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر»، موضحا ان مسار جلسة الخميس المقبل يتوقف على المنحى الذي ستسلكه، ومنبها من مخاطر الاستمرار في سياسة التفرد والاقصاء التي ستقصم ظهر البعير.
وكان الحاج حسن قد طرح خلال الجلسة مسألة توقيع المراسيم وطلب نشرها في الجريدة الرسمية، وسط غياب مكونات اساسية في الحكومة، مؤكدا رفضه لهذا الامر.
واعتبر الوزير جبران باسيل انه لا يجوز تمرير المراسيم من دون توقيع الـ24 وزيرا، «ونحن نمثل رئيس الجمهورية ويحق لنا الاعتراض»، متمسكا باعتماد تواقيع الوزراء جميعا.
ورأى الوزير محمد فنيش ان هناك آلية عمل دستورية اتفق عليها تحقق الشراكة وجرى خرقها بتوقيع المراسيم من دون مكونات اخرى، بل حتى من دون مناقشتهم بها، مع انها مراسيم عادية يمكن بحثها والاتفاق عليها، مشددا على ان للكل الحق بالمشاركة في القرار في ظل الشغور الرئاسي.
وقالت الوزيرة اليس شبطيني إنه يمكن التفاهم على المراسيم ذات الطبيعة التي تحتاج توقيع 24 وزيرا، لكن هناك مراسيم عادية تهم المواطنين والموظفين المحالين على التقاعد والذين ينتظرون انهاء خدماتهم بالمرسوم لقبض تعويضاتهم.
واعاد الوزير اشرف ريفي طرح موضوع الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري، وقال: لقد حصلت الاستقالة من دون توافق فلماذا تريدون الان التوافق.