تزداد الأزمة تعقيداً. الحراك في الشارع يحاول الخروج من الصدمة التي أوقعه فيها بعض منظميه، وبعض السلطة، أول من أمس. يعيد المنظمون رصّ صفوفهم تمهيداً لمعاودة التحرك يوم السبت المقبل. السلطة في المقابل تغرق في الأزمة أكثر فأكثر. حوار حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة أمس لم يحقق أي تقدّم لحل العقد التي تجمّد عمل الحكومة ومجلس النواب. تيار المستقبل والرئيس تمام سلام، يساندهما بري والنائب وليد جنبلاط، لا يزالان متمسكين بعدم تقديم أي تنازل للعماد ميشال عون، رغم معرفة من بيدهم الأمر في التيار الأزرق أنه لا حل للمشكلات التي تشل المؤسسات من دون التنازل لعون. وفي الوقت عينه، لا يملك «المستقبل» أي تصور للحل، ويعبّر سياسيوه عن خشيتهم من ارتفاع حدة الحراك الشعبي، ومن إمكان دخول التيار الوطني الحر وحزب الله على خط التحركات الشعبية، سواء من خلال الحراك الحالي، أو عبر احتجاجات مستقلة.

وبعدما أعلن بري أمس اعتراضه على نتيجة مناقصات النفايات، ربطاً بأسعارها المرتفعة، بات مصير جلسة مجلس الوزراء اليوم في مهب الريح، رغم أن موقف بري أعفى وزراء عون وحلفاءه من خوض معركة في جلسة مجلس الوزراء اليوم وحدهم. كذلك إن الجسلة العادية للمجلس، والمقررة يوم الخميس المقبل، متجهة نحو التفجير، في ظل إصرار تحالف الرئيس سعد الحريري ــ سلام ــ بري ــ جنبلاط على إصدار قرارات بصرف النظر عن رأي تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، بخلاف ما اتُّفق عليه بشأن آلية العمل الحكومي بعد الشغور الرئاسي.
وحرّك عون أمس مجدداً موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية بعدما نشر سلام مراسيم عادية لم يوقعها وزراء التكتل ووزراء حزب الله. وأثار الخبر استياء عون الذي اعتبر نشر المراسيم مسّاً بصلاحيات رئيس الجمهورية، في وقت كانت البلاد فيه مشغولة بقضية النفايات والتحركات الشعبية. وبدا عون أمس في اتصالاته السياسية وفي لقاءاته كادرات التيار الوطني الحر مستعداً مجدداً للتحرك في الشارع ولمواجهة جديدة في مجلس الوزراء على خلفية نشر المراسيم وصلاحيات رئيس الجمهورية والتوافق داخل مجلس الوزراء.


يجزم سلام بأنّ القرارات التي سيتخذها مجلس الوزراء بالغالبية ستصدر وتشق طريقها إلى التنفيذ

 

كذلك أعاد عون التأكيد أمام كوادر التيار مساء أمس ضرورة الاستعداد للنزول إلى الشارع مجدداً ورفع مطالبهم. وشرح أمامهم الوضع العام وخلفيات التحرك المقبل، في ضوء ما سينتج من جلسة مجلس الوزراء.
أما بالنسبة إلى المراسيم التي اعترض عون على نشرها، فقد تحدثت المعلومات أنها تبلغ نحو سبعين، وقد طلب التكتل الحصول عليها لمعرفة فحواها ومعرفة الموقعين عليها. علماً أنه بحسب المعلومات، ثمة وزراء ومنهم حلفاء لعون (وزير المردة روني عريجي مثلاً) وقعوا عليها من دون ان يعرفوا انها ستنشر ناقصة توقيع مكونين اساسيين في الحكومة.
وقد اتصل عون بكل من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي والرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، للتشاور بالمراسيم المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية. وطلب الراعي الاطلاع على المراسيم وسيستمر التواصل بينه وبين عون لمتابعة هذا الملف، علماً أنه أجرى اتصالاً هاتفياً بسلام. بدوره اتصل جعجع بالرئيس ميشال سليمان بعد الحديث مع عون الذي تمنى على جعجع التشاور مع سليمان في الموضوع، نظراً الى انقطاع العلاقة بين عون والرئيس السابق. وقد طلب جعجع من سليمان الاطلاع على المراسيم لاتخاذ الموقف المناسب.

سلام: لن أتفرّج بعد اليوم

ومع أن أحداث السبت والأحد المنصرمين في محيط السرايا أضحيا البند الأول في جدول أعمال الجلسة المبكرة اليوم، إلا أن رئيس الحكومة يقول لـ»الأخبار» إن جدول الأعمال لا يزال هو نفسه منذ تعليق جلسات مجلس الوزراء لثلاثة أسابيع خلت.
يضيف: «سأمضي في الجلسة ومَن يُرِد أن يعترض أو يتحفظ أو يعرقل يتحمل المسؤولية. أنا رئيس السلطة الإجرائية، وسأضطلع بكل المسؤوليات والصلاحيات المنوطة بي. بالكاد نتخلص من مشكلة بعد أخرى، هل بات في وسعنا تحمل المزيد في ظل التعثر والتعطيل الذي يفرض نفسه علينا؟ إذا كان المطلوب الاستمرار في تحمل المسؤولية، يقتضي ممارستها وليس التفرج عليها. ولأنها سلطة تنفيذية تعود إلى تسيير شؤون البلاد والعباد، لأن نقيض ذلك يعني تراكم الأضرار الذي يؤدي إلى انفجار كل المشكلات في وجه الجميع، كما هي حال النفايات اليوم وما حدث أخيراً. فكيف إذا أضفنا إلى كل ما نحن فيه استحقاقات الرواتب والهبات والقروض؟ لم يعد في الإمكان الانتظار بعد اليوم والتخلي عن المسؤوليات. سأطرحها برمتها على مجلس الوزراء، وثمة جدول أعمال بذلك لمناقشته واتخاذ القرارات في شأنه».
يقول أيضاً: «ليست هذه المرة أعطي الفرصة للاتفاق. في كل مرة أفعل، وثمة من لا يستجيب. كانت الفرصة الأولى على إثر الشغور الرئاسي عندما حافظنا على التوافق دونما تعطيل الإنتاجية. اليوم هناك إصرار على تعطيل هذه الإنتاجية. ذهبنا من التوافق إلى الإجماع، فإذا هو يغرقنا في التعطيل. خرجنا من الإجماع فإذا التعطيل هو نفسه، لأن هناك فريقاً يريد الاستفادة من التعطيل».
أي آلية يتوقع أن تسود عمل جلسة مجلس الوزراء اليوم، يعقب سلام: «المقاربة التي يلتقي عليها غالبية الوزراء، وإن وقف في طريقها فريق بنية التعطيل ولا شيء سوى ذلك. لن ننتظره أبداً. ليس ثمة اثنان يختلفان على أن طبيعة الرواتب والأجور في القطاع العام والهبات والقروض هي في مصلحة لبنان وليست مسألة سياسية كي تكون مدار خلاف. إذا لم يوافقوا عليها في جلسة اليوم يعني ذلك أن هذا الفريق لا يريد سوى التعطيل ولا شيء سواه. ليس في الأمر موقف سياسي، بل محاولة ربط قرارات في مواضيع مهمة وحيوية وضرورية لا تنتظر ولا يمكن ربطها بنزاع سياسي لا علاقة لمجلس الوزراء به. الأمر نفسه يتعلق بقبول اعتماد عدد من السفراء بعدما اتخذنا قراراً بذلك في مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، ولجأنا إليه ثلاث مرات عندما قبلنا اعتماد عدد من السفراء.


حوار حزب الله وتيار
المستقبل برعاية الرئيس نبيه
بري في عين التينة أمس لم يحقق أي تقدّم


اليوم هناك سفراء دول مهمة ينتظرون كسفيري ألمانيا والاتحاد الأوروبي. موضوع كهذا ليس مدار اختلاف، فلمَ تأخير بته؟».
يضيف: «إنّ من يريد الامتناع يتحمل المسؤولية، لأنه لا يعني سوى التعطيل ولا شيء آخر، ولأنه يربط مسألة بأخرى. قلت مراراً لا تأتوا بخلافاتكم إلى مجلس الوزراء. حلوها في أي مكان آخر، لكن لا تضعوها على طاولة مجلس الوزراء، لأنه ليس المكان الملائم لحلها. صفوا حساباتكم السياسية في مكان آخر وليس على طاولة الحكومة الائتلافية».
وجزم بأن القرارات التي سيتخذها مجلس الوزراء بالغالبية ستصدر وتشق طريقها الى التنفيذ: «حتى عندما يكون هناك رئيس للجمهورية، فإن الدستور يمهله مدة لطلب إعادة النظر فيها، يصير بعد انقضاء المدة إذا أصر مجلس الوزراء على هذه القرارات إلى إصدارها وتنفيذها».
ودق ناقوس الخطر مجدداً من «الانهيار المحتمل. ما وصلنا إليه في ملف النفايات قادتنا إليه الصراعات السياسية».