المواجهة بين الحكومة والمجتمع المدني الى تصاعد وسيكون الشارع ساحتها الاساسية، ويبدو ان شعارات «طلعت ريحتكم» باسقاط الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والقمع بحق المتظاهرين واطلاق الموقوفين «دغدغت» شعور العديد من اللبنانيين الذين نزلوا امس بشكل «عفوي» الى امام المتحف ورياض الصلح، وكان الحشد يكبر تدريجياً وتجاوز الآلاف حيث حمل المواطنون «الشموع» وساروا بمسيرة صامتة ما بين المتحف ورياض الصلح «مرددين» الشعارات باسقاط الحكومة وبشكل سلمي وحضاري معيدين الى الاذهان صور «الربيع العربي» و«التحركات الشبابية» في مصر وتونس والعديد من الدول العربية، خصوصاً ان هيئات المجتمع المدني دعت الى استمرار الاعتصامات اليومية عصراً في رياض الصلح، فيما دعت «طلعت ريحتكم» الى التظاهر نهار السبت رفضاً للفساد والمحاصصات في المناقصات.
ويبدو ان الحكومة ونتيجة «قصر النظر» ردت على هذه الدعوات برفع «ساتر» من الباطون حاجباً «الرؤية» والتواصل بين السراي وساحة «رياض الصلح» وكأن «السراي» تحميها سواتر الباطون في رأي وزير الداخلية، فيما الحماية الحقيقية تكون بالاستماع الى مطالب الناس وأوجاعهم وضرب الفساد ووقف المحاصصات والسرقات وبناء دولة عادلة لجميع اللبنانيين، وهذا هو الطريق الوحيد لحماية السراي والتصاقها بأهلها وناسها، ومتى كان القمع والحواجز «يحمي» الدولة ورموزها.
وفي ظل هذه الأوضاع المرشحة للانفجار الشعبي في الشارع مما قد يؤدي الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد خصوصا ان قائد الجيش العماد جان قهوجي أكد أن الجيش لن يتهاون مع المخلين بالامن والمندسين بين المتظاهرين الذين يسعون الى حرف التظاهرات السلمية عن مسارها ومطالبها المشروعة، خصوصاً ان الحرص على الاستقرار مطلب دولي واقليمي.
وقد أدى نزول الجيش اللبناني الى ساحة رياض الصلح ليل الاحد الى تجنيب البلاد احداث كبيرة في ظل «الفوضى» في الشارع وأعمال الشغب.
واللافت ان الدولة الغائبة عن السمع، لم تستمع الى مطالب الناس، وردت على تحركاتهم باعلان فض عروض المناقصات في النفايات، وحملت روائح فساد كبيرة ومحاصصات سياسية مما دفع المجتمع المدني الى الاعلان عن المزيد من التحركات الشعبية في الشارع على امتداد الايام المقبلة وصولاً الى التظاهرة الكبرى السبت.
جلسة الحكومة اليوم ستقرر مصير الرئيس تمام سلام ما اذا كان سيستمر او يستقيل، فاذا وقف وزراء عون ضده وسانده وزراء حزب الله فان سلام سيستقيل، اما بالنسبة لعون فأنه رأى خطورة كبيرة ان ينشر الرئيس سلام مراسيم بتوقيع 18 وزيراً متجاهلاً القوة المسيحية الاولى وهي تيار عون، وبالتالي تخطى سلام صلاحية رئيس الجمهورية في غيابه.
من هنا ستكون الجلسة حامية جداُ وقد اصيب الرئيس سلام بصدمة لأن الرئيس بري ادلى بتصريح قال فيه ان المناقصة مكلفة للغاية على خزينة الدولة فيجب اعادتها او الغاءها بالكامل، وهذا التصريح لبري جعل جلسة الحكومة دون قيمة لان الجلسة مخصصة لبحث موضوع النفايات فاذا كان موقف رئيس مجلس النواب مع عون وحزب الله ضد المناقصات فقد ماتت المناقصات قبل جلسة الحكومة.
اكدت مصادر سياسية متابعة ان بعض الاتصالات التي حصلت لتكون الجلسة منتجة بهدف بتّ بعض الملفات الضرورية، لم تفض الى توافق ما بين رئيس الحكومة تمام سلام والى جانبه تيار المستقبل وحزب الكتائب ووزراء الرئيس السابق ميشال سليمان وما بين العماد عون وحزب الله من جهة ثانية. واوضحت المصادر ان بعض ما صدر من تصريحات في اليومين الماضيين والتي كان آخرها أمس تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق من السراي الحكومي تفيد ان الرئيس سلام ومعه وزراء المستقبل ما زالوا على رفضهم التجاوب مع مطالب العماد ميشال عون بالشراكة وبالتالي اعادة النظر بآلية عمل مجلس الوزراء بما يفسح المجال امام مشاركة كل مكونات الحكومة بالقرار.
حزب الله: لن نسمح بتحدي او تجاوز عون
وفي هذا الاطار أوضحت اوساط قريبة من حزب الله ان الحزب اذا وجد في جلسة الحكومة ان هناك محاولة لتحدي عون او «كسره» فان وزيري الحزب لن يسمحا بذلك. اضافت ان الحزب لن يوافق على اتخاذ قرارات بمعزل عن موقف عون واشارت الى أن هؤلاء يحاولون تجيير الحراك الشعبي من اجل استكمال الاندفاعة لتجاوز التيار الوطني الحر، وهو أمر لن يمر ولن نسمح به. ملاحظة ان كل المكونات الاخرى باتت فريقاً واحدا يعملون لكسرعون واستفراده، اضافت انه اذا لم يؤخذ بوجهة نظر عون، فمن الصعوبة خروج جلسة اليوم بقرارات حول اي من المواضيع المطروحة.
كما اشارت مصادر وزارية الى ان النقاش في الجلسة سيتم في الارقام والاسعار في ضوء موقف الرئيس نبيه بري لكنها شككت في الوصول الى نتيجة لجهة اقرار المناقصات في جلسة اليوم واصفة الامور بالصعبة، من جهة اخرى، علم ان وزير المال علي حسن خليل سيترجم موقف الرئيس بري بالتحفظ على الارقام في المناقصات.
العماد عون والنزول الى الشارع
الى ذلك عقد العماد عون اجتماعاً في دارته في الرابية مع كوادر ومنسقي التيار الوطني الحر، لدراسة تحرك مرتقب في الايام المقبلة، وربما اعلن العماد عون الخطوات التنفيذية لتحركات التيار بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح وعلى ضوء نتائج اعمال الحكومة.
وقد أجرى العماد عون اتصالات بالبطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، والرئيس امين الجميّل والدكتور سمير جعجع وتشاور معهم في المراسيم المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية وضرورة احترام الدستور باعلان نشرها في ضوء قيام الرئيس تمام سلام بنشر العديد من المراسيم وبتوقيع 18 وزيراً حيث شكل الامر سابقة خطيرة لناحية تجاوز مكون مسيحي اساسي في الدولة وتجاوزاً للدور المسيحي وهذا غير جائز السكوت عنه.
واشار النائب البطريركي العام المطران بولس صياح ان البطريرك الراعي اجرى اتصالات مع القوى المسيحية لتقريب وجهات النظر، وعلم انه على ضوء نتائج الاتصالات سيقرر البطريرك ما اذا سيوجه الدعوة لعقد لقاء للاقطاب المسيحيين الاربعة في الرابية.
وقال النائب ناجي غاريوس« سنرى كيف ستسير الامور اليوم في مجلس الوزراء، والحل ليس في هذه المناقصات والتي جاءت في غير محلها، والمشكلة في الفريق الذي حكم لبنان منذ عام 1990، وتقاسموا السلطة كيفما ارادوا، ومن الطبيعي ان ينزل الشعب اللبناني الى الشارع للتعبير عن رفضه لكيفية ادارة الدولة، ونطالب القضاء بالتحرك لكشف ملابسات ما حصل رغم ان الاعتراض السلمي والعنفي هو ضد طريقة الحكم وضد هذه الطبقة السياسية».
واشار الى اننا سنبقى نطالب بحقنا وحقوق اللبنانيين واعتبر ان ما جرى في ملف النفايات وفض العروض امر «مشبوه» ومناقصة مشبوهة، واعتداء على اموال الدولة ويجب على رئيس الحكومة رفضه، واستغرب موقف وزراء حزب الكتائب بدعوتهم الى موافقة مجلس الوزراء على هذه العروض واقرارها، فعملية استدراج العروض وفق القانون لم تحصل ومن الطبيعي ان نرفض ما حصل، وهو اعتداء على اموال البلديات التي يجب ان تتحرك وتنزل الى الشارع للمطالبة بأموالها واسترداد هذه الأموال.
واكد أن التيار الوطني الحر سينزل الى الشارع، وسيكون الى جانب التحركات التي تجري ضد هذه النقابات السياسية، وهذا حق طبيعي.
فضيحة مناقصات النفايات ولماذا تربح في الدولة العربية وتخسر في لبنان؟
بشكل واضح وعلني وبدون «حياء» اعلن الوزير محمد المشنوق عن فضّ عروض المناقصات للنفايات والتي حملت محاصصة مكشوفة من قبل اركان الطبقة السياسية وابنائهم وبأسعار فاقت ما كانت تتقاضاه شركة سوكلين حيث فاقت ارباحها مليارات الدولارات، رغم ان المناقصات لم تتضمن اين ستكون المكبات واين سترمى النفايات خلال الاشهر الستة القادمة؟ خصوصاً ان المجتمع المدني اعلن عن تحركات لافتة امام مطمر الناعمة اليوم رداً على المعلومات عن توجه لاعادة فتح المطمر لستة أشهر.
وجاءت فضيحة عروض النفايات على الشكل الآتي:
اولاً - بيروت والشمال: شركة لافاجيت يملكها انطوان ازعور شقيق وزير المال السابق جهاد ازعور ممثل تيار المستقبل في حكومة السنيورة وشريك وصديق ومحسوب على فؤاد السنيورة وبالنسبة لبيروت تم الاتفاق ضمناً بأن تتولى شركة العرب المحسوبة على سعد الحريري تنفيذ الاعمال على الارض وشركة ازعور الادارة بذلك تكون بيروت حصة سنيورة - حريري.
ثانياً - الشوف وعالية والمتن الجنوبي بعبدا : شركة يملكها رياض الاسعد صديق وشريك شخصي لوليد جنبلاط.
ثالثاً - البقاع: جهاد وخليل العرب اشقاء المسؤول الامني لسعد الحريري عبد العرب ومحسوبون على سعد الحريري وقاسم حمود المعروف جداً بعلاقته بالنظام السوري اثناء وجوده في لبنان وهكذا تم تعاون الحريري السوري بالاقتصاد.
رابعاً - الجنوب: شركة شريف وهبي وعماد الخطيب الاول متعهد محسوب على حركة امل ومعروف جداً والثاني سني من شبعة محسوب على وزير الداخلية وتيار المستقبل.
خامساً - جبيل كسروان المتن: نعمة افرام ونزار يونس ونعمة افرام صديق شخصي لجبران باسيل ونزار يونس حلف جبران باسيل في لائحة البترون.
سادساً - وبهذا اكتملت المحاصصة ومجموع الصندوق البلدي الذي سيتم اعطاؤه للشركات هو مليار و200 مليون دولار.
واللافت ان كلفة سعر طن الزبالة تراوحت بين الـ 150 دولاراً الى 180 دولاراً، فشركة لافاجيت فازت بسعر الطن الواحد بـ 168.63 دولارا، وتحالف شركات نزار يونس ونعمت افرام في المتن وكسروان وجبيل بسعر 6 و171 دولارا للطن الواحد، وشركة الجنوب للاعمار التابعة لرياض الاسعد في الشوف واقليم الخروب وبعبدا وعاليه بسعر 153 دولاراً للطن، وشركة جهاد العرب في البقاع بسعر 148.96 دولارا، وشركة بانكو في الشمال وعكار بسعر 189.3 دولاراً، وشركة شريف وهبي في الجنوب بسعر 151 دولاراً.
علماً ان تكاليف سعر طن الزبالة في لبنان هي الاغلى عالمياً وتستفيد الطبقة السياسية بمليارات الدولارات. والسؤال الاساسي، لماذا يخسر لبنان من النفايات بينما الدول العربية في الكويت والبحرين وعمان والامارات وقطر تقوم بالاستثمار في هذا الملف وجني ارباح وتأمين مداخيل مالية لصالح الدولة وفرص عمل كما ان الدول الاوروبية تستفيد ايضا بمليارات الدولارات في موضوع النفايات ولو تأمنت الادارة السليمة لهذا الملف في لبنان لكان ادخل على الدولة مليارات الدولارات وخفف العجز في مرازنة الكهرباء.
وقد تحولت عملية معالجة النفايات الى استثمار عالمي يحقق ارباحاً ضخمة، وهذا الواقع ينطبق على غالبية الدول العربية والأجنبية حيث تعمل مئات الشركات الخاصة والرسمية في هذا القطاع لتخلق دورة اقتصادية كاملة تشغل آلاف العمال، ويعتبر هذا الاستثمار من المشاريع التي تنعكس تنموياً واجتماعياً بموازاة مساعي السلطات للمحافظة على البيئة.
جلسة الحوار بين حزب الله والمستقبل
وامس انعقدت جلسة الحوار السابعة عشرة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» في مقر الرئاسة الثانية، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن «تيار المستقبل»، كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل.
بحث المجتمعون تطورات الأوضاع الداخلية والقضايا الاجتماعية وما حصل في الأيام الأخيرة. وأكدوا حرصهم على حرية التعبير والتظاهر السلمي في اطار القوانين والانظمة المرعية، ودعمهم لمؤسسات الدولة في حماية الاستقرار الداخلي وحفظ الامن والمؤسسات العامة والاملاك الخاصة. وشدد المجتمعون على اولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الاطراف لمعالجة الازمات، وعلى ضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها في القضايا التي تهمّ المواطنين.
وعلم ان النقاشات كانت ساخنة، وما حملته الايام الماضية والاتهامات التي جرت لكنه تم التوافق على استمرار الحوار.